هل يمكن أن نحول الهيئة العامة لقصور الثقافة، الثقافة الجماهيرية التى تربينا فى قصور وبيوت ثقافتها إلى أرض محروقة بإرادتنا ودون أن ندرى؟ هل يمكن أن نكون كمثقفين حصان طروادة الذى يمكن من خلاله أخونة الثقافة الجماهيرية؟ سؤالان يلحان على وأنا أتابع مذبحة المثقفين وإقصائهم عن العمل فى إدارات الهيئة المختلفة تحت عنوان يبدو حياديا وإن كان له مخاطره، تتم المذبحة تحت مسمى تطبييق القوانين. لا جدال أننا جميعا نريد تطبيق القانون واللائحة الإدارية، لكن وللمفارقة ونحن نطبق اللائحة ندوس دون أن ندرى وربما ندرى على قانون آخر فى نفس اللائحة. بدأ الأمر حين شكل سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، الثقافة الجماهيرية سابقا لجنة "اختيار قيادات الهيئة"، والمثير للعجب والتساؤل أن لجنة اختيار القيادات كل أعضائها تقريبا من الإداريين، وخلت اللجنة تماما من المثقفين، اللهم إلا خالد سرور الذى وضع اسمه كمسؤول القسم الإلكترونى فى الهيئة، وليس بصفته مثقفا وكاتبا، كما أن اثنين من رموز المثقفين فى الهيئة وضع اسماهما كاحتياطى وهما الشاعران محمد أبو المجد ومسعود شومان. ثم أخذت الهيئة قرارات فى ظاهرها الرحمة وتطبيق اللائحة وفى باطنها العذاب، فتم إقصاء مجموعة من المثقفين صُعدوا بعد الثورة ليتولوا من خلال بند تسيير الأعمال فى لائحة الهيئة القانونية تحت مُسمّى تصعيد القيادات الشابة المثقفة، وتولوا هؤلاء الشباب إدارات وأقسام فى الهيئة ومنهم: الباحث حمدى سليمان والروائى صبحى موسى والشاعر عبده الزراع والروائى محمود حامد وغيرهم من شباب المثقفين فى الهيئة العامة لقصور الثقافة. كان قرار الإقصاء بناء على بند فى لائحة الهيئة أن يتولى هذه الإدارات الفنية الموظفون الأقدم تعيينا والذين اجتازوا ترقياتهم الوظيفية بغض النظر عن أنهم إداريون وليس لهم فى العمل الثقافى وفنياته وآلياته. صحيح أن ترقى هؤلاء الموظفين يأتى قانونيا ومتفقا مع لائحة الهيئة، ومن حقهم أن ينالوا النتاج الأدبى لترقيهم بتوليهم مناصب إدارية، لكن ما تم توليتهم من مناصب لا يحتاج فقط إلى مجرد الترقى واجتياز اختبارات الترقيات الوظيفية إنما يحتاج لمهارات فنية وأدبية وثقافية يمتلكها شباب المثقفين الذين صعدهم الفكر الثورى، كما ِأن تولى المثقفين لمناصب قيادية فى الهيئة ينبنى هو الآخر على بند فى لائحة الهيئة يقول أنه يسمح من أجل مصلحة العمل انتداب بعض المثقفين لتسيير الأعمال الإدارية فيها، وقد بدأ الأمر مع الأستاذ حسين مهران منذ التسعينيات الذى فتح الباب أمام المثقفين والأدباء أن يتعينوا فى الهيئة العامة لقصور الثقافة وأن يتولوا القيادة فيها، واستمر الأمر منذ ذلك التاريخ مع كل رؤساء الهيئة التالين على ذلك التاريخ وصولا إلى الدكتور أحمد مجاهد ومن بعده الشاعر سعد عبد الرحمن، ومن غير المعقول أن يكون كل هذا التاريخ الممتد من إيكال تسيير الأعمال إلى المثقفين ليس له سند قانونى. ومن هنا تتكشف لنا الحقيقة المرة أننا بالقانون واللائحة يمكن أن نهد وندمر وبنفس القانون واللائحة يمكن أن نمرر ما نريد. حين عين هؤلاء الشباب أو قل انتدبهم لتسيير أعمال هذه الإدارات الدكتور أحمد مجاهد ومن بعده الشاعر سعد عبد الرحمن كانا يعتمدان على بند فى اللائحة، وحين أقصاهم نائب رئيس الهيئة ولجنة اختيار القيادات مع صمت الشاعر سعد عبد الرحمن كانوا أيضا يعتمدون على بند فى اللائحة. وإذا كان سعد عبد الرحمن ومعه نائبه ولجنة اختياراته التى تخلو أصلا من المثقفين قد استند لقانون ومعيار واحد لإقصاء هؤلاء المثقفين فلماذا ترك بعضهم مازالوا يتولون هذه المناصب مثل فؤاد مرسى مثلا؟ كان رأى سعد عبد الرحمن أو ربما نائبه حين استبقى فؤاد مرسى فى مكانه أنه لم يجد فيمن تقدم من الإداريين العاديين غير المثقفين لتولى إدارة الثقافة العامة بديلا عن فؤاد مرسى أنه لا تتوفر فيه الشروط المناسبة لقيادة الثقافة العامة ومن ثم أبقى على فؤاد مرسى، ترى ما هى هذه الشروط وهذه المعايير التى لم تتوفر فى الإدارى الذى تقدم لإدارة الثقافة العامة، وهل يا ترى توفرت نفس الشروط والمعايير فى الإداريين الذين تقدموا لإدارة النشر مثلا بدلا من صبحى موسى أو لإدارة ثقافة الإسماعيلية بدلا من حمدى سليمان؟! ألا يدرك الشاعر سعد عبد الرحمن الذى سُيحال على المعاش فى يناير القادم أنه بهذا يحرق الأرض فى الهيئة ويهيئها تماما لسيطرة الإخوان؟ لأنه ببساطة حين يتولى إدارة الهيئة مجرد موظف ويكون على رأس كل إدارة مجرد موظف سيكون من السهل السيطرة عليها كلية، لأن ثقافة الموظف المصرى الخوف من السلطة والانصياع تماما لتحكماتها انطلاقا من مقولة "اربط الحمار" وخاصة أن كل ما يهم الموظف الإدارى أن يتسلم راتبه وحوافزه آخر الشهر، فإن أراد الإخوان تحويل الثقافة أو تغييرها أو إلغائها لن يمانع، فالشأن الثقافى لا يعنيه، المحافظة على الهوية الثقافية لمصر لا يستوعبها، لا يمتلك الوعى اللازم للحفاظ على هويتنا الثقافية، سيرى أن أوامر رؤسائه أوامر مقدسة لا يجب مخالفتها، فإذا أمروه مثلا أن يطبع كتاب إنجازات الرئيس فى خمسة ملايين نسخة من ميزانية الهيئة المخصصة للتثقيف ونشر الوعى لن يمانع، ولن يفهم أن هذا إهدار للهدف الذى أنشئت من أجله الثقافة الجماهيرية، على خلاف المثقف الذى يمتلك من الوعى ما يجعله يقف فى وجه أخونة الثقافة أو تسييسها، لأن المثقف فى هذه اللحظة سيكون مدافعا عن كيانه الشخصى وليس مجرد الدفاع عن وظيفة أو كرسى أو مرتب أو حافز. عزيزى سعد عبد الرحمن لا تسهم بالصمت أو بالاستسلام لفكرة أنك راحل بعد شهور وأنك غير مستعد للدخول فى صراعات فى انهيار الثقافة الجماهيرية أو تسييسها أو أخونتها.