"من يمكنه كسر عزيمة شعب زي ده؟" هكذا تساءل إسلام مصدق - المتحدث الإعلامي لتكتل شباب السويس حينما بدأت مظاهرات 25 يناير 2011 رغم قلة العدد، لكن روحًا غريبة وصفها إسلام ب "إحساس بالدفء والأمان والنشوة" كانت تتدفق من ميدان الأربعين حينما فرضت قوات الأمن كردونًا أمنيًّا حول الميدان، حيث هرع المتظاهرون للشوارع الجانبية من منطقة تدعى "سوق الأنصاري"، وقتها لم يتمالك إسلام نفسه أن هتف "يسقط مبارك". ردد كل من خلفه الهتاف، ونظر إليه كل من في السوق بنظرات الدهشة. وحينما اقتحم أهالي الشهداء المشرحة يوم 26 يناير لاستلام جثث أبنائهم، أيقن إسلام أن موجة الثورة قد جاءت لتسقط الفاسدين من مصر، وظل إسلام في ميدان الأربعين؛ ليشاهد معركة قسم الأربعين من 26 إلى 28 يناير، واعتبر وقتها إسلام التراجع بأنه "كان يعتبر جبنًا وخيانة"، وأمضى إسلام وقته في الشارع يحفز ويزيد من عدد المتظاهرين، وإن كان وقتها ليس على مقدرة لمشاركة الثوار الغاضبين المطالبين باقتحام القسم لإخراج المعتقلين. أهم ما كان يميز الميدان هو الروح لا رايات مرفوعة تفرق المتظاهرين، ولا منصات صوتها يعلو على صوت حب مصر، وقتها لم تكن هناك خلافات ولا اختلافات؛ لهذا سقط نظام مبارك في 18 يومًا. بعد سقوط نظام مبارك خرجت مجموعة من التكتلات والحركات الثورية للنور، حاول إسلام والبعض في توحيدها كثيرًا خاصةً تحت راية تكتل شباب السويس الذي حافظ على المد الثوري بالمحافظة لمدة عامين رغم سقوط إصابات كثيرة وقتها ومعتقلين، ولكن حينها كان الحفاظ على راية الثورة يدعوهم للاستمرار في مسيرتهم ضد الحكم العسكري والإخواني. مع بداية أحداث محمد محمود بدأ إسلام يتعود على الاشتباكات، فبدأ يتحسس طريقه نحو الصفوف الأولى ليهتف في الأمام ويشد أزر الآخرين، ومع سقوط أول إصابة خطيرة بجواره اعتاد أن يحمل الحجارة يسددها نحو المهاجمين، وحينما يغادر ميدان الاشتباكات بالسويس يجد وكأن باقي الناس في عالم آخر، وكأن من يموت أشخاص ليسوا من هذا الكوكب. يقول إسلام "إن اليأس يبدأ يتسلل إلى القلب حينما ترى أشخاصًا يموتون حولك؛ لأنهم أرادوا مصر أفضل، بينما الآخرون يقولون عنهم بلطجية وعملاء. اليأس أيضًا يتسرب إلى نفسك حينما تخرج من الميدان لتجد من في الخارج يحيا في عالم آخر، لا يتهاون عن مهاجمتك، اليأس أيضًا حينما ترى أمامك مرشحًا من اثنين، أحدهما رمز من رموز النظام الذي أسقطته، والآخر رمز ممن باعوا ثورتك؛ لهذا ظهر الميدان باهتًا حزينًا". بدا إسلام أكثر عصبية وحزنًا في كل الاجتماعات التي عقدت لتجميع الحركات الثورية، لعله أراد أن يتجمع الثوار سريعًا. لعله اليأس الذي أصاب الثورة في مقتل، فانفرط عقدها، كل شخص يهمه أن يجمع منها أكبر مكاسب فقط ليتاجر بها، ولعله اشتاق لعودة روح الثورة في الميدان مرة أخرى، اشتاق بحثًا عن مصر من جديد. حينما بدأت دعوات الخروج يوم 30 يونيو كان هناك احتمالان: إما أنها ستكون موجة ثورية أخرى عارمة؛ لتكمل ثورة يناير، أو ستكون نهاية الحلم الثوري؛ لتبقى مصر بين يدي نظام إخواني. "احترت أي ميدان أرى: 25 يناير أم 30 يونيو؟ لا فرق الآن". هكذا وصف إسلام الحال يوم 30 يونيو حينما ذهب إلى الميدان فلم يجد في الأيدي سوى علم مصر والكروت الحمراء، وجد هتافًا موحدًا لا خلافات ولا منصات. أهم ما وجده في ذلك اليوم أن كل الطبقات وعناصر الأمة موجودة أغنياء وفقراء ومسلمين ومسيحيين وملتحين وليبراليين وشباب وعجائز و أطفال. "مصر كلها كانت في الميدان" حينها وقف إسلام يهتف "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، حينها فقط يوم 30 يونيو أيقن الجميع أن الثورة مستمرة، وأن 30 يونيو جاء ليكمل 25 يناير، والدليل عودة الروح للميدان مرة أخرى.