للحمرا من قلبي سلامٌ وإن عز السلام! ومن دفء الحنايا أمان لو غاب الأمان! فلو كان للضاحية الجنوبية مقام الإجلال والتقدير بحق ملحمة الصمود، فلمنطقة الحمرا مقام الحب!! بحق الأفكار القومية تولد على المقاهي، وبحق المقالات النارية تكتب على طاولات "كافيه دي باري" قديما وكفايه الحمرا حديثا! بحق الأفكار المطرودة من وطنها تقف بكبرياء فوق رفوف مكتبة "أنطوان"!بحق المناقشات الحامية تطوف كالأطيار المحمومة من ميثولوجيا الهند إلى حضارة اليونان، وتعود لأعشاشها فتناقش حال الأوطان العربية، فمن قائل بحتمية الوحدة العربية، لقائل بحتمية وحدة البروليتاريا العالمية! بحق الأزياء الباريسية زاهية على أعواد الند الشرقية! بالأمس كانت أقطار العرب ترسل لك يا حمرا أرقى ما فيها وأروع من فيها؛ شعراء وأدباء وثائرون! واليوم تدس أقطار العرب في فنادقك أحقر ما فيها؛ تكفيريون وإرهابيون!عذرا حمرا، وعذرا بيروت، فاليوم مصداق قديم جديد لنبؤة نزار؛ بأن جمالك يؤذينا!! وبأنا مازلنا نحملك أيا بيروت معاصينا! رغم جذورك تلك الضاربة فينا!! "قوات الأمن اللبنانية تقوم بتوقيف ستة عشر مشتبه فيه في تفجيرات ضهر البيدر كانوا مقيمين في فنادق بشارع الحمرا"!! أفي الحمرا تكمنون يا أصحاب الألوية السوداء؟ والقلوب الأكثرسوادا؟ ولكن .. لم لا؟ وهو قطعا لا يعنيكم كما يعنينا! هل تنسمتم يوما أنسام آذار التي تعبر من شعرالصبايا؟ هل أنعشتكم لسعة البرد الخفيف بأيلول الحزين على المقاهي المكشوفة؟ هل تذوقتم طعم مناقيش الجبن والزعتر، وأكواب القهوة الفرنسية بمذاقها "المعرَّب"، وأراجيل النعناع والحامض! هل طربت آذانكم لموسيقى تنبعث من اللا-مكان، وتسير على إيقاعها موجات البشر بخفة باسمة كأنها ترقص؟ كل ما هو بعيوننا خير وحق وجمال هو بعيونكم شر وباطل وقبح! والعكس صحيح! على صخرة تلك الحقيقة انهارت وستنهار كل أساطير المصالحة والعيش المشترك مع أفكار التكفير في كل الأقطار العربية! رفعت الأقلام .. وجفت الصحف. لا مستقبل في أوطاننا لأفكاركم، لأنها تعاند ماضينا وحاضرنا. من زيارة أوزير وإيزيس لبيبلوس، وإشعال البخور وسكب السكائب لتاسوع منف وعشتار على السواء، إلى رسائل محفورة بالصخر، معاندة لسطوة الزمان، يتبادلها "رب حدا" حاكم بنت جبيل القديم مع آمونحتب، يخاطبه فيها بلقب ابن الآلهة، وإلى الواقع اللبناني الذي يستوعب الماروني والكاثوليكي والسني والشيعي والدرزي، والواقع العراقي الذي يستوعب إضافة إلى هؤلاء اليزداني والزرادشتي، والواقع السوري الذي يستوعب السني والعلوي والسورياني والكاثوليكي. واقع الموزايك الذي ظنه من حرككم بيئة خصبة للحرب الطائفية لن يكون كذلك على الأمد الطويل، ولو تورط فيها يوما كما تورط لبنان فسوف يكون محصنا بالتجربة ضد تكرارها، ولسوف يأت يوم يعلن فيه الموزايك الرقيق نصره الكبير على صخور الصحراء .. ولات حين مناص