أرى تشابهاً كبيراً بين ما يحدث فى مصر والمنطقة وبين ما حدث فى الثورة الروسية فى مطلع القرن العشرين، فقد استغل الشيوعيون الثوريون بزعامة لينين وتروتسكى ثورة الجياع الروسية الأولى ليتصدروا المشهد الثورى ويقوموا بانقلابهم المجتمعى بناء على أفكار كارل ماركس لتغيير البنية الأيدلوجية للمجتمع وإقامة دولة شيوعية تقوم على أساس التمكين والمغالبة والسيطرة السياسية على قمة هرم السلطة مستغلين حالة الفوضى الاجتماعية التى أحدثتها تلك الثورة العارمة ليقفزوا عليها ويؤسسوا لمذهبهم الذى غير أسس المجتمع الروسى من جذوره، ثم تغولت بعدها السلطة الباطشة على المذهب والعقيدة, وغرها التمكين والسيطرة، فتوحشت الدولة على مواطنيها، فسالت دماء وكثرت الضحايا, حتى زادت على العشرين مليون ضحية في عهد ستالين تحت مطرقة السلطة الباطشة وسندان المذهب والعقيدة، فأفسدت التروتسكية الثورية ومن بعدها الاستالينية مفهوم المنهج الاشتراكى ومذهبه الاجتماعى, وحادت به عن هدفه ومقاصده التى بنى عليها، ثم انهارت تلك الدولة الإشتراكية السوفيتية فى نهاية الأمر على رؤوس أصحابها من الثوريين الاشتراكيين أصحاب السلطة والسطوة والجاه لأنها قامت على المغالبة والتمكين وفرض المذهب والعقيدة عنوه على الشعب، ولم تستطع الاستمرار أمام التحديات المتعاظمة لافتقارها لدعم شعبى فاعل، فتحولت مغالبتها وتمكينها إلى هزيمة مدوية، فلفظها المجتمع المغلوب بما حملت ودعت من منهج وعقيدة، فارتدت تلك المجتمعات الإشتراكية نحو الرأسمالية القحة ومن اليسار إلى اليمين بعد أن كفرت بالمذهب الذى غالب به هؤلاء التروتسكيون والستالينيون من قبل، فضُرب المنهج بهزيمتهم لأنهم فرضوه عنوة وربطوه بوجودهم وفسروه تبعاً لمصالحهم. وقد اعتمدت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس التى كانت متخصصة في الشأن والتاريخ الروسى والتى تتحدث الروسية بطلاقة تلك التجربة الروسية الفاشلة وما نتج عنها من ردة منهجية على المذهب الاشتراكى وأعلنت عن عزم الولاياتالمتحدة تطبيق مثيل لها كطبعة عربية فى منطقة الشرق الأوسط لإحداث واقع سياسي وأيدلوجى إسلامى متشدد يفرض عنوة من خلال التمكين والسيطرة للجماعات الإسلامية بجمودها الفكرى بواسطة التمهيد لنفس فكرة الفوضى الشاملة لتتمكن تلك الجماعات من القفز على السلطة والعمل على تمكينها وسيطرتها بعد ذلك وترك العنان لها لتتغول السلطة على المذهب والمصالح على العقيدة لتفشل فى نهاية الأمر كما فشلت سابقتها بما يمهد لردة مشابهة على الدين والعقيدة من جانب تلك الشعوب فى نهاية المطاف كما حدث مع التجربة الروسية ابتداءً تمهيداً لإقامة ما يسمى بكيان الشرق الأوسط الجديد الذى يخدم مصالح الولاياتالمتحدة والكيان الصهيونى على المدى البعيد. وبنظرة موضوعية على الحالة المصرية نرى جماعتنا الإخوانية تشبه حالة تلك الحركة اللينينية التروتسكية الأولى، فالتروتسكيون الجدد فيها أتباع سيد قطب قد غالبوا بها وصاروا نحو التمكين المجتمعى بالمغالبة بعيداً عن المشاركة السياسية، وخلطوا العقيدة بالسلطة وربطوا شخوص القادة بأصل المنهج، فعندما تواجه الجماعة انهياراً سياسياً تظهر تباشيره المروعة فى الأفق القريب بسبب ذلك المنهج القطبى التكفيرى الذى مازال مهيمناً عليها ستتضرر العقيدة والدين ضرراً كبيراً تبعاً لسقوطها, فحينها لن يقول أحد فشلت الجماعة بل سيقولون فشل الإسلام.! وسيكون هذا السقوط بمثابة الردة الحضارية والثقافية ودفعاً منهجياً للتغريب الثقافى للمجتمعات العربية والإسلامية، وتفكيكاً للروابط والوشائج التاريخية والثقافية بين الدول العربية بما يعين علي التخلخل الثقافي، بل وذوبان ما تبقي من عوامل التواصل والارتباط في دائرة المنطقة العربية الإسلامية, والتي ستؤدي فى النهاية إلي ضياع هويته التراثية والحضارية، بل وانسلاخ أجزاء الوطن العربي من ثقافته وتراثه الحي ولغته ومصالحها القومية. وهذه هى خطورة توجه سياسة المغالبة والتمكين للجماعات التى تدعى امتلاك المذهب والدين، فنصره من انتصارهم وهزيمته من هزيمتهم... وهو وارد فى كل حالاته . Comment *