القرآن منهج إلهى يشمل كل مقومات الحياة للإنسان سواء فى العبادات أو المعاملات أو فى العقيدة ولذلك يقول اللٌه تعالى"ما فرطنا فى الكتاب من شىء" فكلمة ما فرطنا- أى ما تركنا فى الكتاب –أى فى القرآن- من شيء، فالقرآن دستور ومنهج حياتى بالنسبة للناس إلى أن تقوم الساعة هذا الدستور صالح لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهذا الدستور الذى يضمن للناس التعايش على وجه الأرض دون اللجوء إلى القوانين الوضعية فكل ما يظهر من الاستكشافات عن طريق العلم نجد له تفسيرا فى كتاب الله مصدقا لقول الله تعالى"لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون". هذا هو سر إعجاز القرآن والسنة النبوية المطهرة إلى يوم القيامة، فها نحن نجد قضية الاقتصاد فى كل شيء، هذا الاقتصاد فى كل شيء يعتبر ميزان فى الأرض لقول الله تعالى"والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شيء موزون" فنجد الاقتصاد فى الصلاة الاقتصاد فى المشى الاقتصاد فى الإنفاق الاقتصاد والتعامل مع الله والأدب مع الله نجد من خلال هذا الاقتصاد أنه يضمن للعباد عدم الشطط وعدم الحيد عن الحق وهذا الاقتصاد أخذ من وسطية أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول شهيدا عليكم" البقرة ولنبدأ بمثل الاقتصاد فى الصلاة وما الحكمة من هذا الاقتصاد. "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغى بين ذلك سبيلا"الإسراء 111 يراد بكلمة الصلاة هنا كل أعمال الصلاة فالجهر منهى عنه. وكذلك ولا تخافت- أى لا تسترها بحيث لا يسمعك من خلفك وهذا منهى عنه أيضا فكلا الطرفين مزموم وخير الأمر الوسط. من هذا المنطلق يجب أن ندرك معنى الآية وماذا يراد من قول الله تعالى فمثلا نرى بعض المساجد فى الصلاة الجهرية مكبرات صوت وصدى صوت فإذا كان رفع الصوت فى الصلاة منهى عنه فمن باب أولى عدم تشغيل مكبرات الصوت قبل الصلاة هذا من باب الفقه فى الإسلام(عدم تشغيل الميكروفون قبل الآذان) فحينما يستعمل مكبرات الصوت فإنك تلزم الناس بالإنصات من قبيل قول الله تعالى "وإذا قرىء القران فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"204 الأعراف فبعدم إنصات الناس أوقعتهم فى الحرج والإثم ولعل غيرك يريد أن يستغفر أو يسبح. فلا تكون مثل الذين قال الله فى حقهم "فل هل نبئكم بالآخرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"104 الكهف فالحق تبارك وتعالى يقول ولا تجهر بصلاتك –ليه النهى هنا بعدم الجهر- أولا لئلا يكون من خلال رفع الصوت يكون هناك رياء- وعدم الخفت-فالخفت هنا هو خفض الصوت الوسطية هنا أو الاقتصاد هنا له دلائل: أولا- أن الشيطان فى قضية الوسطية يخنس قال تعالى فى سورة الناس "من شر الوسواس الخناس" قال أهل اللغة-الخنيس هو الصغر فأنت حينما تقرأ بصوت بين عدم العلو وعدم الخفت يخنس الشيطان ثانيا-الوسطية هى ميزان الصلاة فالحق سبحانه وتعالى حينما يقول "وابتغ بين ذلك سبيلا" أى بين الجهر والإسرار واسلك سبيل الوسطية التى جاء بها الشرع ولتتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يتفقد الصحابة ليلا فوجد أبا بكر رضى الله عنه يقرأ ولا يكاد يسمع صوته فلما سأله قال يا رسول الله "أناجى ربى وهو عالم بى" فلما ذهب إلى عمر رضى الله عنه –وجده يقرأ بصوت عال فلما سأله فال يا رسول الله "أزجر الشيطان" عندها أمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفع صوته قليلا وأمر عمر أن يخفض صوته قليلا ....هذا الاعتدال وهذه الوسطية وهذا الاقتصاد أمرنا الله بها حتى فى الدعاء كما جاء فى قوله تعالى " واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول"205 الأعراف فكلمة ("بين ذلك "سبيلا) البينية هذه تكاد تشيع فى كل أحكام الدين لأن القرآن جاء لأمة وسط بالأمور الوسط فى كل شئون الحياة. وينتقل بنا القرآن الكريم لوسطية أخرى فى الإنفاق ففى سورة الفرقان توضيح قضية الإنفاق وكذلك فى سورة الإسراء. ففى سورة الفرقان يقول الله تعالى عن الإنفاق "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" الفرقان 67 ما هو الإسراف: 1-الإسراف هو تبديد ما تملك فيما عنه غناء فلا تقول "مسرف" مثلا للذى يأكل ليحفظ حياته لذلك يقول سيدنا عمر رضى الله عنه لولده عاصم"كل نصف بطنك ولا تطرح ثوبا إلا أذا استخلقته ولا تجعل كل رزقك فى بطنك وعلى جسدك" 2-الإسراف أن تنفق فى غير حل فلا سرف فى حل وقوله تعالى "وكان بين ذلك قواماه" أى بين الإسراف والتقتير –قواما-يعنى وسطا أى أن الإنفاق وسط بين طرفين وقوام الشيء ما به يقوم والحياة كلها تقوم على عملية التوسط .