"تونس" نواة ثورات الربيع العربي بالمنطقة، انطلقت في كتابة صفحة جديدة في تاريخ ثورتها بصياغة أول دستور بعد سقوط نظام "بن علي" الديكتاتوري، وإن كانت تونس مازالت تكتب دستورها تحت وطأة حركة النهضة الإسلامية، بالمقارنة بانتهاء مصر من أول دستور بعد التخلص من حكم التيارات الظلامية المتطرفة، وإذا كانت المرأة العربية هي التي دفعت ثمن هذه الثورات، ثم وصول هذه التيارات للحكم، فآن لها أن تحصد ثمار جهدها في دستور يكفل حقوقها وحريتها، في ظل الأوضاع السياسية المتصاعدة، في كلا البلدين الشقيقين.. لذا تقدم «البديل» قراءة حول حقوق المرأة بين دستورين. من جانبها قالت منال فتحي –مدير مركز توافق للمساعدة القانونية والتنمية– إن الفصل 20 من الدستور التونسي الذي نصّ على المساواة "المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز، كما تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم". مازال يحتاج إلى صياغة أكثر تحديدًا، توضح بدقة مفهوم المواطنة وتحقيقها بين الرجال والنساء، بينما تشابه الدستور التونسي والمصري في الفصل 45 عندما نصّت على "الدولة تعمل على تحقيق التكافؤ بين الرجال والنساء في المجالس المنتخبة". بينما جاءت في المادة 11 من الدستور المصري لتنص على "أن تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون"، ومن ثم جاءت صياغة كلا المادتين غير مفهومة، ومتروكة لهوى كل نظام بدون تحديد آلية المشاركة السياسية للنساء في المجالس المنتخبة، مشيرة إلى أن كلا الدستورين اخفقا في تحديد نصّ محدد للكوتة، حتى لو كانت مرحلية ومرتبطة بدورتين برلمانيتين. أضافت «فتحي» أنها لا ترى أن الكوتة هي الحل الأمثل لتمثيل النساء في المشاركة السياسية، ولكن تُعتبر أحد التدابير الإيجابية التي تتخذها الدولة لدعم المرأة في المشاركة السياسية، في ظل ثقافة مجتمعات عربية لا تثق بقدرات المرأة في الحياة العامة، ولكن مع ذلك يجب أن تكون هناك إجراءات أخرى موازية للكوتة؛ كالإعلام وقدرته على تغيير الصور النمطية، ورفع وعي المجتمعات، بالإضافة إلى توفير مناخ داعم لتنمية المهارات والقدرات السياسية للنساء. وأشارت أنه حتى عندما خصص الدستور المصري في المادة 180 ربع مقاعد المجالس المحلية للنساء، لم يوضح صراحة كيفية تنفيذ ذلك النص الدستوري، أي هل سيتم عن طريق تعيين 25 ألف سيدة في المحليات، وهو يقودنا إلى مشكلة الأنظمة السابقة نفسها، التي كانت تستخدم المرأة ك"بروش لجاكتة النظام" بصورة الداعم لحقوق المرأة، ولكن في الحقيقة أضرت هذه التعيينات بتغيير الصورة المأخوذة عن المرأة في الحياة السياسية، لأن أغلب التعيينات كانت لنماذج ضعيفة الكفاءة. بينما قالت الناشطة الحقوقية داليا زيادة -المديرالتنفيذي لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية– إن صياغة المواد الخاصة بحقوق المرأة في الدستور المصري أفضل ألف مرة من الدستور التونسي، التي اتسمت بكونها فضفاضة وغير محددة، وتشبه كثير من الصياغات الموجودة في دستور 1971، دون وجود التزام حقيقي من جانب الدولة بتنفيذ هذه الحقوق. أوضحت «زيادة» أنه بالمقارنة بمادة المساواة في كلا الدستورين، نجح المصري في النص على أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفقًا لأحكام الدستور، وجأت الجملة الأخيرة إلزامًا دستوريًا محكم للدولة لتحقيق هذه المساواة في أعلى وثيقة قانونية وهي الدستور. أما الدستور التونسي ترك فكرة المساواة مفتوحة، دون أن يوضح آليات تنفيذ ذلك النص على أرض الواقع، وفيما يتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة كانت صياغة الدستور التونسي مطاطة، ولكن المصري كانت محددة حيث، ألزم الدولة في المادة (11) اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية على النحو الذي يحددة القانون. وأكدت «زيادة» أن الدستور المصري ألزم الدولة بتوفير آلية للمراقة ومكافحة التمييز، بل جرم التمييز ونصّ على عقوبته في المادة (53)، بينما جاءت المادة (20) في الدستور التونسي تنص فقط على "أن المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز". وأوضحت إيزيس نظمي –مدير إدارة اللجان بالقومي للمرأة– أن المادة الخاصة بالمساواة اختلفت لدى الدستور التونسي في إيجازه للحقوق الفردية والعامة، أما الدستور المصري كفلت فيه الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفقًا لأحكام الدستور، أي أن المنهج المصري كان أكثر عمومًا. أما عن مصطلح الالتزام جاء في الدستور المصري في أكثر من مادة تتعلق بحقوق المرأة؛ منها المادة 11، حيث تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف وتكفل تمكينها من التوفيق بين واجباتها في الأسرة ومتطلبات العمل، والتزام الدولة بتوفيق الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا. أضافت «نظمي» أن الدستور المصري اختلف ونجح في حماية المرأة من التمييز عكس الدستور التونسي، عندما ركز على إنشاء مفوضية للرقابة على التمييز، أما عن مبدأ تكافؤ الفرص رسّخه الدستور المصري بشكل أعم من نظيره التونسي، حيث نصّت المادة (9) على تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، ليترجم من خلاله أهم أهداف ثورة يناير من تحقيق العدالة الاجتماعية، بينما ركز التونسي على ضمان الدولة لتحقيق التكافؤ بين الرجال والنساء في المجالس المنتخبة. ولكن في الوقت نفسه ترى «نظمي» أن النص على كلمة "تكافؤ" جاءت محددة وأفضل من كلمة "تمثيل مناسب" التي نصّت عليها المادة 11؛ كالآتي "تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون". قالت سالي الجباس –مدير مركز سيزا نبرواي للقانون- إن نص الفصل 20 من الدستور التونسي، لا توجد به مواد صريحة تحدثت عن المرأة، وجعل المساواة في جميع الحقوق دون تمييز أي مساواة في الحصول على الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أما لفظ مواطنات فهو إشادة بالدولة بأنها تحترم المرأة وتوفر لها الحماية الكاملة. أضافت «الجباس» أن الدستور المصري لا يوجد مواد صريحة تحدثت عن المرأة باستثناء المادة 11 والمادة 181، وباقي المواد هي مواد تكميلية بين الرجل والمرأة. ولكن، بعضها جاء منصف للمرأة مقارنة بدستور 2012، وبالرغم أن الدستور لم يقرر أي كوتة سواء للمرأة المصرية أو الأقباط في مجلس النواب، إلا أنه جاء ليمنح النساء نسبة 25% من مقاعد المجالس المحلية، وتعد من المكاسب النسبية الإيجابية للمرأة المصرية. وأشارت أن نسبة تمثيل المرأة في المحليات لم تحقق كل طموحات المرأة المصرية، لأننا كنا نطالب بنسبة 50% من المقاعد، فكيف ينص في المادة 35 من الدستور أن المواطنين جميعًا متساوون في الحقوق والواجبات، ونمنح المرأة ثلث حقوقها، ونطالب ب30% لها في البرلمان فهذا ليس بالمنطقي أو القانوني. كما أوضحت أن من المكاسب الإيجابية للمرأة في الدستور المصري أن ديباجة الدستور جاءت لتؤكد على احترام الدولة للمواثيق والمعاهدات الدولية، بما يلزم الدولة باحترام الاتفاقيات الموقعة بشأن حقوق المرأة، والعمل بموجب التشريعات التي تمنع التمييز ضدها في كل المجالات وذلك من خلال المادة 93.