بدا نهر النيل وكأنه مزرعة سمكية كبيرة تبث سمومها فى مياه النهر الخالد ثم إلى أبدان شعب أكلته العلل.. فبين نفوذ أصحاب المصالح وتراخى أجهزة الدولة فى التصدى للظاهرة كان المواطن فريسة لأمراض الكبد والفشل الكلوى، وكأنه كُتِب على المصريين تجرع مرارة الإهمال. حيث أكدت مصادر بمحافظة البحيرة أن عدد الأقفاص السمكية فى فرع رشيد بمجرى النيل بلغ 1249 قفصاً، بما يمثله من خطر داهم على حياة المواطن والثروة السمكية فى ظل وجود محطات لتنقية مياه الشرب على شواطئ النيل برشيد والمحمودية والرحمانية. ويرجع تاريخ الأقفاص السمكية إلى عام 1998 حين تم السماح بمنح رخص لإنشاء الأقفاص فى مجرى النيل فى أضيق الحدود؛ لتنتشر بعد ذلك الظاهرة، وتتحول إلى مهنة من لا مهنة له، وتنطلق الأقفاص بدون ترخيص. وتشير التقارير الطبية بمديرية الصحة بالبحيرة إلى زيادة معدلات الإصابة بأمراض الكبد والفشل الكلوى بين سكان المدن المطلة على نهر النيل؛ بسبب ارتفاع نسب الأمونيا وتلوث المياه، ومنذ فترة طويلة والمحاولات الشعبية والرسمية للتخلص من كارثة تلوث النيل لا تتوقف، ولكنها ظلت فى إطار المحاولات. ثم يأتى مارس 2004 حاملاً قرار وزير الرى رقم 72 بتشكيل لجنة فنية من الجهات المعنية في البيئة والصحة والثروة السمكية والرى لتقنين وضع الأقفاص، وطالبت اللجان الفنية التى تم تشكيلها من تلك الجهات بإزالة الأقفاص السمكية من مياه نهر النيل وفرعيه؛ حفاظًا على النيل من التلوث، وهو ما لم يحدث. يقول وليد صلاح أحد أبناء رشيد "إن الأقفاص السمكية الملوثة لمياه نهر النيل قام أصحابها من علية القوم بوضعها وسط مياه ومجرى نهر النيل بفرع رشيد في تحدٍّ صارخ للقانون، وهم يحمون هذه الأقفاص بأعداد كبيرة من الحراسة الشخصية، كما أنهم وضعوا في هذه الأقفاص كميات كبيرة من الأسماك والأعلاف والعليقة والسبلة المخالفة التي تضم مخلفات مزارع الدواجن ومخلفات محطات الصرف الصحي وروث الماشية والأدوية البيطرية التي تحتوي على نسب كبيرة من الهرمونات.. فكل هذه الأشياء تمثل خطورة شديدة على الصحة العامة للمواطنين وتؤدي إلي التلوث الشديد لمياه نهر النيل خاصةً أنه يوجد العديد من مآخذ محطات مياه الشرب بجوار هذه الأقفاص السمكية المخالفة، وهو ما يجعل الأمر كارثة بكل المقاييس". واتهم صلاح الإدارة الصحية في مدينة رشيد بعدم الاهتمام بذلك الأمر الخطير، مشددًا على أن هذا الأمر يحتاج إلى سرعة تحرك جميع الأجهزة لإنقاذ نهر النيل من التلوث وإنقاذ المواطنين والحفاظ على الصحة العامة، وطالب بفرض القانون بالقوة وعدم التراخي في حماية نهر النيل من أي تعدٍّ عليه. وأكد حمدى إسماعيل عضو المكتب السياسى لحزب الدستور.وأحد أبناء قرية إدفينا برشيد أن الأقفاص السمكية تنتشر بشكل مكثف فى فرع رشيد، خاصة أمام قرية إدفينا وقبل حاجز قناطر إدفينا والذى يفصل آخر المياه العذبة عن المياه المختلطة، ولفت إلى أن الخطورة تكمن فى وجود هذه الأقفاص أمام مأخذ شركة إدفينا لإنتاج وتنقية المياه والتى تنقى المياه وتوزعها لمناطق عديدة داخل محافظتى البحيرة و الإسكندرية، محذرًا من أن بقاء هذه الأقفاص المنتشرة منذ حوالي خمسة عشر عامًا يزيد من نسبة الأمونيا فى المياه؛ مما يجعل مادة الكلور المستخدمة فى عملية التنقية غير ذات جدوى، حيث يتفاعل الكلور مع مادة الأمونيا، فيتم استهلاكه، وتصبح المياه بلا تنقية. وكشف أن أصحاب هذه الأقفاص السمكية يستخدمون أعلافًا من مخلفات مجازر الدواجن التى تزيد من كمية التلوث فى مياه النهر بزيادة تركيزات مادتى النتروجين والفوسفور الناتج من مخلفات الأسماك وبقايا تلك الأعلاف، هذا بخلاف نفوق تلك الأسماك أحيانًا بشكل جماعى، والذى يسهم فى نمو العديد من سلالات الطحالب التى تزيد كميات التلوث، مؤكدًا أن التكنولوجيا المستخدمة فى تنقية المياه بمصر لا تستطيع التعامل مع تلك المخلفات الصلبة، وبالتالى تصل إلى المواطن؛ لتسبب له أمراض الكلى والكبد التى أصبحت متفشية فى المنطقة، مرجعًا كل هذا لتقاعس الأجهزة الرقابية وعلى رأسها شرطة المسطحات عن عملها، مطالبًا بتشديد العقوبات على من يقوم بتلويث النيل فى ظل إقرار الدستور الجديد من خلال مادة خاصة بالنيل لأول مرة.