تحدثنا فى المقال السابق عن موضوع القصد فى المشى "واقصد فى مشيك" وقلنا ان الصورة المقابلة لهذا الأمر فى سورة الفرقان "وعباد الرحمن فهناك عبد للدرهم وعبد للدينار وعبد للشهوة وهناك عباد للرحمن فلو نظرنا إلى كلمة واقصد فى مشيك وكلمة هوناً لوجدنا توافق عجيب فمعنى القصد هو الطريق السهل المستقيم " ومعنى كلمة هوناً أى لينين متواضعين فى مشيتهم . فأول صفة من صفات عباد الرحمن انهم يمشون على الأرض هوناً إذ أن المشى له إعتبار صفة المشى لها قيمة عند الله لأنها تعبر عن الشخصية تعبر عما يستكن فيها من مشاعر وأخلاق فالمتكبرون لهم مشية والمؤمنون المتواضعون لهم مشية كلاً بمشى معبراً عما فى ذاته فعباد الرحمن يمشون متواضعين هنيين لينين يمشون بسكينة ووقار فمن أقبل على الله فى تواضع جبره ومن أقبل على الله فى تكبر كسره فعباد الرحمن يمشى الواحد منهم مشيه من يعلم أن من الأرض وإلى الأرض يعود إقرأ قول الله تعالى "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة آخرى" طه 55 . وفى وصايا الله الوصايا الحكيمة فى سورة الإسراء كان النهى عن المرح والأشر والبطر والإختيال والفخر إحدى هذه الوصايا إقرأ قول الله تعالى "ولا تمشى فى الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً" الإسراء 37 . إنك لن تخرق الأرض - مهما دببت برجليك ولن تبلغ الجبال طولاً مهما تطاولت بعنقك وشمخت برأسك فاقصد فى مشيك – وامشى هوناً – ولا تمشى فى الأرض مرحاً وامشى متواضعاً حتى يحبك الله وحتى يحبك الناس . فمن وصايا لقمان الحكيم لأبنه – ولا تصعر خدك للناس ولا تمشى فى الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد فى مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير – لقمان 19،18 . فمعنى ولا تصعر خدك للناس – أى لا تكلم الناس وأتت معرض عنهم مشيح عنهم بوجهك بل أقبل عليهم وكلمهم ووجهك منبسط إليهم . "ولا تمشى فى الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور" . المختال : الذى يظهر الكبر فى أفعاله الفخور : الذى يظهر أثر الكبر فى أقواله فهو يقول أنا فلان وابن فلان من أسرة فلان . "إن الله لا يحب كل مختال فخور" إنما يحب الله المتواضع الذى يعرف قدر نفسه الذين يمشون على الأرض هوناً ليس معنى الهوان أنهم يمشون متماوتين متمارضين كما يفعل بعض من ينتاب إلى التقوى والصلاح ما كان رسول الله هكذا ولا كان أصحابه . ويقول أبى هريرة رضى الله عنه "ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجرى فى جبهته وما رأيت أحداً أسرع فى مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث" هكذا لم يكن صلى الله عليه وسلم متماوتاً ولا بطيئاً وليس معنى السرعة هنا السرعة التى تذهب بالوقار – بل الوسط لا بالسريع المفرط ولا البطئ المفرط هذا هو مشى المؤمنين مشى فيه قوة وفى نفس الوقت تواضع وهكذا كان عمر رضى الله عنه رأى شاباً يتماوت فى مشيته فقال أأنت مريض قال ما أنا بمريض قال فلا تمشى هكذا وأمره أن يمشى مشى الأقوياء المتواضعين . ورأت إحدى الصحابيات شباناً يمشون متهالكين متماوتين فسألت عنهم من هؤلاء قالوا نساك – أى عباد قالت والله لقد كان عمر إذا مشى أسرع وإذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع وكان هو الناسك حقاً . هنا لمحة جميلة عندما ينسب المولى عز وجل اسم من اسمائه وهو "الرحمن" . فمعنى العبودية هى الإنقياد والإنصياع لله عز وجل وما دمت علمت إنك عبد فلابد أن تتواضع لله عز وجل وألا تتكبر على خلق الله حتى يوم القيامة لفظ العبودية لأنك ستقف بين يدى الله إقرأ قول الله تعالى "إن كل من فى السموات والأرض إلا اّتى الرحمن عبداً" مريم 92 والأية التى بعدها "لقد أحصاهم وعدهم عداً وكلمه اّتية يوم القيامة فرداً" مريم 93 . المعنى مهما تكبرت فى الدنيا على خلق الله ومهما أوتيت من سلطان فالنهاية المحتومة أنه لا مال ولا ولد ولا سلطان وستحشر يوم القيامة فرداً . فى المقال القادم إن شاء الله نكمل قضية الوسطية فى المشى وعدم التكبر .