قال الناقد الدكتور سيد البحراوي، أستاذ اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة: إن المفكر اللبناني الراحل محمد دكروب، قدم للعالم العربي الكثير ولم ينتظر أي تكريم، كما أنه ثقف نفسه بنفسه، ولم يحصل على أي شهادات تقدير أو جوائز، فهو الشيوعي المناضل الذي رأى أن هذا دوره، ولا يحتاج عليه تكريمًا، واعتقد أنه مات راضيًا عما حقق في الحياة. وأوضح البحراوي ل«البديل»، أن العالم كله اتجه نحو التوجه العام ل«دكروب»، وهو ما نسميه النقد الاجتماعي أو الرؤية الاجتماعية، وفيه يحاول الناقد رؤية النص الأدبي بأبعاد اجتماعية، أي أن رؤيته أصبحت الآن السائدة في العالم. وأضاف أن صاحب «رؤى مستقبلية في فكر النهضة والتقدم والعدالة الاجتماعية»، كان أحد أنشط الشيوعيين العرب في الأربعينيات، وكان على صلة بكل الأحزاب الشيوعية ومثقفيها، وحينما وجد في مصر ما يستحق الاهتمام به، جمع مقالات المفكر الماركسي الراحل «محمود أمين العالم»، والمفكر الراحل «عبد العظيم أنيس»، وعرض عليهما نشرها في كتاب، بعد أن رأى فيهما ما يحرك الثقافة المصرية. وتابع «البحراوي»: أذكر أن أوّل كتاب لي، وكان (في البحث عن لؤلؤ المستحيل) نشرته بفضل تشجيع «دكروب» في سلسلة «الفكر الجديد»، بعد أن عرفته خلال الانتقالات ما بين القاهرة وبيروت، بعد أن رأى أنه كتاب يستحق النشر، رغم أنه منهجًا مختلفًا عنه، ويبحث مباشرةً في الدلالات الاجتماعية (منهج محتوى الشكل)، لكنه تحمس جدًا وقرر أن ينشئ السلسلة لنشر مثل هذه الكتب، وكتب لها مقدمة كانت بليغة لأبعد الحدود. وأضاف أن الراحل يعتبر أهم ناشط ثقافي في الحركة الثقافية العربية بشكل عام، فهو الشخص القادر على أن يكشف الجديد في الثقافة العربية، لكنه "للأسف لم يعد موجودًا في الحياة". دخلت الشيوعية إلى الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بفضل الراحل «محمد دكروب»، وعن استمرارها على هذه الوتيرة، قال مؤلف «البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث»: الوضع الحالي في لبنان معقد للغاية، بسبب الوضع السوري الراهن، ولا يمكن التنبؤ بمستقبل الحزب الشيوعي اللبناني، لكن الأكيد أن قيم «دكروب» وزملائه وتلاميذه ستكون مؤثرة، مادام في قدرتهم أن يتوافقوا مع بعضهم للتوصل إلى حلول للقضايا الخلافية الداخلية. كذلك أكد أن قيم «دكروب» لن تموت، بعد أن تعلمها الناس، وأن الأجيال القادمة ستستفيد منها، فلقد "أختار الراحل أن يبني إناءً بغض النظر عن وجوده بداخله أو لا، وهم يعلمون جيدًا كيفية الاستفادة من هذه القيم". كما أوضح «البحراوي» أن الشيوعية المصرية مختلفة تماًما عن نظيرتها اللبنانية، و"لم يكن لديها محمد دكروب أو حتى مبادئه"، ومن الصعب تصور حل أزمتها في المستقبل القريب، بسبب انحيازاتها الفكرية الضيقة، والنظر الدائم لمصالحها الشخصية. كتب سيد البحراوي، عقب وفاة المفكر الشيوعي «محمد دكروب»، رئيس تحرير مجلة «الطريق»، مقالًا بعنوان «أنبل الشيوعيين العرب»، أكد فيه تميّز الراحل بمزاج إبداعي خصب مكّنه من التواصل مع قطاعات عريضة وأجيال مختلفة ومتنوعة من البشر، بحثاً عن إمكانياتهم الحقيقية وسعيًا لاكتشاف أفضل ما في الناس. وعن هذه السمة قال: تلك سمة نادرة بالقياس إلى تصحر واقعنا العربي بالذات على الصعيد الفكري. وقد انعكست كل تلك السمات على عمل «دكروب» في إدارة وتحرير مجلة «الطريق»، وإشرافه على منشورات «دار الطليعة» في سنوات توهجها. صدر ل«أنبل الشيوعيين العرب» العديد من المؤلفات، منها: «مذكرات أبو فريد (اسبر البيطار)، وجوه.. لا تموت في الثقافة العربية الحديثة، جذور السنديانة الحمراء، رؤى مستقبلية في فكر النهضة والتقدم والعدالة الاجتماعية، تساؤلات أمام الحداثة والواقعية في النقد العربي الحديث، أنتربولوجيا الحداثة العربية، خمسة رواد يحاورون العصر». وفي العام 1980، صدر له «الأدب الجديد.. والثورة»، وكانت أكثر مقالات ذلك الكتاب تركز الحديث في نقد النقد "الواقعي" الذي كان يمارسه أكثر النقاد العرب الآخذين بالماركسية، وكان النقد ينصب على معالم إلتزمت في ذلك النقد. على أن بعض مقالات هذا الكتاب طرحت تساؤلاتها، هذه المرة، أمام بعض النقد الحداثي وبعض تياراته، وبالأخص في بدايات الأخذ، المتزمت أيضًا، بمناهج، وتنظيرات وكشوفات وتطبيقات، هذه المدرسة أو تلك من "المدارس" الحداثية. أخبار مصر- البديل