آثارت سيطرة جماعة أنصار الله على عدة مدن استراتيجية داخل اليمن، وبالأخص المدن التي تقع على ساحل البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب مثل الحديدة العديد من التساؤلات والتخوفات لدى البعض في الفترة الاخيرة. على مايبدو ان السيطرة عليها كانت هدفاً إستراتيجيا لجماعة الحوثي تضمن لها منفذاً على البحر، فضلاً عن التحكم في الميناء الأهم للعاصمة صنعاء، ففي 14 أكتوبر الماضي، أعلنت جماعة أنصار الله دخولها مدينة الحديدة بهدف التخلص من بقايا لانصار علي محسن الأحمر وتنظيم القاعدة، وبمجرد دخولهم قامت الجماعة بتعزيز تواجدها في الكثير من النقاط الإستراتيجية بمدينة الحديدة (230 كلم إلى الغرب من صنعاء) بينها القاعدة العسكرية البحرية والمطار والميناء الواقع شمال مضيق باب المندب. ويقيم الحوثيون نقاط تفتيش عند بوابات المدينة بعد أن سيطروا في وقت سابق على مخازن السلاح التابعة للمنطقة العسكرية الخامسة في مدينة باجل بالحديدة، وبدؤوا في نقل الأسلحة إلى أماكن أخرى، بالإضافة إلى سيطرتهم على معسكر الكمب في المدينة دون مقاومة تذكر .. ما بين الحديدة وباب المندب يرى البعض أن الحديدة رغم اعتبارها أكثر المحافظات المطلة على البحر الأحمر، ومن بين مديرياتها ال 26 هناك 12 مديرية مطلة على هذا البحر، ورغم امتلاكها 40 جزيرة في البحر الأحمر بعضها إستراتيجية مثل جزر (أرخبيل حنيش) و(جزر تقفاش) التي يصل ارتفاع جبالها إلى أكثر من 1300 قدم (القدم يساوي حوالي 30 سم)، وهو ما يجعلها قادرة على مراقبة ممر الملاحة العالمية، ليست هدفا للحوثيين في حد ذاتها، إنما تعتبر البوابة التي ستمكنهم بعد ذلك من السيطرة على الشريط الساحلي الموصل لمضيق باب المندب ذو الأهمية الاستراتيجية بالإضافة إلى جزيرة بريم التي تقع في مضيق باب المندب والتي تفصل باب المندب إلى قسمين، وللسيطرة أيضاً على منطقتي دهوباب والمخا الساحليتين اللتان تقعا على الشريط الساحلي الواصل بين الحديدة وباب المندب، واللتان تجري عبرهما كل عمليات نقل الأسلحة. ويعتبر باب المندب معبراً دولياً مهماً، حيث تعبر منه سنويّا ملايين البراميل من الوقود ويمر به نحو 25 ألف سفينة سنويا، ويمتلك اليمن أفضلية نسبية في التحكم فيه، ويوفر لها تسهيلات في الحصول على دعم سخي من إيران من دون عناء أو مشكلات أمنية، ويشكل مضيق باب المندب مع قناة السويس أهم اختصارات لطرق التجارة بين الغرب والشرق، خاصة بين أوروبا وآسيا، كما أنهما يشكلان الممر المائي الأساسي بين الخليج العربي وخليج عمان، والبحر المتوسط، ويرى بعض المتخصصون أن بمجرد سيطرة أنصارالله عليه، سيعد انتهاكاً لاتفاقية "جمايكا"، التي سعت الأممالمتحدة إلى توقيعها بين الأطراف كافة في 1982 ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 1994. تصاعد وتيرة القلق.. تبقى أهمية باب المندب مرتبطة ببقاء قناة السويس أولاً وممر هرمز ثانياً مفتوحين للملاحة، أمام ناقلات النفط خاصة. وتهديد هذين الممرين أو قناة السويس وحدها يحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح، حيث لا يقتصر الأمر على الإضرار فقط بمصر بل بجميع دول العالم التي تستخدم المضيق. في إطار هذه التخوفات، صدرت بعض التصريحات من بعض المسئولين المصريين، حيث قال الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس إن مضيق باب المندب مؤمن تماما ضد أى تهديدات لحركة التجارة العالمية، وأشار فى المؤتمر الصحفي الذي عقده بمقر مجلس الوزراء، إلى أن العالم كله لن يسمح بأي تهديدات لحركة التجارة العالمية. رد عربي أم دولي.. في ظل تحركات جماعة أنصار الله المتتالية التي تهدد استقرار الأنظمة الموالية لأمريكا وإسرائيل، وفي ظل فشل الجيش اليمني في التصدي لأي من هذه التحركات، تعتبر منظومة الدفاع السعودية هي الأقرب للرد على الحوثيين، إلا أن الكثير من الباحثيين لا يعولون على التحرك السعودي الذي قد ثبت عدم فاعليته في الهجوم على الحوثيين في مواجهات صعده عام 2009، حيث تكبدت القوات السعودية خسائر فادحة لا سيما وأن الحوثيين يجيدون أساليب وخيارات متعددة مكنتهم من الصمود أمام جيش مترهل لا يعرف الحرب ولا كيفية إدارتها، ومع عجز الجيش السعودي عن حسم المعركة تدخل الطيران الأمريكي والخليجي وقصفوا المناطق الشمالية، كما أكدت وثيقة أمريكية نشرها موقع ويكيليكس في 2010 أن الجيش السعودي لجأ في عام 2009 إلى "القوة المفرطة" ضد الحوثيين اليمنيين، وإذا نظرنا لمسألة التدخل السعودي في إطار هذا، نرى أن مهمة الجيش السعودي في مواجهة أنصار الله داخل العمق اليمني مهمة أكثر صعوبة، حيث سيفقد الجيش السعودي خطوط الإمداد بعكس الحوثيين الذين أصبحوا يسيطرون على مناطق متفرقة داخل اليمن. يعول البعض الآخر على تدخل أمريكي ودولي، إلا أن الكثيرين يرون عدم وجود نية للتدخل في اليمن في ظل وجود خطر داعش في العراقوسوريا، ولعدم جدوى التدخل الدولي الذي سوف يقتصر فقط على القصف الجوي، والذي أثبت فشله في سورياوالعراق، بعد ان استخدمت الجماعات الإسلامية المسلحة تكتيكات جديدة لتفادي هذه الضربات، مما طرح خيار التدخل البري في العراقوسوريا. في ظل التعقيدات الحالية، يعقد البعض آماله على دخول مصر في الأزمة اليمنية في حال توجه الحوثيون جنوباً نحو باب المندب، ويرون أن مصر قادرة على هذا، نظراً لاستعداد الجيش المصري وجهوزيته بالمقارنة مع نظريه السعودي.