"لا أبالي إذا كنت في جانب والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق ألا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح". هذا ما كتبه المفكر الراحل د. فرج فودة في مقدمة كتابه "قبل السقوط"، وهو الذي حذر فيه من سيطرة الجماعات الإسلامية على المشهد السياسي وخلط الدين بالدولة، وتوضح مقدمة فودة مدى تمسكه وإيمانه العميق بأفكاره وكتاباته، ولعل هذا ما أدى إلى مصيره الحزين، واغتياله يوم 8 يونيو 1992 على أيدي أحد المتطرفين الجهلاء. ركزت كتابات فودة على الترسيخ للدولة المدنية والمطالبة بفصل الدين عن السياسة ونقد نظام الخلافة الإسلامية ومهاجمة الإسلاميين المتطرفين، ولذلك أثارت هذه الكتابات جدلا واسعا خاصة في فترتي الثمانينات والتسعينيات، وهي فترات شهدت موجات عنيفة من الإرهاب وصعود الجماعات الإسلامية المتشددة. يحدثنا د. علي مبروك - أستاذ الفلسفة الإسلامية - عنه قائلا: "المشهد المصري الآن يقدم الدليل الدامغ على صدق ما قدمه فودة من دراسات نظرية، حيث كانت له استبصاراته وتنبوءاته في حال وصول الإسلاميين للسلطة، وعندما يكون التحليل النظري صائبًا يأتي الواقع العملي داعما ومؤكدا له، وهو ما حققه فودة بالفعل، فقد تنبأ بسقوط المجتمع المصري إذا اختلط الدين بالسياسة في كتابه "قبل السقوط"، والواقع المصري الآن يدعم ما طرحه من أفكار ونظريات". ويرى مبروك أن كتاباته وأفكاره لم تنل الدعم الكافي من جانب المثقفين التنوريين، ولذلك كان يرى دائما أنه في جانب والجميع في جانب آخر.. "ثقافتنا العربية تخاف الكشف والاعتراف وتبتعد عن التفكير النقدي، فدائما ما نضع على تاريخنا العربي والإسلامي ستارًا من الصمت ولا نعرف عنه سوى سردية وحيدة نموذجية، رغم أن تاريخنا مليء بالمشكلات والفجوات والشقوق والبقع السوداء، ولذلك عندما يأتي إلينا مفكر جريء مثل فرج فودة فإنه يحدث صدمة هائلة؛ لأننا بعيدون عن التفكير الناقد، وننأى بأنفسنا عن تحدي الثابت والمستقر". ويضيف: "لا أحد يختلف على أن اغتيال د. فودة على يد أحد الجهلاء جريمة إنسانية لا تنسى، ولكن هذا لا يمنعنا من نقد أعماله، فنلاحظ أن كل كتابات فرج فودة تبدو وكأنها جزء من معركة سياسية مع تيار سياسي آخر، ونلمح فيها أيضا نزعة استقطابية حادة، ولذلك كانت الفجوة الكبيرة دائما قائمة بينه وبين خصومه". وفي حديثه عنه يقول الشاعر عبد المنعم رمضان: " أرى فرج فودة نموذجا للمثقف الذي يمشي على سطح الأشياء ولا يحاول معرفة أعماقها، فكان يحب الإثارة أكثر من حبه للحقيقة، لكن مقتل فودة هو الشيء المحزن، لأنه يعكس إشكالية نظام كامل وجماعات ستحاكمنا جميعا، كما أن المخزي أن قاتل فودة كان ممن مُنِحوا العفو من الرئيس مرسي، فكيف نحيي ذكرى فودة ونحن نحتفل بخروج قاتله إلى الحياة العامة وتحويله إلى نجم من نجوم الدفاع عن الإسلام، وبذلك يعطي الرئيس شرعية لقتل أمثال فرج فودة". ويحكي رمضان عن علاقة فودة بالشاعر محمد عفيفي مطر: "عفيفي مطر كان لا يحب فودة بسبب هجومه الشديد علي القومية العربية وحزب البعث، ويذكر أن فودة قد كتب مقالا يتهم فيه عفيفي مطر بالعمالة للبعث وجاء المقال بعنوان "عفيفي مطر عميل حزب البعث"، ونتيجة لذلك كتب مطر ديوانا هجا فيه فودة". ويضيف: "فرج فودة قرأ التراث الإسلامي من الخارج فقط ولم يعرف الآليات الداخلية الفاعلة فيه، ومن ثم لم نملك معه زاوية نظر فقط، وملكنا معه مجموعة من الشعارات سرعان ما نسيناها لأنه لم يدخل الغرفة المغلقة بل وقف خارجها وأخذ يندد". د. علي مبروك: كتابات فرج فودة لم تقم على استراتيجية فكرية ولكنها جزء من معركة سياسية وبها نزعة استقطابية حادة عبد المنعم رمضان: كيف نحيي ذكراه ونحن نحتفل بخروج قاتله إلى الحياة العامة وتحويله إلى نجم الدفاع عن الإسلام؟