(1) أقسم الآن لو جاءنى ملك الموت, عزرائيل, ليقبض روحى, وورد إلى منكر ونكير, وامضيت خوف ليلة القبرالأولى, فإنى سأضيف إلى الشهادتين أن من الأمور المسلّم بها, أن هناك مراتب فى العلاقة الإيمانية, والمعرفية أيضاً, بين الدين المبين, واتباع الدين المبين, وأن ملازمة العقل, والنقل, والتعقل, والتعبد, هى كعلاقة الود , بين سلمان وأبى ذر, وأنه رغم فهمها المتفاوت فى الدين, ورغم أنه لو علم أبو ذر ما فى قلب سلمان لقتله, ورغم أنه لو عرض علم سلمان على المقداد لكفر, لم يتخلى أى منهم عن مولاة الدين الحق .. (2) : والآن أيها الأحبة لنطبق خصلة من خصال الود والحب, إنها ليلة سعيدة, لنجعلها ليلة طويلة بهذه القصة. : إن الحضور فى مجلس الأنس والأصدقاء مجتمعون, فى أتم الصحة والعافية, وكمال العقل, وسلامة المسير, هو نشوة الرضوان, وريح ريحان, خصوصا وقد صرت "الشرط اللازم " لوجودكما الليلة ,نقضيها إن شاء الله فى بهجة. : فأنا منذ وعيت على شمع الوجود الذى يشع ضيائه, فيضىء الوجود المظلم لهذه الأمة, يا حضرات, وأنا كالفراشة, التى تلجأ إلى هامش ضياء الوجود الآمن, فراراً من شرور هذه الأيام القبيحة التى ولت , كنت هذا العبد الحقير يخشى على الدوام, أن يخسر عناية الله. : كان الحياة جُرح, رجائه العفو لمن ضاع بعقله الأفق. : كان الحياة تيهاً, حول شجرة الزيتون التى لا تثمر فى كل أرض . : طفت عتبات أطوارى, فى مدن العشق السبع, درست فن عمارتها, واعتقادها, واعتبارها. : وبشرف ضياء نور شعاع لهيب ساعة الليل هذه قبل أن يدركنا النهار.كنت منتبهاً دائماً من خطر أن يختلط على ضوء الشمس بالقمر, لحق نور هذه الظلمة…عشت (3) عشت , ولم أرى ضرورة قط أن نعمد إلى تخريب باب بناية لتحصين شجرة, دفعاً للضرر !! عشت, لا أشك أن أى اختلاف يتبادر إلى الأذهان يعود فى الأساس لمنطلق التفكير فى الثواب, والعقاب , والإخلاص فى الرؤية , والعناية الفائقة, منعاً للضلال… كما تيقنت تماماً بالضبط , أيضاً , أن كل سيدة لا ترضى إلا بما تعده من حساء تستحسنه الأذواق. : عشت, لأرى كآبة الغربة التى لا تقصم ظهر الغريب بقدر الوحدة, كنت أتنظر يوسفى الضائع أن يعود إلى احضان يعقوبه الهائم, : عشت , هائم بقميصه أبد الدنيا. (4) : عشت, حتى لم تبق لدى فرصة للوصال, وما دريت هذا "الكمال "إذا كان ارفع أو أدنى فى مراتب الكمال… ,وما اكتملت… : حرت, أن ما يمكن حسابه قبل مرتبته باطنا لا يعد لما بعده من مرتبة إلا ظاهراً فقط . : عشت وما وعيت إلا أن "الترجمان الجامع لعالم الوجود " وحقائقه الحسية , والعينية , والمنازل العقلية, والشهودية, والإلهامية, فيه, هو, للحقائق الإلهية ظاهر وباطن, لكل منها مراتب فى فهم التنزلات الالهية ووصف تأويلاته المتعددة, استنباطاً وادراكاً, تسلسلاً فى المراتب الإيمانية المختلفة عن بعضها البعض … : عشت وما رأيت إلا تعدد الطرق من حيث مراتب الكمال والنقص والبعد والقرب من منبع الحقيقة المتمثلة فى الصراط المستقيم … : عشت وما عرفت إلا أن دين المسلم العادى أكمل , من دين عيسى, ودين موسى, ولكن فى الحقيقة لم أعرف ما إذا كان ارفع أو ادنى منها من حيث مراتب الكمال, : عشت اتحسر بالأسف على أن أعيش غريباً هكذا .. (5) عشت لأرى سحاب هذا الغروب الكئيب من سماء هذه الشمس. فتعال الآن أيها الوفى الحميم لنجلس سويا فى هذا العِشاء , الأخير, اجلس بجوارى وأنا احتضر, كى يشق علينا الفراق. : هيه…, لقد طعمنا فيها سويا القليل من مرارة المصائب. : هيه…, كانت كالتفاحة المتعفنة التى ينخر ديدانها ارواحنا…. اجلس بجوارى حتى يشق علينا الفراق. : هيه…, العالم حافل بالفراق, وخصوصاً هذا الفراق الذى يفرق الأحبة عن بعضهم. : هيه…,( الفراق الأعظم, هو فراق الله , ما دمنا فى ديار هذه الغربه هذه, فلا بد أن ينتهى فى كل يوم بفراق أحد الأحبة, ولو اضيفت الغفلات والحسرات فإننا بمثل هذه الفراقات , نبتعد عن الله أو نقترب منه…) :هيه …,هذا هو جمع النقيضين وجمع النقيضين أمر محال ! إلا أنه صحيح عندنا بمقتضى النظم فى اجتماع النقيضين, ولكن كيف يكون فى حدود اللامتناهى ؟ فلو كان كل هذا العالم المتحرك من الله, وإلى الله, أفلا يمكن أن يكون ذلك فى حد ذاته, حتى نكون هكذا نحن, فى فراق الحبيب السماوى جميعاً بعيدين عنه بشكل ما , وقريبين منه بشكل آخر أيضاً . هيه …, عشت وما رأيت إسرافيل ينفخ فى البوق, لا من فتحته الواسع . هيه … , أين الأنيس الذى يحن علينا فيبكى من أجلنا لهمومنا الخفية, وأنا الصامت الآن التائه فى غياهب المجهول,