أسدلت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة الستار على الجدل الدائر منذ سنوات بشأن مولد أبو حصيرة "اليهودى" والذى يقام منذ عقود بقرية دمتيوه بمركز دمنهور. وكانت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة قد قضت أمس الاثنين بإلغاء الاحتفالات السنوية نهائيًّا بمولد أبو حصيرة اليهودى؛ لمخالفتها للنظام العام والآداب وتعارضها مع وقار الشعائر الدينية، وكذلك إلغاء قرار وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى الخاص بأثريته، مع إلزام وزير الآثار الحالى بشطب الضريح من سجلات الآثار المصرية، وطالبت المحكمة بإبلاغ منظمة اليونسكو بذلك القرار وإيداع الترجمة المعتمدة من الحكم الوثيقة والسند فى الإبلاغ. كما رفضت المحكمة نقل رفات الحاخام اليهودى إلى إسرائيل، لأن الإسلام يحترم الأديان السماوية، وينبذ نبش قبور موتاهم، وأضافت المحكمة أن اعتبار ضريح الحاخام اليهودى أبو حصيرة من الآثار الإسلامية والقبطية خطأ تاريخى جسيم يمس كيان تراث الشعب المصرى، مستندة للثوابت العلمية والدراسات التاريخية والأثرية فى العالم الغربى التى أثبتت أن اليهود لم يكن لهم أى تأثير يذكر فى حضارة الفراعنة. وقالت المحكمة إن المشرع الدستورى المصرى حدد مراحل الحضارة المصرية بالمصرية القديمة والقبطية والإسلامية، وإضافة اليهود للتراث المصرى مخالفة دستورية. وأضافت المحكمة أن طلب إسرائيل لليونيسكو بنقل الرفات للقدس أحادى الجانب، يعكس أطماع إسرائيل لإضفاء شرعية على فكرة يهودية الدولة بتواجد الضريح على أرض فلسطين العربية، والقدس أرض محتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة طبقًا للقانون الدولى واتفاقية جنيف الرابعة. وحسم الحكم قضية الحاخام اليهودى يعقوب أبو حصيرة، وطبقت المحكمة كما ورد فى حيثياتها الثوابت العلمية والتاريخية والأثرية التى قام بها علماء الغرب فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا قرابة قرن من الزمان، التى اتفقت على أن اليهود لم يكن لهم أى تأثير يذكر على الحضارة المصرية، ولم يساهموا بأى قدر فى المعارف البشرية لتاريخ الحضارة، كما طبقت أحكام الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية التراث العالمى الثقافى والطبيعى، فضلاً عن تعرضها لدراسات فى القانون الدولى بشأن القدس العربية المطلوب نقل الرفات إليها؛ لبيان مدى مشروعية طلب سلطة الاحتلال المبدى لمنظمة اليونيسكو، وأكدت المحكمة ذلك فى خمس طلبات صدر بها الحكم بكل الأسانيد والبحوث العميقة، وأفردت لكل طلب منطوقًا على حدة، بما يحدث تكاملاً فى الموضوع. واعتبرت المحكمة قرار وزير الثقافة الأسبق الصادر فى يناير 2001 باعتبار ضريح الحاخام اليهودى أبو حصيرة والمقابر اليهودية حوله من الآثار الإسلامية والقبطية معدومًا وينطوى على خطأ تاريخى جسيم يمس تراث الشعب المصرى، وألزمت الحكومة المصرية بشطب ضريح الحاخام اليهودى أبو حصيرة من السجلات الوطنية وإعلان قرار الشطب بالوقائع المصرية، وألزمتها كذلك بإبلاغ قرار الشطب للجنة الدولية الحكومية "لجنة التراث العالمى" بمنظمة اليونيسكو بعد أن أبلغها وزير الثقافة بأن الضريح أثر إنسانى، واعتبرت المحكمة أن إيداع الترجمة المعتمدة من الصورة الرسمية من الحكم وثيقة وسندًا فى إبلاغ تلك المنظمة. وشدد الحكم على محاوله الالتفاف الإسرائيلى لدى منظمة اليونيسكو بطلب نقل الرفات إلى القدس؛ لتكون المنظمة شاهدة على تكريس فكرة يهودية الدولة على الأراضى الفلسطينية وتغيير هوية القدس العربية، من خلال طلب ملغوم بنقل رفات أبو حصيرة للقدس العربية، وهو ما يجب أن تفطن إليه تلك المنظمة، واعتبرت المحكمة أن الترهيب بمعاداة السامية هو نوع من الترويع الفكرى الجديد وهو أمر ترفضه الأعراف والتقاليد الدولية. وأدى هذا الحكم إلى حالة ارتياح واسعة بين أبناء البحيرة وقيادات الأحزاب السياسية، حيث اعتبره القيادى الناصرى "حمدى عقدة" حكمًا تاريخيًّا يرسخ لرفض التطبيع الثقافى الذى حاول الكيان الصهيونى فرضه عبر وسائل متعددة، لكن الشعب المصرى قاوم تلك المحاولات. وأضاف عقدة أن الحكم الذى صدر أمس بمثابة تصحيح لأوضاع شاذة مستمرة منذ اتفاقية كامب ديفد، والتى فتحت الباب أمام العدو الصهيونى للدخول إلى قرية دمتيوه تحت دعاوى زائفة لا أصل لها. كما عبر "حسن مصطفى غالى" أحد أبناء قرية دمتيوه عن سعادته الكبيرة بهذا الحكم، مؤكدًا أن أهالى القرية كانوا يشعرون بالعار من تدنيس الصهاينة لقريتهم كل عام بدعوى الاحتفال بمولد أبو حصيرة، ويقومون بشرب الخمور والرقص حول الضريح المزعوم، وأضاف غالى "أننا لن نسمح من الآن بدخول أى صهيونى إلى القرية، وسوف نلتزم بالحكم القضائى التاريخى".