إبراهيم عيسى: مشكلتي مع العقل المصري الهش أنه عابر للطبقات.. التعليم السبب    "العفو الدولية": "حملة قمع" تطال عمالا ومحتجين رفعوا أصواتهم من لهيب الأسعار    لجان البرلمان تناقش موازنة وزارتي الزراعة والتعليم العالي وهيئات الطرق اليوم    وزير الزراعة: إنتاج مشروع مستقبل مصر يعادل 35% من مساحة مصر المزروعة    سعر البصل والطماطم والخضروات في الأسواق اليوم الثلاثاء 14 مايو 2024    عيار 21 يفاجئ الجميع.. انخفاض كبير في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 14 مايو بالصاغة    وزير الإسكان العماني يلتقى هشام طلعت مصطفى    أحمد موسى: مشروع مستقبل مصر سيحقق الاكتفاء الذاتي من السكر    عاجل - ارتفاع عدد الشهداء في مجزرة النصيرات وسط قطاع غزة.. ماذا يحدث الآن؟    سلوى محمد علي: إسرائيل عدونا الأول والأخير    «الأونروا»: أكثر من 150 ألف إمرأة حامل فى غزة يواجهن ظروفا ومخاطر صحية رهيبة    الزمالك يدرس توجيه دعوة إلى مجلس الأهلي لحضور نهائي الكونفدرالية    عاجل.. حسام حسن يفجر مفاجأة ل "الشناوي" ويورط صلاح أمام الجماهير    «شخص معندوش ضمير ونيته مش كويسة».. إبراهيم حسن: تصريحات حسام حول لاعبي الدوري اتحرفت    "للمرة الثانية".. دوناروما يحصد جائزة أفضل حارس بالدوري الفرنسي    "كنت أود أن أحطم معنويات أرسنال"... جوارديولا يوضح سبب خسارة ليفربول الدوري الإنجليزي    ميدو: هذا الشخص يستطيع حل أزمة الشحات والشيبي    "فلكيًا وبشكل رسمي".. موعد وقفة عرفات وإجازة عيد الأضحى المبارك في مصر 2024    أوهمهم بفك السحر، حبس دجال لاتهامه بالنصب على المواطنين بالإسكندرية    عاجل - "احذروا واحترسوا".. بيان مهم وتفاصيل جديدة بشأن حالة الطقس اليوم في محافظات مصر    تفحم 4 سيارات فى حريق جراج محرم بك وسط الإسكندرية    حبس والدة طالب تعدت على آخر وكسرت أسنانه بالمنوفية 4 أيام    فريدة سيف النصر: «فيه شيوخ بتحرم الفن وفي نفس الوقت بينتجوا أفلام ومسلسلات»    فريدة سيف النصر تكشف قصة بدلة الرقص وسر طلاقها (فيديو)    «الصورة أبلغ من ألف كلمة».. لوحات فنية وثقت القضية الفلسطينية    «اتحاد الصناعات» يزف بشرى سارة عن نواقص الأدوية    احذر.. هذا النوع من الشاي يسبب تآكل الأسنان    رئيس شعبة الأدوية: هناك طلبات بتحريك أسعار 1000 نوع دواء    رئيس شعبة الأدوية: «احنا بنخسر.. والإنتاج قل لهذا السبب»    "يأس".. واشنطن تعلق على تغيير وزير الدفاع الروسي    الحرس الوطني التونسي يحبط 11 عملية اجتياز للحدود البحرية    ضابط استخبارات أمريكي يعلن استقالته احتجاجا على دعم بلاده لإسرائيل    نتنياهو: ما يقرب من نصف القتلى في حرب غزة هم مقاتلي حماس    رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية: نقوم باختبار البرامج الدراسية التي يحتاجها سوق العمل    فرنسا: الادعاء يطالب بتوقيع عقوبات بالسجن في حادث سكة حديد مميت عام 2015    ارتفاع درجات الحرارة.. الأرصاد تحذر من طقس الثلاثاء    وصل ل50 جنيهًا.. نقيب الفلاحين يكشف أسباب ارتفاع أسعار التفاح البلدي    فيديو.. وزير الزراعة: أسعار الدواجن والبيض معقولة    أطفال مستشفى المقاطعة المركزى يستغيثون برئيس الوزراء باستثناء المستشفى من انقطاع الكهرباء    لطفي لبيب يتحدث عن موقف أحمد عز معه في مسرحية "علاء الدين"    فريدة سيف النصر تنفي عدم التزامها.. وتؤكد تواجدها لآخر يوم تصوير بمسلسل العتاولة    منال سلامة في "الجيم" ونجلاء بدر ب"الجونة".. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| حمو بيكا يهاجم الصحفيين وأسباب فشل الصلح بين شيرين و"روتانا"    القضية الفلسطينية.. حضور لافت وثقته السينما العربية    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    الحماية القانونية والجنائية للأشخاص "ذوي الهمم"    مصطفى بكري: اتحاد القبائل العربية منذ نشأته يتعرض لحملة من الأكاذيب    موعد مباريات اليوم الثلاثاء 14 مايو 2024| إنفوجراف    برشلونة يهزم سوسيداد ويُعزز موقعه في وصافة الدوري الإسباني    عاجل: مناظرة نارية مرتقبة بين عبدالله رشدي وإسلام البحيري.. موعدها على قناة MBC مصر (فيديو)    إبراهيم عيسى: الدولة بأكملها تتفق على حياة سعيدة للمواطن    دبلوماسي سابق: إسرائيل وضعت بايدن في مأزق.. وترامب انتهازي بلا مبادئ    إصابة شخصين في حادث تصادم بالمنيا    مستشار وزير الزراعة: إضافة 2 مليون فدان في 10 سنوات إعجاز على مستوى الدول    فطائر المقلاة الاقتصادية.. أصنعيها بمكونات سهلة وبسيطة بالمنزل    ما الفرق بين الحج والعمرة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يدعو آل البيت لمن يزورهم؟.. الإفتاء تُجيب    المفتي للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السمات والتيمات الحكائية في "القطط أيضا ترسم الصور"
نشر في البديل يوم 01 - 10 - 2012

اللجوء إلى عوالم الحيوانات من قبل الكتاب والأدباء عملية قديمة، قدم الفن ذاته، وارتكزت هذه العملية على مفهوم المحاكاة/ التقليد، وألبس الأدباء حياة الحيوانات اكسسوارات الحياة البشرية بطباعها، وأخلاقها، ومنطقها أيضا. وتتعدد أسماء المؤلفات في هذا المضمار، بدءا من حكايات إيسوب، ثم كليلة ودمنة، حتى نصل إلى مزرعة الحيوانات لجورج أوريل.
وللقط نصيب وافر من الكتابة الأدبية، فقد أصدرت الكاتبة السورية شهلا العجيلي "عين الهر"، وأشار حسن عبد الموجود إلى "عين القط"، فيما صاغ طارق إمام "شريعة القط"، إلى أن خرج علينا القاص والصحفي أحمد شوقي علي منوها بأن "القطط أيضا ترسم الصور" في أولى إصداراته.
تجدر بنا الإشارة إلى أن علاقة الإنسان بالقط تليدة، وعلاقة المصري القديم وطيدة بهذا الحيوان؛ حيث تخذ المصري من الط إلها "الإلهة باستت" إلهة منطقة "برباستت" التي تعرف حاليا بتل باسطة، وتحولت عاصمة لملك البلاد البلاد في فترة الأسرة الثانية والعشرين، وأظن أن صوت النداء المستهجن في العامية المصرية "باستت" يعود أصله إلى اسم هذه الإلهة، كأن المعنى المقصود "استحلفك بالإلهة باستت أن تنظر إليّ". أما الإله بس فكان على شكل قزم مقوس الاقين، بوجه عريض، وفم متسع، ولسان ارز، ولحية تشبه لبدة الأسد، وأذنين وذيل حيواني. وفي الموروث العربي، خرج القط من عطسة أسد على متن سفينة نوح، بينما خرج الفأر من عطسة خنذير، حدّ رواية الجاحظ. وله من السمات العديدة منها، ألفته للمكان، صوته المتغير بين حالات الخطر وحالات الممارسة الجنسية، وتعدد أرواحه "سبع أرواح؛ فضلا عن استخدامه كعلاج _طبقا للرؤية الشعبية_ في حالات الحمى، والضعف الجنسي، البرص، والكحة.
إشكالية النوع
معرفة المصادر الأدبية مهمة، وإن انتمت للمثيويولوجيا، فمعرفة روافد الصورة الأدبية هي معرفة بطبيعة مادة الصورة ذاتها، يستقي أحمد شوقي بناء صوره القصصية من الروافد السابقة وغيرها، ليس ذلك لانتاج نص هزلي ساخر، طله القط فتحي، وإنما في سياق المحاولة لكتابة نص أدبي جاد ورفيع، وقادر على طرح التساؤلات والرؤى النقدية. وأول هذه التساؤلات يرتبط بالجنس الأدبي، أو على الأقلالشكل السردي المنتمي إليه النص.
مازالت الدراسات النقدية لدينا معتنية بالتصنيف والتجنيس، وهي مهمة_بالطبع_ جليلة، ورغم شيوع ما يعرف بالكتابة العابرة للنوعية، والمتجاوزة لإطار التصنيف، إلا أن الكتابة دون هوية _على إطلاقها_ قد تصبح بوابة خلفية لأنصاف المبدعين والموهبين. ويقدم شوقي كتابه بأكثر من لافتة تعريف، فعلى الغلاف صدر كلمةFiction التي تعني النثر القصصي وتشمل: القصة، الحكاية "الشعبية وغير الشعبية"، المقامات، الرواية "القصيرة والطويلة"، القصة الأسطورية، الخرافة........ الخ.
وأخبرني الصديق طه عبد المنعم أن Fiction تطلق حاليا _في الأدبيات الغربية_ على كل ما هو أدبي، سواء كان شعرا أو سردا. وتجاوزا للغلاف يصنف شوقي كتابه "بكتاب قصصي" في أولى الصفحات، وفي الصفحة التي تليها يكتب "قصص".
طوال صفحات الكتاب، ثمة روابط لغوية وفنية بين النصوص، فشخوص المجموعة من القطط؛ بخاصة القط فتحي "الشخصية الرئيسية"، مما دعى البعض إلى اعتبار الكتاب متتالية قصصية، أو رواية مجزأة، إلا أننا نراه نصوصا قصصية اتخذت من الخرافة حلية وإطارا. الأمر الذي نحى بالنصوص نحو الحكي، والاعتماد على تيمات الحكي الشعبي، مع اتصاف اللغة بالجزالة، والفصاحة، والسلامة اللغوية والصرفية.
لذة الحكي
تتنوع مستويات الحكي في حده بين الشفاهية والكتابية، فالأول موسوم بتكرار بنيات بعينها، متعارضة، سهلة متداولة، تساعد الاكرة على التقاطها وحفظها، فهي الإشارة التي تختزل دلالة متبادلة بين المتكلم والسامع، لذا يميل التفكير المطول والأساس الشفاهي، حتى عندما لا يكون في شكل أدبي، أوايقاعي، إلى أن يكون ايقاعيا بشكل ملحوظ؛ لأن الايقاع _كما يرى والتر.ج. أونج_ حتى من الناحية الفسيولوجية يساعد على التذكر. ويؤكد المؤلف على فكرة الحكي، إذ يشير في توطئة الكتاب "أحكي دون تدبير مسبق لما سأحكيه، فقط أحكي، للحكاية نشوة لا يعرفها إلا الحكاء". هذه النشوة قريبة من مفهوم اللذة التي أشار إليها بارت "لذة النص هي تلك اللحظة التي يتبع فيها جسدي أفكاره الخاصة، ذلك لأن أفكار جسدي ليست أفكاري".
يتراء لنا أن ثمة اتفاق بين المؤلف والسارد "القط فتحي" على الوقوع تحت هيمنة الحكي، والتلذذ بممارسة سطوته عبر أدوات لغوية تارة، وتقنية تارة أخرى.
ولم تأت هذه الأدوات منفصلة عن السياق العام لقصص المجموعة، لكنها مثلت فيما بينها "وحدة دلالية" ولم تكن هذه الأدوات إلا الوسيلة التي تحققت بها نصوصية المجموعة. وتجلت هذه الوحدة في محور مركزي، وهو بحث الروح عن مستقر لها، خارج سجن البدن، وتعددت محاولات "روح القط"، قد يكون لأنه بسبع أرواح، في استخدام الوسائط في رحلة البحث عن الملاذ والاستقرار.
"يا غريب أدركني، إن الأرواح كلها بلا أجساد، وإن واحدة منهن تتجه نحوي، إنها روحي يا غريب، قد جاء الموت ليقبضا، أنا الميت يا غريب.. أنا الميت". ويقول "ستسبح روحي في فضائها الكبير/ الدقيق، لعلي إذا مت ولم يصبني الشك واستحال الجسد ترابا، تكون روحي قد ملأتها الحقيقة إمانا".
هذا البحث المتواصل، لا يتناسب شكلا والصيغة الأسمية التي اعتمدتها عنواين المجموعة شكلا لها؛ فالصيغ الأسمية تفيد دلالات الاطلاق والتجريد خلاف الصيغ الفعلية "الزمكانية" التجريبية، والملائمة لفكرة البحث، لكن ذلك التناقض يمكن أن يقرأ بقراءة أخرى، وهي اطلاقية رحلة البحث وعدم انتهائها.
السمات الحكائية
الالتفات واللغة التراثية سمتان أساسيتان من سمات الحك، فالأول هو الاعتراض والاستدراك والعدول، أو كما يرى ابن المعتز: انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة، وما يشبه ذلك. ومن الالتفات الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر. "في منزل الجدة مأتم، مات أحد البشر، كان ذك منذ ثلاثة أيام، ولأن منزلي جزء من منزل الجدة؛ فقد اتسع ليستضيف عزاء السيدات، أخبركم أنا عن عزاء السيدات" هنا تبدأ عملية الانتقال إلى وصف عزاء السيدات، أو كقوله "تصدر من تلك الحلقات همهمات وهنهنات غير منتظمة ممتزجة بأصوات نحيب وثرثرة كطنين البصاصين. البصاصين.. آه من البصاصين، في الجو هم تلك المخلوقات التي تتجسس في أعداد كثيرة".
أما اللغة التراثية، لغة السلف "الموتى الأحياء فينا، بتعبير عابد الجابري"، هي إحدى الدلائل التي يلتمسها السارد لاكساب سرده صدقا موضوعيا وفنيا. وتمثلت اللغة/ الدليل في استشهادات أدبية وقرآنية، ونحت اللغة نحو محاكاة الكتب المقدسة، وإن نفت بعض الجمل الإخبارية الواردة في متون النصوص "هذه الليلة، القمر لم يعرف منازله، ولم يعد كالعرجون القديم، الشمس لم تجر لمستقرها...... الخ".
يعد التكرار بنية أساسية من بنيات الحكي، ففي قصة ثلاث حكايات للموت يكرر السارد ثلاث مقابلات متتالية، جميعها يؤدي إلى الموت، فالقط يقابل التعب مرة، ومرة يقابل الحزن، والمرة الأخيرة يقابل الغيظ. ويؤدي التكرار بنفس التيمات إلى عدم كسر أفق التوقع، ومن ثم فد جاء التكار زائدا غير مبرر، ويؤكد ذلك لجوء المؤلف إلى العنواين الجانبية في هذا النص؛ حيث عنون حكايته الأولى "بالميتة الأولى" فيما أكتفى في الحكايتين الأخريتين بعنواني "الثانية، الثالثة" وكأن الحكاية الأولى تكفي، أو الموت الأول كاف.
استمرارا في تناول الحكي، والسير وراء خيطه اللانهائي، يقوم السارد بقلب المشهد المعيش، المتعارف عليه، وقلب النص الشعبي، "زي القطط تناكل وتنكر" إلى نص مغاير "زي البشر تاكل وتنكر"، ويعتمد الشكل الفانتازي الملائم لعملية القلب تكنيكا سرديا في قصة إخوان الصفا كانوا يعرفون القطط. واستلزم ذلك الانقلاب قطع التسلسل الزمني للأحداث والعودة من اللحظة الآنية "لحظة وجود القطط مع الأستاذ صبحي" إلى حدث تم في الماضي، وبالتأكيد تمسح الحدث السابق بأريج الأسطورة. وتبين الانتقال في ارتدادين "مشهدي وزمني"، وصاحبهما تغير في مستوى اللغة، وانتقال النص من الحركة الأفقية إلى حركة رأسية أعمق زمنيا.
لم تأت التيمات الحكائية كلها في مستوى واحد خلال السياق الدرامي، فحلت الأرقام السحرية ضيفا خفيفا، بخاصة الأرقام "ثلاثة وسبعة"؛ فضلا عن تيمة التحول من البشري إلى الحيواني، أو العكس، "القط الذي أحب قطة وفشل في اقناعها بأن تحبه، قرر أن يكون إنسانا حتى تحبه القطة، فحوله القدر إنسانا".
ختاما، يشير الصديق التشكيلي مصطفى نوبي إلى أن الفنان في بدايته مغرم بالتجريب، وأظن أن شوقي كان مغرما بالتجريب، كان مصرا أن يقول أن يقول "إنني أجيد استخدام مستويات متباينة من اللغة، أعرف استخدام التقنيات السردية، مطلع على الكتب التراثية، واستحضر نصوصها، يفسر ذلك كثرة الاستشهادات".
ويقدم أحمد شوقي نصوصه بلغة مستعارة، والتحدي الآن، هو الخروج من عباءة الاستعارة إلى فضاء الخلق، وشوقي قادر على ذلك؛ فرؤيته تعتمد على الحركة والتشعب والامتداد، وهو ككاتب قادر على التآلف بين المتناقضات.
Comment *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.