ترتكز حزمة السياسات التي يطلب صندوق النقد الدولي من الدول التي تطلب منه المساعدة على عدد من المحاور، تتناول بيع المشروعات العامة وتخلي الدولة عن دورها في توفير الخدمات الأساسية أو الدعم السلعي, كما تشمل هذه المحاور أيضاً السياسات الضريبية وتأثيرها على الاستثمار. ولعل المتابع لتحركات وتصريحات المسئولين في النظام الإخواني خلال الأسبوع الماضي سوف يلحظ دون جهد كبير توجهات ضريبية تمهد الرأي العام المصري لقبول المزيد من الأعباء الضريبية, كما تشي بسياسات ضريبية تنوي الحكومة تضمينها خطاب النوايا المزمع توقيعه مع بعثة الصندوق في القريب العاجل. مثل هذا الخطاب سبق وأن وقعته حكومة الدكتور عاطف صدقي عام 1986 في إطار ما سمي ببرنامج الإصلاح الاقتصادي, وليس خافياً على أحد ما أدى اليه ذلك من تدمير للصناعة المصرية وتخريب للاقتصاد الوطني وتشريد للعمالة وزيادة معدلات الفقر والبطالة وغياب الخدمات الصحية وتدمير النظام التعليمي. تعاود حكومة الإخوان الكرة هذه المرة بما ينذر باستمرار منحني الاقصاد في إتجاهه الهابط. نعود مرة أخري للتعديلات الضريبية المزمع تطبيقها لنرصد الملمح الرئيسي لها والمتمثل في استمرار دولة الجباية رغم أنف الثورة والشهداء والمصابين ونداءات العدالة الاجتماعية. وطبقاً لوصفة الصندوق, فانه يلزم تخفيض الضرائب المباشرة بزعم تشجيع الاستثمار. ولقد ثبت بالدليل القاطع فساد هذا الزعم فالتخفيضات الضريبية في حد ذاتها لا تجذب الاستثمار خاصة في دولة يعمها الفساد ويتسم اقتصادها بحالة من الكساد لانخفاض دخل المواطنين وارتفاع معدلات الفقر. ومن المعروف أن الضريبة المباشرة تستهدف الدخل الذي يحققه الأفراد أو الشركات بنسبة تتصاعد حسب حجم الدخل فيما يسمى بالضريبة التصاعدية. وفي إطار خطاب النوايا الأول تم تخفيض هذه الضريبة الى 20% أياً كان مستوى الدخل. هذا التعديل التشريعى أدى الى محاباة رجال الأعمال الكبار, كما أفقد الضريبة العامة على الدخل دورها الأساسي كأداة لتحقيق العدالة الضريبية. وذراً للرماد في العيون, يتردد الآن حديثا عن ضريبة تصاعدية تصل الى 25% لأعلى شرائح الدخل وكأنك يابو زيد ما غزيت وكأن ثورة يناير كانت عاصفة في فنجان. أين التصاعدية إذا علمنا أن أعتى الدول الرأسمالية وهي أمريكا تصل فيها الى 39% علاوة على 8% ضريبة فيدرالية . معظم الدول الأوربية تتجاوز بها الضريبة على الدخل 45% . من ذلك يبدو جليا الاصرار على استمرار السياسات التي كان يطبقها الظام "السابق" بالعمل لصالح رجال الأعمال في توافق تام مع وصفة الصندوق الهادفة في النهاية الى ابقاء الاقتصاد المصري في وضع التبعية للغرب الاستعماري. ولتعويض العجز الذي يلحق بالخزانة العامة جراء هذه السياسة تلجأ الحكومة الي التوسع في الضرائب غير المباشرة وهي ضريبة عمياء لا تحقق العدالة ولاتفرق بين أصحاب الدخول العليا وبين الكادحين والفقراء من المثقفين والموظفين والفلاحين والعمال والمهنيين الذين يتحملون العبء الأكبر في موارد هذه الضريبة وبالتالي الموارد الضريبية عامة. تتخذ الضريبة غير المباشرة أشكالاً مختلفة فتفرض على السلعة أو الخدمة التي يشتريها المستهلك بغض النظر عن قدرته المالية. أشهر أشكال هذه الضريبة يتمثل في ضريبة المبيعات التي فرضت لأول مرة في مصر بعد خطاب النوايا الأول بمعدل 10% من سعر السلعة أو الخدمة والتي تستهدف حكومة الإخوان الآن زيادتها الى 11%. وسنرى صور أخرى من الضريبة غير المباشرة مثل فرض قرش علي كل دقيقة من مكالمات المحمول وزيادة الضريبة على الأدخنة والسجائر والضريبة العقارية وغير ذلك من أشكال ضريبية لا تصيب الشرائح العليا من دخول النخبة الاقتصادية الحاكمة انما يتحمل عبأها الغالبية العظمي من شعب مصر الذي يعيش معظمه تحت خط الفقر. إذن مصر هي مصر مبارك تبعية وضياع اقتصادي وصندوق لا تنفع معه الدعوات فهو لا يقرض الا حكومة الجباية. Comment *