أثارت المواد المتعلقة بالتعليم والبحث العلمي في مسودة الدستور النهائية التي طرحها الرئيس محمد مرسي للاستفتاء العام على الشعب فى 15 ديسمبر الجاري، حالة من الانقسام بين الأكاديميين وأعضاء التدريس ما بين مؤيد ومعارض، فمنهم من رأى أن المسودة همشت العلماء والأساتذة ومنهم أيدها. وأكد الدكتور مصطفى مسعد، وزير التعليم العالي، أن المواد الخاصة بالتعليم فى المسودة النهائية للدستور من 58 حتى 61 تضمن استقلالية ومجانية التعليم بشكل عام والجامعات بشكل خاص، مشيرًا إلى أن اللوائح التنفيذية التى تنظم عمل الجامعات، ومنها قانون تنظيم الجامعات هى المنوط بها تفسيرها. ووصف الدكتور وائل كامل، عضو اللجنة التنفيذية لتنفيذ قرارات مؤتمر 31 مارس لأعضاء هيئات التدريس، ما يخص التعليم فى الدستور الجديد بأنه أمر هامشي وليس من أولويات مشروع الدستور ولن يحقق ما كتب في ديباجته الأولى من تقدم وازدهار علمي ولنا أن نقارن ما بين مواد التعليم فى دستور البرازيل، والذي فصل في عشرة مواد كل مادة متفرع منها عشرة نقاط، متسائلاً: "كيف لأمة تريد أن تنهض وتتفوق ويكون لها الريادة فى العالم أن تهمل التعليم والبحث العلمي؟". وقال: إن الدستور الجديد رغم أنه أشار في ديباجته الأولى إلى اهتمامه بالتعليم والتقدم والنهضة في العديد من الفقرات، وأنه ينطلق نحو آفاق من العمل الجاد والمشاركة الفاعلة فى ركب الحضارة الإنسانية "وإتاحة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمواطنات، دونما تمييز أو محاباة أو وساطة، وبخاصة فى مجالات التعليم"، و" تأكيد دور مصر الفكري والثقافي الرائد في العالم كله"، إلَّا أنه فصل هذه الأمور فى ستة مواد فقط لا غير هي "12 و 46 و 58 و 59 و 60 و 61".. منهم ثلاثة مواد فقط ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالتعليم والمواد الباقية عامة، وصيغت تلك المواد بصياغة مطاطية لا تصل لطموحات وآمال أعضاء هيئة تدريس مصر لدستور بعد ثورة أقيمت للقضاء على كل السلبيات التى يعانيها التعليم فى مصر طوال سنوات عديدة وأدت إلى انتشار الجهل والأمية الثقافية ولا يعبر بمصر إلى مرحلة الإبتكار والإبداع والتقدم. وأضاف "كامل" أنه لو قارنا ما بين المواد التى تهتم بالتعليم فى دستور 71 والدستور الجديد لن نجد فروقًا تعمل على هذا الأمر، بل على العكس تمامًا، ففكرة تعريب العلوم والتى تمت الإشارة لها فى مادة 12 هي عودة للوراء ووسيلة للانغلاق وستخلق فجوة ما بين البحوث المصرية وباقي دول العالم وما بين الشهادات المصرية التي ستمنحها الجامعات والاعتراف بها فى الدول الأخرى. وتابع: فى دستور 71 فى المادة 18 أشار إلى أن الدولة تكفل استقلالية الجامعات ومراكز البحث العلمي وبالرغم من ذلك فكانت مطالبات أعضاء هيئة التدريس بتحقيق الاستقلال الكامل للجامعات؛ لأن تلك الجملة كانت مطاطة، وبالتالي كان لابد من إيضاح مفهوم استقلال الجامعات بمواد أكثر صراحة تعالج عيوب الدستور القديم، ولكن للأسف وعلى العكس مما سبق فقد ذكر فى مادة 59 "الجامعات والمجامع العلمية واللغوية ومراكزالبحث العلمى مستقلة" وتم محو كلمة "تكفل" ولم يتم تفسير وتوضيح معنى استقلال الجامعات بما يحقق مطالب أعضاء هيئة التدريس. وأشار أن هناك تخوفًا من استخدام تلك الكلمة واقتصارها على الاستقلال المادى فقط لرفع يد الدولة من ميزانية التعليم دون الاستقلال الشامل ككيان يدير نفسه بنفسه. وقال إن الدستور الجديد لم يتطرق إلى موازنة التعليم كما تطرق لموازنة الهيئات القضائية، فكنا نطمح أن يتم تخصيص مادة لهذا الأمر لأن تقدم الدول يعتمد بالأساس على ميزانية التعليم بها ولنا أن ننظر اإلى إحدى مواد دستور البرازيل التى تنص المادة 212 منه على " يخصص الاتحاد، سنويًّا، ما لا يقل عن 18%، وتخصص الولايات والمنطق الاتحادية والبلديات على الأقل 25%، من الإيرادات الضريبية، بما يشمل تلك الناجمة عن التحويلات، لمواصلة التعليم وتطويره" و"عند توزيع الأموال العامة، تعطى الاولوية لتلبية احتياجات التعليم الإلزامى، كما هى محددة فى الخطة التعليمية الوطنية". وعن مجانية التعليم، أشار عضو اللجنة التنفيذية لتنفيذ قرارات مؤتمر 31 مارس، أنه كان لابد من تفسيرات واضحة لما سيكون عليه هذا الأمر، خصوصًا بعدما تناثرت تصريحات فى الصحف تشير إلى إنشاء شركات قابضة فى الجامعات وإنشاء جامعات أهلية جديدة بمصروفات، فقد نص الدستور الجديد فى المادة 58 منه على أن "التعليم مجانى بمراحله المختلفة " وقد سبق وأن فسر أحد أعضاء المجلس الاستشاري لوزير التعليم العالى أن كلمة المجانية تعنى مجانية الخدمة ولا تعنى أنها التكلفة الاجمالية، وهو ما تؤكده التصريحات العديدة لبعض وزراء التعليم العالى التى أشاروا فيها إلى تقنين المجانية وقصرها على المتفوقين فقط. أما الدكتور فتحى نافع، عضو هيئة تدريس وأستاذ المحاسبة بجامعة الزقازيق، فأعرب عن موافقته بشكل عام علي مشروع الدستور المصري ورآه دستورًا جيدًا جدًا، وبه مواد متميزة، صحيح أن به مواد كان من الممكن أن تكون أفضل لكن للدستور مميزات عدة، أهمها مادة ( 219 ) التي أنهت الجدل حول المقصود بمباديء الشريعة الإسلامية بدلاً من تركه للمحكمة الدستورية، فالشعب مصدر السلطات ولا تحدد له المحكمة الدستورية ما يقصده، ومن المزايا في تلك المادة أيضًا التوافق عليها.. وكما أُعلن تم توقيع ممثلي الكنائس والقوي الليبرالية عليها لننحي مواد الشريعة جانبًا ونتفق ونختلف سياسيا لمصلحة مصر ، وبالدستور عشرات المواد الجيدة والمستحدثة بما يجعله دستور يليق بمصر الثورة. وأضاف "نافع" أن اللجنة التأسيسية كانت تستجيب لمقترحات الشعب بنسبة معقولة، قائلاً: "أنا شخصيا أرسلت بمقترحات للجان الاستماع في مادة الصحة التي كانت سيئة جدًا وتمت الاستجابة للنص الذي أرسلته كاملا بمادة (62)، كما أرسلت بمقترح لمادة الحد الأقصى مادة رقم (14)، حيث كنت أرغب في إلغاء أي استثناء وتحديد نسبة بين الأقصي والأدني لضمان عدم التلاعب في القوانين ولم يستجيبوا لرأيي، في حين تم تغيير مادة ( 59 ) استجابة لطلب الكثيريين وأنا منهم. وأضاف: بخصوص المواد التي ترتبط بالتعليم كانت بها بعض الملاحظات، ففى مادة ( 58 ) مادة جيدة وإن كنا نطمح أن ينص فيها علي عدم جواز خصخصة التعليم؛ لأن المادة تنص علي مجانبة التعليم في مؤسسات الدولة، وبالتالي فخصخصة الجامعات يجعلها خارج ملكية الدولة وخارج المجانية، ونستطيع إن شاء الله بالقانون منع أي خصخصة للتعليم. ولفت أن المادة (59) كفلت حرية البحث العلمي واستقلال الجامعات وتخصيص نسبة كافية لها وللجامعات من الناتج القومي، وهي مادة جيدة، أما المادة (60) فجعلت اللغة العربية مادة اساسية في كل مراحل التعليم والتربية الدينية والتاريخ الوطني مواد أساسية بالتعليم قبل الجامعي، وألزمت الجامعات بتدريس القيم والأخلاق المهنية اللازمة لتخصصاتها، والمقصود هنا دستور المحاسبة والمحاماة وهكذا وهو أمر محمود وموجود بالجامعات وتأكيده أمر جيد.. أما المادة (61) والتي ألزمت الدولة بتجفيف منابع الأمية خلال 10 سنوات فهو نص جيد أيضا. وقال "نافع": ربما يرتبط بالتعليم بطريقة غير مباشرة المادة (12)، والتي انتقدت بسبب موضوع التعريب وأراها صيغت بشكل متميز يراعي الخلاف بين مؤيدي ورافضي تعريب بعض العلوم خاصة الطبية والهندسية، وإن كنت أنا مع التعريب لكن المجتمع منقسم لذلك جاء النص "تعمل علي تعريب" بمعني السعي للتعريب وليس الإلزام. واختتم حديثه قائلا: "بشكل عام لا يوجد به مواد تجعلنا ندعو لرفضه، وكانت موجودة في بعض مسوداته الأولية وعدلت، ومن الصعب ايجاد توافق مجتمعي بنسبة 100% مما أوجد مواد وضعت بالمجاملة لبعض الهيئات القضائية مثلا سعيا للتوافق، لكن في النهاية لا تقلل كثيرا من قيمة دستور الثورة والدستور ليس قرآنا وقابل للتغيير لو أثبت التطبيق ضرورة ذلك". Comment *