تبارى الاخوان لسنوات وحقب طوال في سرد وقائع تعذيبهم وإهدار آدميتهم ، فساقوا في هذا الشأن كل عجيب وشاذ من الأقاصيص التي انصب أغلبها على الحقبة الناصرية، وبعض منها في عهدي مبارك والسادات غير أن جميعها قد حفل بكل ما قد يعن للخيال من رؤى وأساطير تقشعر لها الأبدان. ولم يكن أشد الناقمين على الإخوان يظن أن ما بكوه ستون عاماً من البطش والتنكيل وما اقتاتوا عليه تعاطف الكثيرين حتى من الذين اختلفوا معهم سيمارسونه بأيديهم وعلى نحو اشد بطشاً وتنكيلا. ففي يوم الأربعاء المؤرخ الخامس من ديسمبر أسفر الإخوان عن وجه آخر لم يتصور أشد منتقديهم أن يجاهروا به ، فوقفوا بموقف الجلاد بالواقع وليس الخيال والأقاصيص واعملوا في خصومهم كل تعذيب ومهانة دون ان يراعوا فيهم عدلاً أو يبحثوا يقيناً لنواياهم أو انتمائهم . ان ما قام به الاخوان هو تنفيذ حرفي لكل مزاعم التنكيل بهم التي حفلت بها كتاباتهم مع فارق واحد ان التعذيب في الماضي لم يراه او يشهد به سوى الإخوان بينما التعذيب اليوم على مرئى ومسمع من كافة البشر. - ساق الإخوان في مذكراتهم أن أساليب التعذيب كانت تغرض الي حملهم على الاعتراف بما لم يقترفوه فإذا بهم حين أتيحت لهم الضحايا كان اول ما فعلوه امام الكاميرات بغبطه لا مراء فيه هو التحقيق البوليسي المصحوب بالتنكيل والتهديد بالمزيد من الضرب مع تظاهر المحقق في رياء مكشوف انه لا يبغي الا حماية المتهم . ان من يتابع استنطاق الاخواني المدعو علاء امام كاميرات جريدة الوطن للأسير (على خير) عامل النظافة البسيط الذي ساقه قدره التعس الي سلخانه الاخوان يجد صورة حية لما ذكرت وكأن الاخ علاء كان حريصا على تقمص شخصية ضابط أمن الدولة كما صورتها السينما وندد بها الإخوان مراراً . - تباكي الإخوان على تكميم الأفواه وخنق الحناجر واذ بأحد أصدقاء الرئيس يضع يده على فم المناضلة العظيمة شاهنده مقلد في تصرف شديد الخسة يوحي باحتقار المرأة فضلاً عن إزدراء الكلمة وعلى الفرض جدلاً أن صديق الرئيس لا يعرفها الا يجب على الرجل المتلحي الذي خرج مقاتلا لنصرة الشريعة أن يوقر الكبير كما أمره النبي . - ان احتقار المرأة في هولوكوست الإخوان لم يقف عند حد تكميم فيها بل ان من يحسبون انفسهم دعاة للشريعة كما جاء في رواية المناضلة علا شهبه قد امتدت ايديهم للمساس بعفة جسدها! في نضال من نوع جديد لتطبيق الشرع الحنيف. لقد أضاف الإخوان في تلك السلخانة لوناً جديد لتحقير المرأة هو اشتراكها في التعذيب فحسب ما جاء برواية السفير نبيل نجم فقد قامت (طبيبة) اخوانية بركلهم والتفنن في امتهان آدميتهم بضربهم بحذائها فالمرأة في تعذيب الاخوان ضحية وجلاد وهي اضافة جديدة انفردوا بها. - في كتابها (أيام من حياتي) زعمت زينب الغزالي أن سيد قطب قد كسرت كفه من التعذيب قبيل اعدامه بلحظات وهي الواقعة التي كان ضعف منطقها وصعوبة تسبيبها يجعلها دائما محل شك حتى بين الرواة . لكن تلك الرواية الضعيفة ترجمها المعذبون في الاتحادية الي حقيقة واقعة بكسر أعضاء من يظفرون به من (أسرى) خصومهم السياسيين داخل أروقة العمارات وعلى روؤس الأشهاد . - لقد تفنن الإخوان في ذكر وقائع الكفر والالحاد بالمعتقلات التي سيقوا اليها من ضباط ينكرون وجود الله او يتطاولون على قدرته ببغيض القول أو ينكرون ( دين الاخوان) كما جاء في رواياتهم وكأنهم دون سواهم من يدين بالإسلام . بعد ذلك كله كان أمراً صادماً ان يرفض أحد أطباء الاخوان علاج مريض من ( الأسرى) بأمر المرشد كما جاء نصاً باقوال السفير نبيل نجم الذي روى كيف أخبره طبيب الإخوان ان أمر المرشد بألا يعالجه هو أمر لا راد له معليا بذلك كلمة العبد فوق قسم الطب الذي أقسمه لرب العباد . من جميع ما سبق يبين ان ما رواه الإخوان من الواقع تارة ومن الخيال تارة آخرى عن عذاباتهم قد ترجموه الي أمر واقع مع فارق وحيد ان التعذيب في المرة الثانية كان اغتيالاً معنوياً بالاهانة في الشوارع وأمام كافة البشر وليس في الاقبية المظلمة التي طالما استدروا العطف بها والتي لا يعرف احدا حقيقة ما دار بها . ان اغتيال الضحايا يكمل باستمرار الانكار لما رأته مصر من جريمة يندى لها الجبين بالتعذيب والاذلال العلني في الشوارع يكمل بتقاعس العدالة عن التحقيق واستدعاء كافة من يتهمهم المجني عليهم وعلى راسهم مرشد الاخوان . لقد اسرف الكثيرون في تشبيه عبدالناصر بعد رحيله بهتلر ديكتاتور المانيا وان معتقلاته كانت لا تقل بشاعة عن تعذيب الهولوكست لكن هؤلاء قد نسوا ان ذلك التشبيه قد يكتمل صورته وان بوصفهم (ضحايا) قد ينسحب عليهم تشبيها مقابلا باليهود . Comment *