يعد تحرير سعر الصرف وتعويم العملة المحلية بصورة كاملة، مطلباً دائماً في "الروشتة" الأيديولوجية الجامدة لصندوق النقد الدولي. وفي الظروف المصرية الراهنة، يعد التعويم الكامل للجنيه المصري، دعوة لفتح الباب لأزمة مالية واضطراب عنيف في سوق الصرف، يمكن أن يستنزف ما تبقى من احتياطي مصر من العملات الحرة (15.5 مليار دولار) ويدفعها نحو الإفلاس بشكل سريع لتلجأ إلى البنك والصندوق والدول الدائنة طلباً للإنقاذ والقروض بشروط البنك والصندوق اللذان يعملان كوكيلين لتلك الدول الدائنة ولشركاتها الكبرى. فالتعويم الكامل للجنيه في ظل وجود طلب هائل وغير مشروع قانونياً على الدولار والعملات الحرة من أجل تحويل أموال الفاسدين من الجنيه المصري إلى العملات الحرة من أجل تهريبها للخارج، وأيضاً من أجل تمويل شراء المخدرات والسلاح في ظل ضعف قبضة الدولة... هذا الطلب القادم الاقتصاد الأسود غير القانوني، يوجد إلى جانبه طلب كبير على العملات الحرة من أجل تمويل الواردات المشروعة قانوناً في بلد بلغ العجز التجاري فيه 31.7 مليار دولار في العام المالي 2011/2012، وبلغ عجز ميزان الحساب الجاري نحو 7.9 مليار دولار في العام نفسه. وباختصار فإن التعويم الكامل للجنيه في هذه الظروف سيعني انهياره واستنزاف الاحتياطي المصري من العملات الحرة الذي لا يكفي أصلاً إلا لتغطية ثلاثة أشهر من الواردات السلعية البالغة 58.7 مليار دولار في العام المالي 2011/2012. والانخفاض الكبير المتوقع في سعر صرف الجنيه عند تعويمه الكامل، سيؤدي إلى ارتفاع أسعار كل السلع المستوردة عند تقويمها بالجنيه المصري، مما سيرفع فاتورة دعم السلع المستوردة مثل القمح والزيوت والسكر مما يؤدي لتفاقم عجز الموازنة العامة للدولة. كما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار كل السلع المستوردة عموما لتنتقل العدوى منها إلى السلع المحلية المناظرة، فتحدث موجة تضخمية كبيرة تؤدي للإضرار بكل من يعملون بأجر من عمال ومهنيين وفلاحين من أصحاب الدخول شبه الثابتة الذين تتآكل القدرة الشرائية لمرتباتهم، وهم على الأرجح لن يصمتوا على مثل هذا الانتهاك مما سيشعل توتراً اجتماعياً وربما انفجاراً شعبياً كبيراً. وفي نفس الوقت فإن أصحاب الملكيات التي ترتفع أسعارها في وقت التضخم يستفيدون بصورة كبيرة. وهذا يعني إعادة توزيع الدخل لصالح الملاك وبالذات الأثرياء، على حساب من يعملون بأجر من عمال وموظفين ومهنيين ممن ينتمون إلى شريحة الفقراء أو الطبقة الوسطى. ويُقال في تبرير تخفيض سعر صرف الجنيه أنه سيساعد على جعل أسعار السلع المصرية رخيصة عند تقويمها بالعملات الأجنبية، مما يساعد على زيادة الصادرات. وهذه الكلمات النظرية هي باطل صريح، لأن هذا الكلام يكون له معنى إذا كان لدينا إنتاج وفير ومطابق للمواصفات العالمية ونريد تسهيل تصديره. أما إذا كنا دولة عجز تجاري كبير حيث وارداتنا (58.7 مليار دولار) أكثر من ضعف صادراتنا (27 مليار دولار)، ولا يوجد لدينا فائض إنتاج قابل للتصدير، فإن تخفيض سعر صرف الجنيه سيعني تخفيض حصيلة الصادرات مقومة بالعملات الحرة (باستثناء النفط والغاز لأن سعرهما يتحدد بالدولار وليس بالجنيه). نقلاً عن صفحته على "الفيس بوك". Comment *