عرض د. طارق فهمى - رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط - ورقة بحثية بعنوان "تقييم القدرات النووية لإسرائيل"، فى الندوة التى نظمها المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية تحت عنوان "إنشاء منطقة خالية من السلاح". ويرصد د. "فهمي" فى هذا البحث مراحل تطور قدرة اسرائيل فى إنتاج أسلحة نووية خلال العقود الماضية، وحدد أهم المقومات المطلوبة لتستطيع تصنيع القنبلة الذرية، وكيف أنها ركزت على تكنولوجيا التصغير لإنتاج قنابل ذرية تكتيكية، هذا بجانب تطوير باقي أسلحة الدمار الشامل - كما ذكر التقرير الأمريكى الصادر سنة 2002 - والذى أوضح أن أخطر ما في البرنامج النووي الإسرائيلي هو إنتاج القنابل النيوترونية التكتيكية الصغيرة، إضافة إلى الغازات السامة والبكتيرية. كما عرض استراتيجية إسرائيل فى تطوير الأسلحة النووية، خاصة وأنها تسعى إلى تحسين وتوسيع قدرات صواريخ "كروز" التى تم تصميمها ليتم إطلاقها من الغواصات، حيث تمتلك إسرائيل حاليا غواصات عديدة حصلت عليها من ألمانيا، و الهدف من ذلك هو منحها خيار" الضربة الثانية النووية". وأكدت الدراسة على أن منظومة السلاح النووي الإسرائيلي ليست للردع فقط، بل وسيلة ضغط من أجل الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط، ووسيلة ضغط على حليفها الأمريكي، فهى تعتمد على مبدأ: "في حالة رفض الولاياتالمتحدةالأمريكية مساعدتنا سنكون مضطرين لاستخدام السلاح النووي". ونعرض الجزء الأول من هذا البحث فى السطور التالية: تدرجت القدرة النووية الإسرائيلية صعودًا خلال العقود الماضية، لتمر بمراحل عدة: المرحلةالأولى 1948 : 1963: عملت إسرائيل خلال هذه الفترة على توفير الوقود النووي، وبناء الكوادر العلمية، بالتعاون مع الدول الأكثر خبرة في هذا المجال، وفي مقدمتها أمريكا وفرنسا. المرحلة الثانية 1963 : 1966: خلال هذه المرحلة انطلقت إسرائيل نحو إنتاج السلاح النووي، بالتعاون الوثيق مع الدول الصديقة، من خلال تبادل الخبرات العلمية والمادية. المرحلة الثالثة 1966 : 1986: مرحلة اتخاذ القرار السياسي لإنتاج الأسلحة النووية، ويقدر الخبراء أن إسرائيل قد اتخذت هذا القرار في أعقاب حرب 1967. المرحلة الرابعة منذ منتصف الثمانينيات إلى الآن: تطوير القدرات النووية، والتركيز على تكنولوجيا التصغير؛ لإنتاج قنابل ذرية تكتيكية، إلى جانب تطوير باقي أسلحة الدمار الشامل، وقد صدر عام 2002 تقرير أمريكي، يرى أن أخطر ما في البرنامج النووي الإسرائيلي هو أن اسرائيل طورت قنابل نيوترونية تكتيكية، وأنتجت صواريخ تطلق من الغواصات، وأكد التقرير أنها تمتلك نحو 300 - 500 صاروخ بريحو 1، و30 - 50 صاروخ بريحو 2، القادرة على حمل رؤوس نووية، وقنابل هيدروجينية ونيوترونية، إضافة إلى الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والغازات السامة والبكتيرية على أنواعها. وإن تصنيع القنبلة الذرية يحتاج إلى تأمين المقومات التالية: - مفاعل ذري قادر على إنتاج مادة البلوتونيوم. - تأمين مادة اليورانيوم الطبيعي اللازمة لتشغيل المفاعل، ولتحويل اليورانيوم إلى بلوتونيوم. ويقدر الخبراء أن كل طن من اليورانيوم الطبيعي يحرقه المفاعل الذري ينتج ما بين 300 – 1000 جرام من بلوتونيوم القنابل. - وجود مفاعل متخصص لتنقية مادة البلوتونيوم حتى تصبح جاهزة لاستخدامها في صنع القنبلة الذرية. ويعتقد الخبراء أن إسرائيل لجأت لإنتاج الكثير من الأسلحة النووية المتدنية القوة بدلاً من القنبلة العملاقة ذات القوة الهائلة، وهذا الأمر يحتاج عادةً إلى خبرة أكبر وتجارب كثيفة لم تجرها إسرائيل، وعوضت عنها من خلال الاستعانة بالخبرة الأميركية، والقنابل الصغيرة تستخدم لضرب أهداف محددة؛ مدن صغيرة، حقول النفط... إلخ. وعلى الرغم من أن مساحة انتشارهذه الأهداف لايتعدى عشرات الكيلومترات المربعة إلا أن تدميرها يؤدي إلى نتائج ردعية حاسمة، قادرةعلى شل إرادة الخصم. وبعد زوال الشك في امتلاك إسرائيل للقدرة النووية، بدأت التساؤلات تتركز حول حجم ترسانتها ونوعيتها؛ لأن تحديد القدرة العسكرية لدولة ما، تقليدية - نووية، يحتاج إلى دراسة عدد أسلحتها ونوعها وقوتها ومدى استعدادها، ولقد كشف موردخاي فعنونو في أكتوبر 1986 لصحيفة صنداي تايمز، عن امتلاك إسرائيل حوالى 200 قنبلة نووية، وأدى إدلاؤه بهذه المعلومات إلى دخوله السجن لمدة 18 عامًا, بذريعة إفشاء أسرار تمس أمن إسرائيل، وبأن إسرائيل تمتلك أكثر من 200 قنبلة نووية, بينها قنابل هيدروجينية. ونقلت "ها آرتس" الإسرائيلية في 9/ 10/ 1999 وثيقة سرية صادرة عن وزارة الطاقة الأميركية، تصنف إسرائيل في المرتبة السادسة ضمن مجموعة الدول النووية، وتشير إلى امتلاكها ما بين 300 إلى 500 كيلوجرام من البلوتونيوم الصالح لصناعة الأسلحة النووية،ما يعني أنها تستطيع إنتاج 250 قنبلة نووية. وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن إسرائيل تمتلك 300 قنبلة ورأس نووي، وهي قادرة على إنتاج ما لا يقل عن 35 قنبلة هيدروجينية، وتصنف إسرائيل من بين القوى النووية القادرة على تقديم خبراتها إلى دول أخرى، كما تمتلك إضافة إلى القدرات النووية حاليًا منظومة كاملة لإيصال السلاح النووي إلى أهدافه المحتملة، إذ تحوي ترسانتها مئات الطائرات القادرة على نقل القنابل النووية، لا سيما طائرات "F.15" ذات المدى العملاني الذي يصل إلى 4000 كيلومتر، وصاروخ أريحا 1، ويبلغ مداه 480 كيلومترًا، وصاروخ أريحا 2 - 1450 كيلومترًا، وصاروخ لانس - 120 كيلومترًا، وتعمل إسرائيل على تطوير صاروخ شافيت ليصل مداه إلى 5000 كيلومتر، وكانت قد استلمت عام 1999 ثلاث غواصات ألمانية من طراز "دولفين 800" قادرة على حمل صواريخ نووية، ويتساءل المراقبون.. هل تعمد إسرائيل إلى استخدام هذه القوة في نزاعاتها الإقليمية؟ الاستراتيجيةالإسرائيلية تسعى إسرائيل لتطوير قدرات أسلحتها النووية بزيادة مدى صواريخها وقدراتها النووية البحرية، ويشير تقرير صادرعن لجنة "ترايدنت" البريطانية إلى أن إسرائيل تسعى لزيادة مدى صواريخها أريحا 3 والارتقاء بصواريخها البحرية العابرة، ووفقا للتقرير فإن إسرائيل تسعى لزيادة مدى صورايخها أرض - أرض من طراز أريحا 3، بحيث يصبح لديها قدرات للصواريخ العابرة للقارات، يعتقد أنه يصل إلى حوالي 5000 كيلومتر، كما تسعى إسرائيل إلى تحسين وتوسيع قدرات صواريخ" كروز"، التي تم تصميمها ليتم إطلاقها من الغواصات، حيث تمتلك إسرائيل حاليا عدة غواصات حصلت عليها من ألمانيا، وتجري إسرائيل وألمانيا محادثات حول بناء غواصة سادسة. إن المقصود من الغواصات الإسرائيلية هو منح إسرائيل خيار "الضربة الثانية النووية"، مما يعني أنه يمكن لإسرائيل أن ترد بأسلحتها النووية من الغواصات المختفية في البحار حال تعرض قواتها النووية البرية لإصابات مباشرة من قوات معادية من جهة أخرى، وبالتالي يتركز الأمن الإسرائيلي دائمًا على المبدأ التالي: "ضمان وجود الدولة واستمرار بقاء مواطنيها"، فقد اعتمدت استراتيجية الدفاع الإسرائيلية على قاعدة أنه لايجوز خسارة أي حرب؛ لأن ذلك سيكون له أثرًا فاعلاً في الاختفاء التام لإسرائيل، وكانت أفضل طريقة لتجنب خسارة حرب ما هو تجنب المواجهة من خلال امتلاك قدرة الردع التي تبرر تبني خيار امتلاك القوة النووية، الذي إذا لم يتم إعلانه رسميًا سيكون رسالة واضحة لجميع الدول العربية والإقليمية التي تهدد أمن إسرائيل. خلفية الموقف الإسرائيلي: بعد التوقيع على اتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل "TNP" في عام 1968، وجدت إسرائيل نفسها في موقف أكثر صعوبة، إلا أنه بعد اللقاء الذي عقد بين "ريتشارد نيكسون"، ورئيسة الوزراء "غولدامائير"، اتفق الطرفان على أن تتجنب إسرائيل القيام بالتجارب النووية "رسميًا" لبعض الوقت، مقابل أن تلتزم واشنطن بعدم الضغط عليها من أجل توقيع الاتفاقية، ومنذ ذلك الوقت اعتبرت إسرائيل قوة نووية غير معترف بها ضمن مجموعة المالكين في الاتفاقية. وتهدف عقيدة الردع إلى زيادة قدرات إسرائيل الدفاعية، حيث يشكل السلاح النووي العامل الأساسي فيها، والذي يخضع لمبدأ عدم المبادرة باستخدام السلاح النووي، ويؤمن بدوره قدرة الرد على جميع الهجمات المشنة بأسلحة تقليدية أو بأسلحة الدمار الشامل، وقد أتاح تغاضي المجتمع الدولي عن هذه الترسانة بذريعة انعدام وجود أي وثيقة رسمية تثبت وجوده، وتجنب قادتها إنكار وجودها بنفس الوقت غموضًا كبيرًا سمح لهم بتطوير الترسانة النووية من جهة والاستمرار بالاستفادة من الدعم الاقتصادي والعسكري المتزايد من قبل حلفائها، لا سيما الولاياتالمتحدةالأمريكية من الجهة الأخرى. لقد شكل احتكار القدرة النووية في الشرق الأوسط واحدة من أفضل الضمانات لأمن إسرائيل القومي من خلال العمل على منع الدول العربية من تطوير برامج تسمح لها من بناء ترسانة نووية، وهذا ما دفعها لاتخاذ قرار خطير بأن تقود قواتها العسكرية "التساهل" غارة على المنشآت النووية العراقية في موقع أوزيراك عام 1981. وفي الواقع إن منظومة السلاح النووي الإسرائيلي ليس سلاحًا للردع فقط بل وسيلة ضغط من أجل الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى أن إسرائيل تستخدمها حاليًا ذريعة ضغط على حليفها الأمريكي من أجل حثه على العمل بالاتجاه الذي تريده على مبدأ: في حال لم ترغب الولاياتالمتحدةالأمريكية مساعدتنا سنكون مضطرين لاستخدام السلاح النووي.