«موسى»: النشر عرض لمرض أصيل في الثقافة المصرية.. «أبو المجد»: الحديث عن الأزمة مجرد تكرار لمقولات السبعينيات منذ فترة طويلة، والكثير من المؤتمرات والندوات تُعقد لمناقشة قضايا وأزمات النشر في مصر، وفي الغالب يخرج المؤتمر بعدة توصيات أو مقترحات للتغلب على تلك الأزمات، توازى مع تلك المؤتمرات كتابات غزيرة تؤكد أن سياسات النشر ضمن أهم أزمات وزارة الثقافة حتى أن هناك بدائل عدة تطرح دون التفات لها أو مناقشتها، وحتى اللحظة لا تلوح في الأفق أي ملامح لسياسة جديدة يمكن من خلالها الارتقاء بصناعة الكتاب، لذلك تحاول «البديل» الوقوف على أسباب الأزمة. الدكتور شريف الجيار- رئيس الإدارة المركزية للنشر بالهيئة العامة للكتاب، يقول: إن حركة النشر تسير بشكل جيد أفضل مما كانت عليه من قبل، وهناك مبالغة حين يتحدث المثقفون عن مشاكل النشر في مصر، مؤكداً أن الأزمة تكمن في سوء التوزيع. وأضاف «الجيار» أنه يعمل في الهيئة وفقاً لاستراتيجية جديدة تهدف إلى إعادة هيكلة إدارة النشر واختيار عناوين تعتمد في الأساس على الكيف وليس الكم، وتخدم نهج المؤسسة التي تسعى إلى تصدير أقلام التنوير للقاريء المصري والعربي. بينما يرى الكاتب والروائي صبحي موسى- مدير العام السابق لإدارة النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، أن الأزمة ليست في النشر في حد ذاته، إذ يقول "النشر عرض لمرض أصيل الآن في الثقافة المصرية، وهو غياب المؤسسات الثقافية عن الفلسفات التي أنشأت من أجلها، ومن ثم أخذت كل مؤسسة تلعب دوراً غير المنوط بها، الكل تحول في عهد فاروق حسني- وزير الثقافة الأسبق، إلى مغازلة الجمهور بأي صورة والظهور في الميديا بتحقيق نجاحًا وهميًا، ولم يكن في الحسبان أن يكون النجاح مرتبط بالفكرة التي أنشأت على أساسها المؤسسة الثقافية، واستمر هذا الوضع حتى الآن، وعلى رأس المؤسسات التي تقوم بذلك هيئة قصور الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة". ويوضح «موسى»: من المفترض أن تكون قصور الثقافة هي الجهة المعنية بالتواصل مع الجمهور ورفع الوعي، مستخدمة كل أدوات الاتصال، لكنها الآن تحولت إلى هيئة للنشر فقط، ولا تتعامل مع الجمهور بنسبة 10 %، أما المجلس الأعلى للثقافة فأنشيء ليضع التصورات والاستراتيجيات الثقافية لأنه "عقل الوزارة" ولا يصح أن يكون جهة تنفيذية بأي شكل، لكننا نجد نشاط المجلس مقتصرًا على عقد الندوات والنشر فقط. ويتابع «موسى»: الأزمة الكبيرة الآن هي أن الهيئة العامة للكتاب، المعنية بصناعة الكتاب وتوزيعه والتي من المفترض أن تضع مواصفات وشروط تلك الصناعة، وتحذو حذوها كل دور النشر في مصر، نجدها تصدر كتب ومطبوعات بمواصفات أقل من جودة أي مؤسسة أخرى، بل هي أولى المؤسسات المتأخرة في صناعة النشر. بينما يرى محمد أبو المجد- رئيس الإدارة المركزية للشؤون الثقافية بهيئة قصور الثقافة، أنه لا توجد أزمة للنشر في مصر بالمعنى الثقافي، وأن كل ما يقال عن وجود أزمة في النشر هو تكرار غير واعٍ لمقولات وفدت إلينا منذ السبعينيات، حينما كانت هناك أزمة فعلًا في عدم نشر الكتب والإبداعات والمجلات. كما ينفي «أبو المجد» وجود فوضى أو عشوائية في عملية النشر، مؤكداً أن الأمر مقتصر على قدر ضئيل من "التداخل" في التوجهات، ومن التجاور في بعض المحاولات، وأن النشر في هيئة قصور الثقافة هو المشروع الوحيد حتى الآن الذي أنشأت له لائحة ثابتة ومعلنة للجميع منذ عام 2001، مشيراً إلى أن اللائحة اعتمدت في عام 2007 من قسم الفتوى بمجلس الدولة، وصدر بها قرار من رئيس الهيئة وقتها. الروائي حمدي أبوجليل- عضو مجلس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، يقترح أن تتوقف وزارة الثقافة عن النشر وتتحول من منتج للكتاب إلى موزع له، وأوضح ذلك قائلاً: أقترح أن تتوقف وزارة الثقافة عن النشر وتحديداً نشر الكتب الأدبية أي القصة والرواية والشعر، وتركز فقط في الترجمة والتراث، لماذا؟ لأنني أرى أن وزارة الثقافة محرومة من الشروط الواجب توافرها في منتج الكتاب الأدبي، وأول هذه الشروط، الحرية في الإصدار، فهي ليست حرة لأن أموالها ملك للشعب عموماً، ومن ثم فمن حق أي فرد الاعتراض على محتوى معين، السبب الثاني هو أن منتج الوزارة الأدبي فقد ثقة القاريء على مدار الثلاثين عامًا الماضية والدليل على ذلك أن الأعمال الكاملة لكبار الأدباء التي طبعت في هيئة الكتاب أو قصور الثقافة لم توزع بنسبة أكثر من 1 أو 2 %، ورغم تعدد السلاسل الأدبية الشبابية في هيئتي الكتاب وقصور الثقافة، إلا أن الأعمال الشبابية الأكثر حضوراً وتألقاً تصدر عن دور النشر الخاصة، لذلك أرى أن هناك عشوائية في النشر بشكل يؤدي إلى إهدار المال العام. وعقب نشر التحقيق "سياسة النشر و أزمة صناعة الكتاب" بالعدد الورقي لجريدة البديل الأسبوعية، قال الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة في حوار نشرته جريدة الأهرام، أنه خلال ستة أشهر ستكون هيئة الكتاب هي المسؤولة عن نشر الكتب، وسيتم اعفاء الهيئة العامة لقصور الثقافة من نشاط النشر، مشيرًاً إلى أن النشر بالهيئة سيكون لكتاب الأقاليم فقط، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً بين عدد من الكتاب و المثقفين مؤخرًا، إذ أيد بعضهم الأمر الذي طرحه «عصفور» فيما رفضه البعض الآخر الذي يرى أن النشر من أهم المهام التي تقوم بها هيئة قصور الثقافة و أن النشر الإقليمي مقتلة للمواهب، وبعد تزايد حدة الجدل بين المثقفين إذ تطور الأمر الى حد القاء الاتهامات لبعضهم البعض، أصدر رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الشاعر مسعود شومان بيانًا ينفي فيه ما نُسب لعصفور، إذ أكد في بيانه أنه تواصل مع الوزير وأكد له أنه لا مساس بمشروع النشر في الهيئة و أنه سيقوم بدعمه و دراسة سبل تطويره بما يحقق دوره الثقافي و خدماته لأدباء الأقاليم.