يمكن تشبيه المرحلة الحالية من الثورة بلقطة تثبيت أحداث الفيلم السينمائي عند مشهد بعينه دون استئناف باقي أحداث الفيلم، وهي اللحظة التي يقف فيها طرفان أمام بعضهما البعض، هذا هو وضع مصر الحالي بعد إصدار السيد الرئيس الإعلان الدستوري المكمل في 22 نوفمبر 2012 لتحصين قراراته من ناحية وتحصين اللجنة التأسيسية من الحل قبل صدور حكم المحكمة الدستورية المتوقع يوم 2 ديسمبر 2012، وقد كان الإعلان صادماً لقوى المعارضة، حيث اعتبرته انقضاضا على السلطة القضائية، وكذلك تحصين اللجنة التأسيسية التي يشهد تكوينها عواراً يجعلها غير ممثلة للشعب المصري ومن ثم يصعب الوثوق في منتجها النهائي. وعلى الجانب الآخر، وقف المؤيدون للرئيس مع قراراته جملة وتفصيلا تحت دعوى تحصين الرئيس من قضاة مبارك، واستئناف اللجنة التأسيسية عملها بغية تحقيق الاستقرار وعجلة الإنتاج. أدى هذا الإعلان إلى عدد من التداعيات كالتالي: 1- ظهور حالة الانقسام داخل الفريق الرئاسي، حيث أصدر الرئيس الإعلان أثناء سفر نائبه المستشار محمود مكي لحضور قمة الدول الثماني النامية في باكستان نيابة عنه، والذي ترددت أخبار عن تقديمه استقالته اعتراضاً على الأسلوب الذي صدر به الإعلان، وعدم استشارته لوزير العدل، كذلك تقديم عدد من مساعدي ومستشاري الرئيس لاستقالاتهم لعدم أخذ رأيهم في الإعلان قبل صدوره، مما ظهر عدد من التساؤلات حول مصدر هذا الإعلان الذي تبين أنه لم يخرج من الفريق الرئاسي للرئيس. 2- تصدر مكتب الإرشاد المشهد السياسي، من خلال إعلان د. محمد بديع تأييده للإعلان، ودعوة الجماعة إلى خروج أعضائها في مظاهرات تأييد للرئيس أسفر عنها اشتباكات مع معارضي الإعلان في محافظات مختلفة مثل دمنهور والمحلة الكبرى والإسكندرية، ومن ثم صدرت بعض الاتهامات بأن الإعلان صادر من مكتب الإرشاد وليس من مؤسسة الرئاسة، مما بدا الرئيس كأداة للتنفيذ وليس صانعا ومتخذا للقرارات. 3- توحد القوى المعارضة، أسفر استئثار الرئيس بإصدار الإعلان دون الرجوع إلى قوى المعارضة التي أتت به إلى سدة الحكم، إلى تشكيل جبهة الإنقاذ الوطني، وهو الأمر الذي عانت منه الثورة طويلا، حيث تطلعت إلى وجود جبهة موحدة قادرة على تنظيم المعارضة، وقد تصدرت المشهد ودعت إلى مليونية "للثورة شعب يحميها"، لتحدث ارتباكا لدى مؤيدي الرئيس الذين تفاجئوا من كم الحشد الموجود في الميدان. 4- قوة موقف القضاء، والذي تمثل في انعقاد الجمعية العمومية لنادي القضاة والجمعية العمومية لمحكمة النقض والجمعية العمومية لمجلس الدولة، معلنين رفضهم التام للإعلان الدستوري، وأعلنوا وقف العمل في عدد كبير من المحاكم كما كانت درجة الاستجابة عالية جدا من محافظات الجمهورية، كما طالبوا النائب العام بتقديم استقالته من المنصب. 5- اختصار المشهد السياسي على القدرة على الحشد، تلك النظرية التي ابتكرها السلفيون وجماعة الإخوان، والتي سقطت بامتياز في مليونية "للثورة شعب يحميها" يوم الثلاثاء 27 نوفمبر وجعلت السياسيين منهم ينادون بتكرار مليونية يوم السبت الموافق 1 ديسمبر في ميدان التحرير رغم اعتصام القوى الوطنية فيه، فضلا عن أن مليونية "الشريعة والشرعية" لم تضاهي مليونية "للثورة شعب يحميها" من حيث الأعداد، وإذا لم نحتكم إلى الأعداد، فضلا عن خروج مظاهرات في 12 محافظة رافضة الإعلان يوم الثلاثاء في حين تجمع وجه بحري في القاهرة ووجه قبلي في أسيوط، إذن فلنحتكم إلى شرعية المطالب، فمليونية الثلاثاء كانت رافضة للإعلان الدستوري والصحيح أن في بعض هتافاتها إن لم يكن الرئيسي هو "الشعب يريد إسقاط النظام" هو المقصود إسقاط سياسات النظام السابق، فإصدار الرئيس للإعلان أعاد إلى الأذهان ديكتاتورية الفرد التي قامت الثورة لإسقاطها، فضلا عن أن هناك البعض ممن طالبوا الرئيس بالرحيل، والإشكالية الحقيقة هي أن إصدار الرئيس للإعلان وضع شرعيته على المحك لأنه خالف الطريقة الديمقراطية التي أتت به إلى سدة الحكم، والتي دفعت هذا القطاع الكبير من المعارضين بما فيهم حزب الكنبة للنزول للشارع للإعراب عن رفضهم لاستمرار نهج مبارك وأسوأ. على الصعيد الآخر، كانت الشعارات بأن الشعب يريد شرع الله والمناداة بإسقاط شخصيات بعينها وبالاسم سواء سياسية أو إعلامية والمطالبة بتطهير القضاء والمحكمة الدستورية والإعلام، مما يعطي انطباعا بأن التوجه المستقبلي للسلطة التنفيذية سيكون تطهير القضاء من قضاة بعينهم من الموالين للنظام السابق والمحكمة الدستورية المعينة من الرئيس، وهذا يعطى انطباع بأن لديهم توجيهات بهذه المطالبات بعينها، خاصة أنه تم تجمع عدد كبير أمام دار القضاء العالي لتأييد قرارات الرئيس مما يعني أن هناك علم مسبق بأن هذه القرارات ستطول منصب النائب العام، وهو ما يؤكد عليه المشهد الحالي من الاعتصام أمام المحكمة الدستورية ومنعها من الانعقاد، حيث ترددت أخبار عن احتمال صدور قانون من الرئيس بحل المحكمة الدستورية. ورغم أن هذه المطالب هي من مطالب الثورة وكان يجب على الرئيس منذ توليه تبني ملف استقلال القضاء إلا أن توقيت المطالبة بها يثير التساؤلات، ثم ملف تطهير الإعلام وخاصة الفضائيات المعارضة لسياسات الرئيس ولجماعة الإخوان، وهو ما يعكس سياسة من ليس معنا فهو ضدنا ومن ثم استخدام المظاهرات لإصدار قوانين أو قرارات بعينها ليس لتصفية مؤيدي النظام السابق فقط ولكن لتكميم الأفواه وغلق الطريق أمام حرية الرأي والتعبير وهذا هو الهدف الأسمى للثورة. 6- الميل إلى التصعيد، والحقيقة أن إعلان الإخوان المسلمين لمليونية في ميدان عابدين يوم الثلاثاء الموافق 27 نوفمبر في نفس يوم مليونية قوى المعارضة، وفي مكان قريب جدا من ميدان التحرير يعكس رغبة في التصعيد، خاصة وأن بعض المحافظات قد شهدت عنفا بين مؤيدي ومعارضي الإعلان مثل الإسكندرية والبحيرة وطنطا، ومن ثم توقع حدوث اشتباكات بين كلا الجانبين، أيضا إصرار الجماعة والسلفيين على تنظيم مليونية يوم السبت 1 ديسمبر في ميدان التحرير رغم اعتصام قوى المعارضة فيه، فضلا عن تصريحات تتسم بلغة التهديد للمعتصمين إذا لم يخلو الميدان، الأمر الذي دفع قيادات جبهة الإنقاذ الوطني إلى إعلان اعتصامها في التحرير. 7- سيطرة الريبة على المشهد السياسي، خاصة في الطريقة التي صدر بها الدستور وانعقاد جلسة التصويت على مواد الدستور على مدار 24 ساعة متواصلة، مما أعطى انطباعا بأن ثمة شيئ خطأ أو جرم سياسي وقانوني ودستوري يحاك لهذا البلد، علما بأن آخر يوم لعمل هذه اللجنة هو 11 ديسمبر ، ولكن كما بدا للبعض أنها كانت محاولة للتحايل على حكم المحكمة الدستورية العليا يوم 2 ديسمبر والذي كان متوقعا أن يحل اللجنة التأسيسية بإعلان الرئيس انتهاء اللجنة من عملها حتى ينتفي معه حكم المحكمة، ولكن لو كان الوضع كذلك – انتفاء حكم المحكمة بحل اللجنة- لما اتجهت المحكمة الدستورية للانعقاد، ولذا كانت محاولة اعتصام مؤيدي الإعلان الدستوري حول المحكمة الدستورية لمنعها من الانعقاد وبالتالي من النطق بالحكم فيما يخص حل اللجنة التأسيسية ومجلس الشورى، وهذا يعد محاولة لتعطيل دولة القانون. فإذا كان هناك ملاحظات على دور المحكمة الدستورية العليا لما حلف أمامها الرئيس اليمين الدستوري وهو ما كان مرفوضا من قبل الثوار لأنها كانت معينة من قبل الرئيس السابق، كما أن القسم كان بناء على الإعلان الدستوري المكمل للمجلس العسكري والذي اعترض عليه الشعب لأنه رأي فيه تقييدا للرئيس محمد مرسي وأنه يهدف إلى تحجيم صلاحياته، ومن ثم فإن ما رفضه الثوار للرئيس مرسي يكرره هو بطريقة أخرى ولكن هذه المرة يضع كل الصلاحيات في يده ويجور على السلطة القضائية. وسوف يتم استكمال باقي التداعيات في المقال التالي. Comment *