ما أكثر شجون وشئون صحافتنا في هذه المرحلة إنها أكثر من الهم علي القلب وشجون جمع شجن التي تجمع أيضا علي أشجان والشجن كما يقول المعجم الوسيط هو الغصن المشتبك والشعبة من كل شيء والشجن: الهم والحزن والحاجة الشاغلة والمثل يقول: الحديث ذو شجون أي له فنون وفروع وشعب تتداعي منهاع ما يبعث البهجة ومنها ما يجلب الكآبة ويزيد الاكتئاب.. يصدق هذا علي محتويات الصحف بعامة وعلي الأعمدة الصحفية بخاصة وإذا كان الشاعر الكبير بيرم التونسي قد قال: آه من العيون وراح يعدد أنواعها ويذكر آثارها. فإني أقول: آه من الأعمدة. آه ياني وعلي الرغم من الآهة والتأوه فإني ابدأ بعمودين صاروخين من الصواريخ بعيدة المدي أطلقهما في يومين متتاليين الأحد والاثنين الماضيين. شاعرنا وكاتبنا الكبير الأستاذ فاروق جويدة الأول بعنوان "الإعلام الأسود" والثاني عن "القلم الآلي" كل واحد من هذين العمودين أهم وأخطر من الثاني من حيث المضمون والمحتوي وهما معا مما لا يكتبه إلا فاروق جويدة ومن ساروا علي دربه وهؤلاء – علم الله – قليلون وعملة نادرة في زمننا هذا وفي صحافة هذه الأيام. بلاغ إلي النائب العام لو كان الأمر بيدي لاستأذنت شاعرنا وكاتبنا الكبير في أن أعيد هنا نشر العمودين المذكورين المنشورين – كما هو معروف – في الأهرام تحت العنوان اليومي "هوامش حرة". وما هي بهواجس ولا أنابيش انه أصول ذات جذور راسخة وثابتة في أرض طيبة معطاء وأعتقد أني لو استأذنته لما رد لي طلبا. خاصة وأنه أصبح من النادر أن يقرأ المواطن المصري صحيفتين في يوم واحد فقد ارتفعت أسعار الصحف وقل عدد القارئين ومع أن الاختصار نوع من السطو وأن كل اختصار جريمة فإني لا أملك إلا ارتكاب هذا الذنب.. وعلي من فاته أي من هذين العمودين أن يطالعه علي الشبكة الدولية أي الانترنت ولعل كل من قرأهما قد أعاد القراءة ربما أكثر من مرة ومعا نقرأ قول الشاعر والكاتب الكبير في يوم الأحد الماضي "الإعلام الأسود" كتاب للزميل حسام عبدالهادي نائب رئيس تحرير مجلة روزاليوسف صدر في هدوء واختفي في ظروف غامضة ولم يعرف أحد شيئا.. وكتاب الزميل حسام عبدالهادي إذا صحت البيانات والأرقام والأحداث والاشخاص فيه فإن مكانة ليس المكتبات أو باعة الصحف والمجلات والكتب ولكن مكانه الحقيقي هو مكتب سيادة النائب العام لماذا؟ يجيب الأستاذ فاروق جويدة: الكتاب يتحدث عن قضايا الفساد في الإعلام المصري وكيف تكونت الفضائيات المصرية وما هي مصادر تمويلها والعلاقة بين رءوس الأموال وتجار الأراضي ورموز العهد البائد. وهذه الفضائيات يتحدث الكتاب بالوقائع والأسماء والأرقام عن الإعلاميين الذين يعملون في هذه الفضائيات والعلاقات المشبوهة بين الإعلام ورأس المال والفلول التي أسقطت ثورة يناير وشوهتها أمام الرأي العام المصري يكفي من القلادة ما يحيط بالعنق.. وتكفيني هذه الكلمات من كاتب وشاعر في وزن فاروق جويدة وذلك إلي أن أعثر علي الكتاب وأطالعه فقد "بح" قلمي منذ 1990 تحديدا في الحديث عن الفساد والاختراق في وسائل الاعلام ورحم الله الأستاذ صلاح الدين حافظ فقد كان قلما رائدا في هذا المجال. شعب حائر وإعلام متسبب أما عمود الأستاذ جويدة عن "القلم الآلي" فإني لا أجد لدي القدرة علي الاجتزاء منه. لذا اكتفي بمقدمته وخاتمته الأولي هي: من أسوأ الظواهر التي انتشرت في حياتنا الثقافية في السنوات الأخيرة ظاهرة أسواق بيع الأقلام وهي تشبه تماما أسواق بيع السلع حيث تجد طابورا طويلا يعرض عليك خدماته ابتداء بالنقد والتجريح وانتهاء بالمدح والتزييف أما الخاتمة فهي: إذا كانت هناك أسواق للسلع وأسواق للسلاح وأسواق للضمائر فهناك أيضا أسواق للأقلام والبرامج والفضائيات.. ان الأزمة الحقيقية الآن أن الحكومات فقدت سيطرتها تماما علي هذه الأسواق فالسلاح في كل مكان.. والموت في كل شارع وهناك أقلام تبرر ذلك كله وتبيع نفسها للشيطان. هذا العمودان معا تكملة وإضافة إلي مقال الأستاذ جويدة في الأهرام يوم الجمعة بعنوان "الشباب وهذان والبرلمان ثلاثية المخاطر" وفيه يقول: ان الشعب حائر أمام إعلامه المتسيب والدولة عاجزة ان تتخذ موقفا مع عمليات التمويل المشبوهة والفوضي التي يتسم بها الأداء الإعلامي بل ان المسئولين الآن يترددون كثيرا في حسم قضية الإعلام وتوضيح مواقفه بما يخدم مصالح الوطن. ومن جانبي اسأل: لماذا هذا التردد؟ وإلي متي؟ وهل سيأتي التدخل بعد خراب مالطة؟ وعن التمويل المشبوه والاختراق الأجنبي أتحدث وعندي ثقة لا تتزعزع في أن لدينا من الأجهزة ما يعلم أسرار ودقائق هذا كله وكل يوم يمر يزداد الخرق علي الراتق.. من لديه أدني شك فليراجع كتابات الأستاذ جويدة وكفي. عبدالناصر و"نيوتن"والضمير الصحفي بضدها تعرف الأشياء وفي اليوم السابق علي عمودي الأستاذ جويدة أي في يوم السبت الماضي وفي "المصري اليوم" كتب المتنكر تحت اسم "نيوتن" عمودا بعنوان "جمال عبدالناصر رضي الله عنه" وهو أسوأ ما كتب عن الزعيم عبدالناصر منذ الحملة التي بدأت بعد انقلاب 13 مايو 1971 مباشرة والتي لاتزال مستمرة بأشكال مختلفة وباشتراك قوي عديدة لن أخوض في هذه الحملة ومن شارك ويشارك فيها ومن يمولها ولماذا؟ فهذه قصة طويلة وحرب تشتعل أكثر كلما فشلت وقد أثبتت فشلها بجدارة.. ولن أخوض أيضا في قضية بعد هذا "النيوتن" وما حقيقته وما علاقاته وارتباطاته ومن هم كتبته والمستكتبون وما أكثرهم.. هذا كله مؤجل لوقت آخر. ما يعنيني اليوم هو مدي الانحطاط الذي كتب به هذا العمود ضد زعيم وطني كبير والذي يمثل خروجا علي آداب الكتابة وخرقا لميثاق الشرف الصحفي وعدوانا علي الضمير الوطني لعل المرء ليس في حاجة إلي التذكير بكلمة "فولتير" الشهيرة: اني اختلف معك في الرأي ولكني مستعد لأن أدفع حياتي ثمنا لأن تقول رأيك والفيلسوف الفرنسي يتحدث عن "الرأي" وليس عن السباب والاسفاف أو عن الشتائم والسخائم. الحديث هنا موجه إلي الضمير الوطني بعامة والصحفي بخاصة وإلي الزملاء الأساتذة أعضاء مجلس النقابة والأستاذ النقيب لا أريد منهم بيانا ولا استنكارا لما كتبه السيد نيوتن ولكن اذكرهم بما حدث ضد الزميل الاستاذ سعيد عبدالخالق رحمه الله حينما نشر في صحيفة "الميدان" التي كان يرأس تحريرها صورة للرئيس السادات بعد اغتياله وذلك في العدد الصادر في 28 مايو 2002 ولعل هذا السباب ضد الزعيم عبدالناصر يستدعي من مجلس النقابة تشكيل لجنة علمية يشارك فيها مؤرخ وأستاذ علوم سياسية وأستاذ إعلام وأستاذ قانون وعضو محايد أي غير ناصري أو اشتراكي أو يساري من أقدم أعضاء النقابة الأحياء وتقول اللجنة الموقرة رأيها في عمود السيد "نيوتن" وربما تستعين وتستعيد كل مما كتب باسمه عن عبدالناصر ويوجه مجلس النقابة هذا الرأي بعد اقراره إلي الرأي العام وربما تكون هذه مناسبة ليقف المجلس وقفة الجمعية العمومية ضد التدني في الكتابة الذي انتشر بشكل غير مقبول ولا يجب أن يستمر. في البلاط الجمهوري عفوا ليس في هذا العنوان خطأ.. من المعتاد أن نقول: بلاط صحابة الجلالة أو البلاط الصحفي ولكن الزميل الأستاذ أحمد رجائي أبى الا ان يجعل البلاط جمهوريا في كتابه الجديد عن "ملوك وأمراء في بلاط الجمهورية" وقد استغل في العنوان قدرته في الإخراج الصحفي واستخدم علاة الضرب "*" بدلا من صرف الجر فجاء الغلاف بسيطا ولافتا وجذابا.. أما مضمون الكتاب فهو تأريخ لدارنا دار التحرير من خلال الحديث عن صحفييها وليته قدم لذلك بمقدمة عن تاريخ "الجمهورية" نفسها منذ لحظة التفكير في إصدارها واللقاءات والاجتماعات الأولي التي مهدت لهذا الاصدار الذي كان فتحا جديدا في تاريخ الصحافة المصرية فمنذ 1953 وإلي اليوم والغد ان شاء الله كانت الجمهورية صوت الشعب ولسان ثورته علي الرغم مما شهدته من احداث وتطورات وانقلابات وبالذات بعد انقلاب مارس 1975 ظل فيها دائما قبس من روح الشعب قد يخفت أو يتراجع أحيانا ثم لا تلبث الجمهورية أن تعود وشقيقتها المساء سيرتها الأولي: وصوت الشعب ولسانه المبين وكم يسعد المرء بأي كتاب جيد عن هذه الدار التي لم تنل بعد حظها الواجب من الكتابات والدراسات ويكفي الزميل العزيز الاستاذ احمد رجائي هذا الجهد الذي يدعونا جميعا نحن ابناء هذه الدار من جميع الأجيال والاتجاهات إلي أن ندفع لها بعض ما لها في أعناقنا بأن نكتب بحب وبموضوعية تجربتنا وعلاقاتنا وأيامنا وليالينا في صحيفة عشقناها وأعطتنا الكثير صغارا وكبارا أما الاستاذ رجائي فله من جانبي التحية والتقدير اللذين لا تؤثر فيهما ملاحظة هنا أو هناك.. انتظارا لعمله الجديد ومبروك مقدما.