لم يكن إحياء ذكرى يوم الأسير الفلسطينى مع ذكرى استشهاده من قبيل المصادفة، ولكن لأن "الأسير" و"الرنتيسى" صدقا ما عاهدا الله عليه. الموت آتٍ.. وأفضِّل الأباتشي: ففى إحدى المرات قال في لقاء باللغة الإنجليزية "الموت آتٍ سواء بالسكتة القلبية أو بالأباتشي، وأنا أفضل الأباتشي"، وكان يقول "سننتصر يا بوش، سننتصر يا شارون، وستعلمون ذلك غدًا بإذن الله، فكتائب القسام ستزلزلكم في حيفا وعكا وتضربكم في تل أبيب". عدت إلى البيت حافيًا: هو الدكتور عبد العزيز الرنتيسى قائد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أحد أشهر المجاهدين فى تاريخ النضال الفلسطينى. ولد الدكتور عبد العزيز الرنتيسى في 23 أكتوبر 1947 في قرية يبنا (تقع بين عسقلان ويافا)، ويتذكر الرنتيسي طفولته، فيقول: "توفي والدي وأنا في نهاية المرحلة الإعدادية، فاضطر أخي الأكبر للسفر إلى السعودية من أجل العمل". ويردف: "كنت في ذلك الوقت أعد نفسي لدخول المرحلة الثانوية، فاشتريت حذاء من الرابش (البالة)، فلما أراد أخي السفر كان حافيًا، فقالت لي أمي أعطِ حذاءك لأخيك فأعطيتُه إياه، وعدت إلى البيت حافيًا... أما بالنسبة لحياتي في مرحلة الثانوية فلا أذكر كيف دبرت نفسي". كان الرنتيسي من المتفوقين، وهو ما أهله للحصول على منحة دراسية في مصر على حساب وكالة غوث اللاجئين (أونروا) وهناك درس طب الأطفال في مصر لمدة 9 سنوات وتخرج في كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال. شغل الرنتيسي عدة مواقع في العمل العام، منها: عضوية هيئة إدارية في المجمع الإسلامي والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة والهلال الأحمر الفلسطيني، وعمل في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضراً في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات. تأثر بالشيخين محمود عيد وأحمد المحلاوي: وعن بداية مشواره مع الحركة الإسلامية يقول الرنتيسي إنه تأثر أثناء دراسته بمصر كثيرًا بالشيخين محمود عيد وأحمد المحلاوي، وكانا يخطبان في مسجدي السلام باستانلي والقائد إبراهيم بمحطة الرمل في الإسكندرية. وأضاف الرنتيسي: "كانت الخطب سياسية حماسية؛ فمحمود عيد كان يدعم القضية الفلسطينية، وكان يواجه السادات بعنف في ذلك الوقت؛ وهو ما ترك أثرًا في نفسي، فلما عدت من دراسة الماجستير بدأت أتحسس طريقي في الحركة الإسلامية مقتديًا بأسلوبه ونهجه"، موضحًا أن أول مواجهة له مع الاحتلال الإسرائيلي كانت عام 1981 حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية ثم اعتقل على خلفية رفضه دفع الضرائب لسلطات الاحتلال. كان أحد قياديي حركة الإخوان المسلمين السبعة في "قطاع غزة" عندما حدثت حادثة المقطورة، ويقول الرنتيسي عن قصة إنشاء الحركة: "كنت مسئول منطقة خان يونس في حركة الإخوان المسلمين، وفي عام 1987 قررنا المشاركة بفاعلية في الانتفاضة، وكنا سبعة.. الشيخ أحمد ياسين وعبد الفتاح دخان ومحمد شمعة وإبراهيم اليازوري وصلاح شحادة وعيسى النشار، وقد اخترنا اسمًا للعمل الحركي هو حركة المقاومة الإسلامية ثم جاء الاختصار إلى "حماس". سبع سنوات من الاعتقال: تم اعتقاله بتاريخ 4/3/1988 حيث ظلّ محتجزاً في سجون الاحتلال لمدة عامين ونصف، ليطلق سراحه في 4/9/1990، ثم عاود الاحتلال اعتقاله بعد مائة يومٍ فقط بتاريخ 14/12/1990 حيث اعتقل إداريًّا لمدة عامٍ كامل. في 17/12/1992 أبعد مع 416 مجاهدًا من نشطاء وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، حيث برز كناطقٍ رسمي باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة في منطقة مرج الزهور لإرغام سلطات الاحتلال على إعادتهم وتعبيراً عن رفضهم لقرار الإبعاد الصهيوني. واعتقل الرنتيسي عدة مرات من السلطة الوطنية الفلسطينية وتمكّن من إتمام حفظ كتاب الله في المعتقل، وذلك عام 1990 بينما كان في زنزانة واحدة مع الشيخ المجاهد أحمد ياسين، وله قصائد شعرية تعبّر عن انغراس الوطن والشعب الفلسطيني في أعماق فؤاده. وبعودة أحمد ياسين إلى قطاع غزّة في أكتوبر 1997، عمل الرنتيسي جنباً إلى جنب مع أحمد ياسين لإعادة تنظيم صفوف حماس بعد فقدان صلاح شحادة. وقام الرنتيسي بعمل المتحدّث الرسمي لتنظيم حماس وكقائد سياسي للتنظيم. بلغت مجموع فترات الاعتقال التي قضاها الرنتيسي في السجون الإسرائيلية سبع سنوات، بالإضافة إلى سنة قضاها مبعدًا في مرج الزهور بأقصى جنوب لبنان عام 1992، وكان أول قيادي في حماس يعتقل بتاريخ 15-1-1988، وأمضى مدة ثلاثة أسابيع في المعتقل. صعوده إلى الله: بعد استشهاد الشيخ ياسين بتاريخ 22\3\2004 تولى الرنتيسي قيادة الحركة وفي أول خطاب له ظهر "وكان يحمل بندقية كلاشن كوف وقال "هذا هو حوارنا مع الصهاينة وهذا (أي المقاومة المسلحة) هو طريقنا لتحرير الأقصى". وفي مساء 17 إبريل 2004 قامت مروحية إسرائيلية تابعة للجيش الصهيونى بإطلاق صاروخ على سيارة الرنتيسي، فقتل مرافق الدكتور ثم لحقه الدكتور وهو على سرير المستشفى في غرفة الطوارئ. صدفة جليلة أن يتوافق يوم الأسير بذكرى الرنتيسى: قال مخلص برزق الباحث ببيت المقدس للدراسات إنه من قبيل الصدفة الجليلة أن يتوافق ذكرى يوم الأسير مع ذكرى استشهاد البطل الشهيد الدكتور عبدالعزيز الرنتيسى، ففى ذكرى استشهادة نتذكر الرجولة والبطولة التى كان يمثلها الدكتور الرنتيسى. ويضيف برزق: "الدكتور الرنتيسى طبيب الأطفال الذى وهب حياته لأجل الشعب الفلسطينى، ومن أجل حرية وكرامة وطنه، كان قويًّا فى الدفاع عن وطنه ومحبًّا للجهاد". ويذكر أن الرنتيسى كان في أول مخيم فلسطينى لاجئ يعود إلى الأراضى الفلسطينية مرة أخرى، فقد تعودنا أن الذين تم إخراجهم لا يعودون، لكن الرنتيسى كان أول العائدين، رغم الاحتلال الصهيونى، وعندما عاد إلى فلسطين واصل الجهاد حتى استشهد بعد أقل من شهر من استشهاد الشيخ أحمد ياسين زعيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس". كان أسدًا لفلسطين: منير سعيد عضو القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" قال: الدكتور الرنتيسى كان أسدًا لفلسطين، وهو رجل المواقف والبطولات، وكان مجاهدًا فى سبيل الله. وأكد سعيد أن "الرنتيسى كان مؤسسًا للمقاومة الفلسطينية، واستطاع أن يجمع الكلمة الفلسطينية على المقاومة، وفى ذكرى استشهادة نؤكد أن المقاومة الإسلامية سائرة على الدرب، والانتفاضات التى شهدتها غزة بعد رحيله تؤكد أن المقاومة ما زالت فى طريق الجهاد".