عندما استشهد د. فرج فودة لم يكن قد أكمل عامه السابع والأربعين.. أنفق عمره أو بمعني أدق العشرة أعوام الأخيرة منها مدافعا شرساً عن مدنية الدولة في مواجهة الدولة الدينية وأقلام التطرف والإرهاب الديني. كان فرج فودة ولاشك من أبرز الأقلام وأشدها سخونة التي واجهت ظواهر التطرف والمتاجرة بالدين.. كان صاحب رؤية وبصيرة وصاحب قلم لاذع وبلاغة متدفقة وثقافة عميقة وقراءة واسعة في الشأن الذي أنفق عمره كله بل حياته نفسها ثمناً لما آمن به... أسترجع كل الأفكار بسبب هذا الحديث الذي أجرته جريدة التحرير مع أحد المشاركين في عملية قتل الشهيد فرج فودة وهو أبوالعلا محمد عبدربه وقد حكم عليه ب 15 عاماً بتهمة الاشتراك في القتل ضمت إلي 40 عاماً أخري في قضايا متفرقة منها استهداف أتوبيس سياحي وخرج مع من خرجوا مؤخراً بعد قرار الرئيس مرسي العفو الرئاسي. في حديث لم يأت بجديد.. فالرجل يعترف باشتراكه في جريمة القتل ويعيد تكرار ما ذكره القاتلان الرئيسيان في الجريمة عبدالشافي رمضان وأشرف السيد.. وهو يذكر باطمئنان أن فتوي إهدار دماء فرج فودة صحيحة وأن خطأهم استراتيجي وليس شرعيا ويذكر (أن الدولة أعطت مساحة كبيرة لفرج فودة في الاستهزاء بالدين وكانت علي وشك تأسيس حزب سياسي له ومبارك أعطاه صلاحيات كبيرة، الأمر الذي أدي إلي استفزاز كثير من الناس ومن بينهم الجماعة الإسلامية).. ولا ندري أي مساحة تلك التي أعطيت لفرج فودة وقد كان ينشر مقالاته في جريدة الأحرار ويطبع كتبه علي نفقته الخاصة، وما هي الصلاحيات التي أعطيت له ولم تكن هناك حراسة مخصصة له..! ومن هم الذين تم استفزازهم من الناس سوي محترفي القتل علي الكلمة والرأي. ويستطرد قائلاً: (الدولة كانت تعطيه المساحة الكبيرة وتقوم بطبع كتبه علي نفقة الدولة فلو طبع الكتاب علي حسابه الخاص كان الأمر أخف إنما تطبع كتبه التي تسب الله ورسوله من أموال الشعب فهذا لا يصح أبداً، ودأب فودة في كل المحافل علي التطاول علي الصحابة والذات الإلهية والشريعة الإسلامية).. والحقيقة أن ما قاله أبوالعلا محمد عبدربه هو كذب في كذب.. وهو ببساطة يعيد فتح صحيفة اتهام لإعادة إعدام فرج فودة ثانية وثالثة بادعاءات عارية من الصحة وخيالات مغرضة يعيد تكرارها تبريراً لجريمة القتل التي يهتز لها عرش الرحمن.. ومنهجه في هذا منهج نازي منقول عن جوبلز ومقولته الشهيرة أكذب ثم أكذب ثم أكذب تصبح الكذبة حقيقة.. فلم يعتد فرج فودة رحمه الله أبداً علي الذات الإلهية ولا الرسول ولا الصحابة وكتاباته منشورة.. ولم تطبع الدولة يوماً كتاباً لفرج فودة ولم تفرد له المساحات الواسعة في الجرائد القومية فمن أين أتي بمثل هذه التصورات والأقوال. جريرة فرج فودة أنه كشف دعاة التطرف والراغبين في السلطة والتسلط من المتاجرين بالدين.. أوضح بجلاء لا لبث فيه خطوات قيام الدولة الدينية وكانت عباراته سهلة وأسلوبه شيقاً ومعلوماته متدفقة وحججه باترة.. فكتابه «قبل السقوط» نبوءة مبكرة بخطوات قيام الدولة الدينية واستشهاده بنموذج ما حدث في السودان في عهد النميري وقد وجد شبيهاً له في حالة البشير فيما بعد، وفي كتابه هذا ذكر فودة وتنبأ بما سوف يحدث له عندما أهدي كتابه لنجله ياسر الذي لم يدخر له إلا المخاطرة علي حد تعبيره.. وفي مقدمته يقول (لا أبالي إن كنت في جانب والجميع في جانب آخر ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم.. ولا أجذع إن خذلني من يؤمن بما أقول ولا أفزع أن هاجمني من يفزع لما أقول وإنما يؤرقني أشد الأرق ألا تصل هذه الرسالة إلي من قصدت.. وحسبي إيماني بما أكتب وبخطر ألا أكتب ما أكتب والله والوطن من وراء القصد).. رجل يكتب الله والوطن من وراء القصد فنكذبه ونزعم عليه أنه يسب الذات الإلهية والرسول والصحابة.. فإلي أين نحن ذاهبون!! وفي كتابه «الحقيقة الغائبة» كان استشرافاً للمستقبل بقراءة نقدية هادئة لأحداث مرت بتاريخنا في عهد الخلافة الراشدة والأمويين والعباسيين، وفي نهاية فصله الأول يقول (إن المستقبل يصنعه القلم لا السواك، والعمل لا الاعتزال والعقل لا الدردشة والمنطق لا الرصاص والأهم من ذلك كله أن يدركوا حقيقة غائبة عنهم وهي انهم ليسوا وحدهم.. جماعة المسلمين).. وفي مقالاته المنشورة خاض مواجهات مع المتنطعين والمتلاعبين بأوراق الدولة الدينية وأعلي من شأن الدولة المدنية، معتبراً أن الدين وقيمه ركن ركين في تشكيلها ودافع عن الوحدة الوطنية وملاحقة العصر والتحضر.. فهل كان فيما سبق اعتداء علي الله جل جلاله والرسل والصحابة ولكنها الفتنة السائرة علي الأرض والرغبة الجامحة في استمرار الأقوال والصور المزيفة والتضليل غير المعقول أو المقبول لتبرير القتل.. ومن قال ومن قبل أن القتل مبرر في أي حال من الأحوال وفي أي دين من الأديان لشخص لم يفعل سوي أنه قال كلمته فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجره ولم يصب أبداً دماً حراماً...!! ويعتقد أبوالعلا عبدربه أن الأحكام الصادرة بحقه هو وزملائه أحكام تعزيرية وإن كان القاضي قد استخدم أقساها طبقا لتفسيره مما يمثل خلطا بالغا بين الواقعة بحالتها الجنائية والتفسيرات الدينية التي أقحمت علي المحكمة وربما يستند أبوالعلا إلي شهادات د. مزروعة التي اعتبرت فودة مرتداً يوجب قتله وشهادة الشيخ الغزالي التي تري أن القاتل قد افتأت علي السلطة في القيام بدورها.. ولعل تلك الفتاوي التي قيلت قبل الواقعة هي التي فتحت الطريق لعبدالشافي رمضان الفاعل الرئيسي في الجريمة هو وصحبه ليقدما علي ما أقدما عليه.. وقد كان لندوة معرض الكتاب التي ناظر فيها فودة الشيخ الغزالي ود. عمارة ومأمون الهضيبي دور في إثارة حفيظة التيار المناوئ لفرج فودة لما أبداه من حضور لافت وقدرات فائقة ومقارعة الحجة بالحجج فخطف الأضواء ودانت له ناصية الحضور.. وكانت تلك الطائفة من الفتاوي والشهادات وعدم قبول الآخر بما يجافي صحيح الدين.. لم يكن فودة أول شهداء الكلمة ولن يكون آخرهم طالما لم يزل هناك من يتوعد بمصير فودة في إصراره علي الكذب والبهتان علي رجل بين يدي الرحمن.. رحم الله فرج فودة ووقي الله الوطن مخاطر الفتن والبهتان والاجتراء. عضو الهيئة العليا