أثيرت في الآونة الأخيرة قضية خطيرة تهدد أمن مصر المائي والتي ستظهر ضراوتها في حالة عدم قدرة إثيوبيا على تسويق الكهرباء المنتجة من سد النهضة بعد تشغيله، مما يضطرها إلى خفض الكميات المنتجى منه وما يصاحبه من خفض كميات المياه المتدفقة عبر التوربينات والمترتب عليه خفض الوارد من المياه إلى مصر. حيث أكد الدكتور نادر نور الدين أستاذ المياه والأراضي بزراعة القاهرة أن المسئولين في مصر لا علم لهم حتى الآن عن الكمين الإثيوبي في إنشاء سد النهضة، حيث لا توجد فتحات لمرور المياه من السد إلى مصر إلا عبر توربينات توليد الكهرباء فقط لا غير، والسد سيولد نظريًّا 6000 ميجاوات، لا يمكن للسودان أن تشتري أكثر من ألف واحد، ولا تحتاج إثيوبيا أكثر من ألف آخر، ويتبقى 4 آلاف مرهونة بيبعها إلى مصر؛ لأنها الأقرب ووجود خط ربط مع السودان. موضحًا أن كينيا والصومال وجيبوتي أبعد كثيرًا عن إثيوبيا، وتحتاج شبكات ربط مكلفة للغاية، وبالتالي فإن تمرير المياه الذي سيكون عبر التوربينات سيتوقف على قدرة توليد الكهرباء وبيعها، فإذا ما باعت إثيوبيا قدرًا صغيرًا، فستمرر مياهًا قليلة على قدر التوليد القليل، وبالتالي فتمرير مياه كثيرة يرتبط بشراء مصر للكم الأكبر من الكهرباء إذا ما رغبت في الحصول على المياه، مشيرًا إلى أن مسئولي وزارة الري ما زالوا غارقين في تشكيل لجان لبحث الدراسات البيئية والأمان للسد وليس بحث السد نفسه وكارثيته على مصر. وأوضح الدكتور هيثم ممدوح رئيس قسم الهيدروليكا والري بهندسة الإسكندرية أن سعة السد تنقسم لثلاث: الأولى سعة ميتة وتقدر كميتها ب 14 مليار متر مكعب وتخزن في أول عام، وهي تمثل خسارة ملموسة على مصر، وتعد من الآثار السلبية المترتبة على بناء سد النهضة، والسعة الثانية وهي السعه الحية وتمثل 50 مليار متر مكعب، والأخيرة هي سعة الطوارئ وهي 10 مليارات متر مكعب. وتابع ممدوح أن كمية المياه في السعة الحية والتي تقدر ب 50 مليار متر مكعب تمثل تقريبًا متوسط إيراد النهر، وهذا معناه أن سد النهضة يستخدم للتخزين السنوي وليس بقصد التخزين على المدى البعيد مثل السد العالي كما يشاع، لافتًا إلى أن السد لا بد من تفريغة قبل فيضان العام التالي، لأنه لو جاء الفيضان وكانت البحيرة خلف سد النهضة ممتلئة، فلن تعظم الاستفادة من توليد الكهرباء، وفي حالة قيام إثيوبيا بمنع مرور المياه خلال التوربينات فإن المياه ستمر من خلال مفيض السد أو من أعلى جسمه، إلا أن هذا التصرف يمثل خطورة إنشائية على السد، هذا بجانب عدم استفادة إثيوبيا من هذا الإجراء لعدم قدرتها على توليد الكهرباء، موضحًا أنه في حالة قيام إثيوبيا بهذا التصرف ستتوقف خطورة التأثير على مصر على المخزون الاستراتيجي ببحيرة السد العالي. وطالب رئيس قسم الهيدروليكا باستحداث نوع آخر من التخزين، وهو التخزين المستمر والتي تتراوح كميته من 10 – 15 مليار متر مكعب أعلى السعة الميتة لا تصرف إلا في حالة السنوات التي يكون فيها إيراد النهر أقل من المتوسط الطبيعي، كما طالب بها علماء وزارة الري السابقين بلاك – هيرست – سميكة عام 1946 في المجلد السايع من موسوعة حوض نهر النيل لمواجهة السنوات العجاف كما حدث عام 1913. وأوضح الدكتور هيثم أن توليد الطاقة الهيدرومائية في السدود يتم عن طريق تركيب توربينات داخل أنفاق تصل بين منسوبي المياه أمام وخلف السد، وعندما تتدفق المياه من المنسوب المرتفع إلى المنسوب المنخفض خلال «ريش» هذه التوربينات تبدأ في الدوران حول محورها الذي يكون متصلاً بمولد كهربائي يستطيع «إنتاج» الكهرباء، وقدرة التوربينات على توليد الطاقة هي ما تعرف بالقدرة المركبة، فمثلاً في السد العالي يوجد 12 توربينًا قدرة الواحد منها 175 ميجاووات؛ مما يجعل «القدرة المركبة» للسد العالي 2100 ميجاوات، بينما التوربينات المزمع تركيبها في سد النهضة الإثيوبي تصل إلى 16 توربينًا قدرة الواحد منها 375 ميجاوات؛ مما يجعل «القدرة المركبة» لسد النهضة الإثيوبي 6000 ميجاوات، وبمقارنة السدين نستطيع أن نستنتج أن «القدرة المركبة» لتوربينات سد النهضة الإثيوبي أقل بقليل من ثلاثة أضعاف السد العالي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الطاقة تنتج أساساً من عدد ساعات تشغيل التوربين، فمثلاً إذا كان التوربين معطلاً أو لا تمر المياه من خلاله، فإنه لن يدور حول محوره، وبالتالي لن يستطيع إنتاج أي طاقة كهربائية، والتوربين الواحد للسد العالي أو سد النهضة عندما يعمل لمدة ساعة عند ظروف التشغيل العادية يستطيع إنتاج طاقة كهربائية تقدر ب 175 ميجاوات ساعة أو 375 ميجاوات ساعة على الترتيب. وأشار الدكتور هيثم إلى «القدرة المتاحة» والتي تعتبر دالة رياضية في عنصرين أساسيين وهما كمية المياه التي يمكن إمرارها وفارق مناسيب المياه أمام وخلف السد. ففي حالة السد العالي تتغير كمية المياه المارة من خلال التوربينات بين أقل قيمة خلال فترة السدة الشتوية في يناير من كل عام وهو موسم أقل احتياجات مائية، حيث يصل التصرف اليومي إلى 75 مليون متر مكعب، وأقصى قيمة خلال موسم أقصى احتياجات في أشهر الصيف، حيث يصل التصرف اليومي إلى 270 مليون متر مكعب في اليوم، وبأخذ قيمة التدفق السنوي خلال توربينات السد العالي والمعروفة بحصة مصر السنوية وهي 55.5 مليار متر مكعب وفارق المناسيب بين منسوب الأمام (165 مترًا) والخلف (110 أمتار) فإنه يمكن حساب «القدرة المتاحة» للسد العالي، حيث قدرت بحوالي 949 ميجاوات، وبقسمة هذه القيمة على «القدرة المركبة» للسد العالي تكون كفاءته %45، أي أن ساعات تشغيل توربينات السد تصل إلى %45 من الساعات المتاحة على مدار العام، وهنا يلزم الإشارة إلى أنه مع زيادة منسوب مياه بحيرة السد العالي عن المنسوب الأقصى لقدرة التوربينات لا تزيد الطاقة المنتجة من خلاله، فالمنسوب على سبيل المثال بلغ 175.76 مترًا في 2014/2/17 يزيد عن المنسوب التصميمي بما يزيد عن 10 أمتار لا يمكن معه زيادة إنتاج الطاقة، حيث إن توربينات السد العالي كما سبقت الإشارة مصممة على فارق مناسيب 55 مترًا، وفي حالة انخفاض المنسوب عن 165 تتأثر الطاقة المولدة بالنقصان، وتقدر كمية الطاقة المولدة من السد العالي السنوية بحوالي 8313 جيجاوات ساعة وفقاً لبيانات التشغيل الحالية تمثل حاليًّا نسبة %6 من الطاقة الكهربائية المولدة في محطات الكهرباء المصرية، وبالإشارة إلى سد النهضة الإثيوبي وباعتبار أقصى كمية مياه يمكن إمرارها وفقاً لبيانات خزان هذا السد وهي 60 مليار متر مكعب سنويًّا علماً بأن متوسط إيراد النيل الأزرق عند موقع مشروع سد النهضة 50 مليار متر مكعب سنويًّا، وباعتبار أقصى منسوب لمياه الخزان أمام السد 645 مترًا والمنسوب الفعال 590 مترًا ومنسوب الخلف 500 متر والضاغط الفعال لتوربينات السد 90 مترًا تكون «القدرة المتاحة» لسد النهضة الإثيوبي 1427 ميجاوات؛ مما يجعل كفاءته وفقاً لحساباتي %24 فقط، وتصل الطاقة السنوية المتوقع توليدها منه 12500 جيجاوات ساعة، أي ما يزيد تقريباً عن %50 من الطاقة المولدة من توربينات السد العالي.