كشفت أزمة مدينة فيرجسون الأمريكية الإزدواجية التي تتعامل بها الولاياتالمتحدة بشأن حقوق الإنسان، فرغم دعواتها ومناهضتها لانتهاكات حقوق الإنسان في الدول الأخرى، أثبتت فيرجسون بأنها غير قادرة على تحقيق العدالة وإنصاف شعوبها، حيث لا زالت العنصرية تخيم على المشهد الضبابي في المدينة التي يقطنها أمريكيون من أصول إفريقية، لتطفو مع مقتل الشاب الإفريقي الأمريكي "مايكل براون" عقب إطلاق شرطي أبيض النار عليه فأدت لمقتله لتتطور الأحداث وتزداد الاحتجاجات والاضطرابات الأمنية، فأصبحت القضية ورقة انتقاد تستخدمها دول مثل روسيا والصين وغيرها ضد الولاياتالمتحدة بسبب مناهضتها للعنف مع غض الطرف عما ترتكبه قواتها الأمنية بحق المتظاهرين والمحتجين بالمدينة التي أشعلت نار الغضب في الولاياتالمتحدةالأمريكية. تشهد أمريكا حالة من الفوضى العارمة، بعد إعلان تبرئة ضابط الشرطة الأمريكي "دارين ويلسون" من قتل المراهق الأسود "مايكل براون" في فيرجسون، حيث قال موقع "جلوبال ريسيرش" البحثي إن العديد من الأمريكيين احتجوا على هذا القرار واعتبروه مهزلة قضائية، فمنذ البداية كان هناك تلاعب يهدف في النهاية إلى غرض واحد، وهو حماية الشرطي قاتل الشاب الأعزل. ويضيف الموقع أن محاضر إجراءات هيئة المحلفين الكبرى تكشف مدى التحيز الواضح للشرطي، فقد كرست كافة الأدلة لتشويه صورة "براون"، بما في ذلك شهادات شهود العيان، وذهب "ويلسون" لتقديم خدمة المصالح الذاتية، فطوال المحاكمة سعى المدعي العام إلى وضع "براون" في الاتهام بدلا من "ويلسون". ويشير الموقع إلى أن تبرئة "ويلسون" ترجع إلى العديد من المساويء المتواجدة في الولاياتالمتحدة، كما أن تصرفات المدعي العام كانت جزءا من عملية سياسية مدبرة للغاية، بمشاركة إدارة الرئيس "باراك أوباما"، ويوضح "جلوبال ريسيرش" أن الإدارة الأمريكية لم تضع في حسبانها الغضب الشعبي الهائل لمقتل المراهق الأعزل، فلماذا لم توجه هيئة المحلفين الكبرى تهمة القتل غير العمد للضابط، أو لماذا لم يتم تسليم لائحة اتهام أو إجراء محاكمة، ولكن النيابة تعاطفت مع "ويلسون" على حساب الضحية. ويرى الموقع أن هناك عاملين دفعا الطبقة الحاكمة للوصول إلى هذا القرار، أولا عنصر الاستفزاز، حيث استغلت أحداث فيرجسون لخلق سوابق جديدة في تاريخ القمع بالولاياتالمتحدة، فقد خلق القرار ظروفا جديدة للشرطة تمكنت من خلالها قمع المتظاهرين، ثانيا القرار له طابع الطبقية لدى الفئة الحاكمة، فرغم المخاطر المحفوفة، تدرك الإدارة أن الحكم سيصاعد الاضطرابات الاجتماعية، كما أنه تعلم أنها لن تتنازل عن القرار، نظرا لأن التنازل يعني المزيد من المعارضة. ويعتقد الموقع الكندي أن تجاهل هذا الحكم من قبل الطبقة الحاكمة أفقدها مصداقية نفسها أمام العالم بأسره، فالدولة التي نظمت الحروب في كل منطقة من مناطق العالم، والتي تدعي المدافعة عن حقوق الإنسان، تستخدم أكثر الأشكال وحشية لقمع المعارضة داخل حدودها، ويشير "جلوبال ريسيرش" إلى أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية انتقدت حكم براءة "ويلسون"، حيث قالت صحيفة واشنطن بوست، إن الحكم يعزز شعور التفرقة بين الأمريكيين الأفارقة، كما أن نظام العدالة مزور، بينما رأت صحيفة نيويورك تايمز، أن الحكم يظهر عدم الثقة في القانون الأمريكي الذي يمثل خطرا بالغا على النسيج المدني في الولاياتالمتحدة. ويعتقد "جلوبال ريسيرش" أن تعليقات الصحف تلمح إلى أن العنصرية هي القضية الرئيسية في الاحتجاجات وإصدار الحكم، كما أن الطبقة الحاكمة تدرك جيدا أن تلك السياسات لن تنه الثورة الاجتماعية داخل البلاد، فلاحقا لن تتمكن من السيطرة على تلك الاحتجاجات. ويؤكد الموقع أن السنوات الست الماضية لحكم "أوباما" لم تذهب هكذا دون أن يلاحظها أحد، فقد بدأ ملايين العمال والشباب في الولاياتالمتحدة استنتاج أنه ليس هناك نظام اجتماعي وسياسي قائم لمعالجة همومهم أو التعبير عن معارضتهم، وتبرئة "ويلسون" جاءت لتأكيد هذا المفهوم، فتلك الممارسات تميز النظام الذي يتجه حتما نحو الدمار. رصدت صحيفة الجارديان البريطانية ردود الفعل الدولية إزاء أعمال الشغب التي شهدتها مدينة فيرجسون، ورأت أن الأحداث رسمت "ابتسامة فرح واسعة" على وجوه عدد من الأنظمة الاستبدادية حول العالم، معتبرة أن التظاهرات الاحتجاجية العنيفة ضد عنف الشرطة في فيرجسون قوضت مصداقية الولاياتالمتحدة في انتقاد الدول الأخرى في مجال حقوق الإنسان. ظاهرة عنف الشرطة الممارس ضد السود لها جذورها وخلفياتها، فهناك رئيس أسود لكن معظم الأمريكيين السود يعانون حاليا من سوء الأحوال الاقتصادية أكثر مما كانوا عليه قبل 20 عاما، إنهم مهمشون في جميع مجالات الحياة فنسبة البطالة بينهم زادت خلال عقود إلى ضعف نسبتها بين أصحاب البشرة البيضاء، كما أن دخلهم المالي أقل بنسبة الثلث من متوسط دخل الفرد في الولاياتالمتحدة، ونسبة السود الفقراء أكثر بثلاث مرات من البيض، كما أن الاعتقالات والعقوبات في أوساطهم أكثر منها لدى البيض. ثمة أسطورة إعلامية تقول إن الولاياتالمتحدة قد تمكنت من إنهاء مشكلة العنصرية، ولكن ما حدث في مدينة فيرجسون ويحدث في مناطق أمريكية أخرى تدل على أن الولاياتالمتحدة ما زالت تعاني من مشكلة التفرقة العنصرية، فضلا عن أن أحداث فيرجسون كشفت خلل التوازن الاجتماعي داخل الولاياتالمتحدة التي تدعي مراعاتها لحقوق الانسان ، وتأتي أزمة مقتل الشاب الأسود لتثير عدة مشكلات يواجهها الأمريكيون ذوي الأصول الإفريقية ، لعل ما يحدث في فيرجسون يدفع الولاياتالمتحدة للتوقف عن دور المحاضر الذي تلقنه للدول الأخرى عن معايير حقوق الانسان، يمكن القول أن احتجاجات فيرجسون ساهمت في فضح الأكاذيب الأمريكية بشأن أسطورة المساواة وإنهاء التميز العنصري، ليثأر حادث فيرجسون لدول تدخلت فيها أمريكا باسم الديمقراطية ودفعت بها إلى الهاوية.