المليونية التي دعت إليها العديد من الأحزاب والحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين أمام دار القضاء العالي من أجل "محو" الفساد داخل السلطة القضائية أثارت التساؤلات حول آليات التطهير وكيفية تطبيقه وهل هو "غاية" أم "وسيلة" للتمكين. "البديل" ترصد آراء الفقهاء حول "تطهير القضاء" وحول دعوات الحشد أمام دار القضاء العالي . تطهير مشروط الدكتور ثروت بدوي ، الفقيه الدستوري، وأستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، أكد أن تطهير القضاء لابد أن يتم وفقًا لضوابط موضوعية، وضمانات قانونية، تضمن استقلال القضاء، والحفاظ على هيبته وحصانته، مشددًا على ضرورة أن يكون القائمين على تلك العملية من القضاة المستقلين، غير التابعين لأى فصيل أو انتماء سياسي. وأضاف بدوي أن عملية تطهير القضاء لابد أن تكون من القضاة أنفسهم، المشهود لهم بالكفاءة، وحسن السلوك، دون تدخل من السلطة التنفيذية للدولة، حتى يتم تصفية العناصر التي تشوب ثوب القضاء النظيف الناصع. وأوضح البدوي ، أن تطهير القضاء مثل تطهير أي جهاز في الدولة بمعنى تخليص القضاء من الشوائب التي يمكن أن تلطخ أو تشوهه الصورة النظيفة الطاهرة للقضاء . وأضاف أن التطهير يأتي عن طريق إزاله العناصر غير الطاهرة أو "غير المستوية" والتي يمكن أن تسئ إلى الصورة الجميلة الطاهرة والنظيفة للجهاز وخاصة وإن كان جهازًا هامًا مثل الجهاز القضائي ، مشيرًا إلى أن هناك أساليب معينة لهذا التطهير بدءًا من تشكيل مجلس قضائي جديد يعمل في صمت ودون إثارة ويقوم على فكرة التخلص من هؤلاء الذين ثبت فسادهم ، عن طريق تحويلهم إلى المعاش . وأشار البدوي إلى أن هذا من الممكن أن يتحقق في أي وقت وفي أي مرحلة ، لكن الأهم من الوقت هو كيفية إختيار تلك الأجهزة التى تقوم بالتطهير والتي يجب أن يكون جميع أعضائها من العناصر الشريفة الطاهرة التي لم تسود سمعتها أي شائبة والمعروف عنها الحيدة والاستقلال والموضوعية والنقاء والعمل في صمت . ومن جانبه ، قال المستشار عبدالله فتحي وكيل نادي القضاة إن تطهير القضاء من أهم المشكلات التي يجب بحثها وإستياعبها بشكل جيد ، لأن القضاء كيان شامخ وركن من أركان الدولة ومع سقوطه ستسقط الدولة . وأضاف أن هناك فروقًا كبيرة بين تطهير القضاء بدون تدخل الجماعة الحاكمة ، وبين تدخلها ، مضيفًا أن ما نلاحظه الآن وما يفعله الجماعات المؤيدة للحكم هو لست دعم للقضاء كما يدعون إنما هو سلسلة من الفوضى التى تنذر بإنهيار دولة القانون ،قائلا "إذا سقط القانون وانهار القضاء أكثر من ذلك سنعيش في غابة وليست دولة " فالكل سينفذ وسيفعل ما يراه مناسبًا له ، دون الرجوع القضائي ودون إحترامه" ، مؤكدًا أن تطهير القضاء يبدأ بثقة الشعب في القضاء وإحترام أحكامه وتنفيذها . تخوفات القضاة لجنة شباب القضاة والنيابة العامة من جانبها استنكرت محاولات اضطهاد القضاء وفرض السيطرة عليه بالقوة من فصائل سياسية إما منتمية أو موالية للنظام الحاكم، على مرأى ومسمع منه، دون أن يتدخل لإلزامها باحترام سيادة الدستور والقانون واحترام استقلال القضاء ورجاله، بحسب تعبير اللجنة. وأكدت اللجنة، في بيانٍ صحفي أصدرته اليوم الخميس، أن هذه الفصائل تدعو إلى هدم القضاء تحت مسمى "تطهيره" من خلال التجمهر والتظاهر لإرهاب القضاة شبابًا وشيوخًا، كوسيلة غير مشروعة للضغط عليهم حتى يدب الخوف في نفوسهم فيرضخوا لإجراءات تعسفية تهدف إلى تمرير مشروع قانون للسلطة القضائية أعد للنيل من القضاة، انتقامًا لأحقاد دفينة تولدت دون أن يكون للقضاء أو القضاة ذنب فيها، بحسب البيان. وكشف بيان اللجنة خيوط وصفها ب"المؤامرة" التي يريد النظام الحاكم تنظيمها ضد القضاء، بهدف السيطرة عليه وضمان ولاءه له، بحسب البيان، ولخص مراحل تلك المؤامرة في نقاط كان أبرزها أنه سيتم الضغط بكل السبل المشروعة وغير المشروعة على القضاة ليقبلوا أن يناقش مجلس الشورى - المعين غالبيته بغير انتخاب - من قبل الحزب الحاكم تعديل أحكام قانون السلطة القضائية تحت شعار تحقيق استقلال القضاء بيد أن ما يحاك هو الاستغلال بعينه. واستكمل شباب القضاة في بيانهم "عند مناقشة القانون والتعديلات المقترحة تتطوع بعض الأحزاب الموالية للحزب الحاكم بتقديم مشروعات للتعديلات التي يقترحونها والتي بالقطع ستكون في غاية التطرف" ، مضيفًا "ثم يثور القضاة على المشروعات المقترحة وتشهد البلاد حالة من التوتر والصراع بين السلطة القضائية ومجلس الشورى الذي يمثل مجازاً السلطة التشريعية". وتابع البيان "هنا يتدخل الحزب الحاكم بمشروع قانون يُصوَر على أنه يحقق استقلال القضاء ويلقى بالقطع استحسان الأحزاب الموالية له ويحوي هذا المشروع بين طياته بعض التعديلات كخفض سن التقاعد للقضاة إلى 65 سنة وزيادة نسبة المعينين في القضاء من غير أعضاء النيابة العامة وفرض قيود على سلطات الجمعيات العامة للمحاكم وتقويد صلاحيات واختصاصات مجلس القضاء الأعلى مع زيادة أعضائه بالانتخاب وهي قد تبدو وكأن في ظاهرها الرحمة ولكن في باطنها العذاب" . وحمَّل البيان كافة الجهات الأمنية المعنية مسئولية أي تعديات أو أعمال عنف أو تخريب تلحق بالمحاكم أو بنادي قضاة مصر، مشددًا على أنه إذا حدث ما يخشونه القضاة فسيسعون إلى تدويل القضية، كي يشهد العالم بأسره ماذا فعل بالقضاء المصري أعرق وأقدم المؤسسات القضائية في العالم.