بداية لست في حاجة إلي القول أنني من الجيل الذي عارض اتفاقية كامب ديفيد بقوة فكنا دائما مطاردين في أرزاقنا وأعمالنا وعرفتنا السجون المصرية بتلفيق تهم باطلة مثل الانتماء الي تنظيمات سرية والعمل علي قلب نظام الحكم . لكن بعد الاعتداء الارهابي الجبان علي قواتنا المسلحة في رفح تردد الحديث عن ضرورة إعادة التفكير في شروط معاهدة كامب ديفيد التي لا تجعل لنا جنودا ولا معدات كافية علي الحدود لحمايتها . هذا الحديث لا غبار عليه . وموضوع إعادة الاتفاق أو الشروط لا يختلف عليه أحد . لكن من الأحاديث المتكررة حول هذا الموضوع بدا وكأن ذلك هو سبب نجاح الهجوم القذر علي قواتنا المسلحة . وهنا يجب أن نعود إلي الحقائق الأهم . وهي أنه قد مضت الآن أكثر ثلاثين سنة علي معاهدة كامب ديفيد التي لاتمنع أبدا تعمير سيناء . بل علي العكس كان يجب استثمار المعاهدة وحالة السلام بين مصر واسرائيل لتعمير سيناء لتصبح عامرة بالسكان والمشروعات الصناعية والزراعية التي وهي تجذب الملايين من أهل الوادي ستكون طريقا لاندماج أهل سيناء وخروجهم من عزلتهم التي حكمت بها عليهم الأنظمة المتوالية ليظلوا في حالة القبلية والبعد عن الحياة المعاصرة التي لا اعتقد أبدا أنهم يكرهونها أو يرفضونها . لقد تحولت شواطئ سيناء غلي منتجعات سياحية ولا بأس وغير ذلك فلا . مصنع أسمنت هنا او هناك . بل كان وجود الرئيس المخلوع في شرم الشيخ سببا أن تظل سيناء علي ماهي عليه بحجة الأمن , رغم أن الأمن الحقيقي يأتي مع العمران وليس مع الخراب . وبعيدا عن هذه السياسة المنحطة في إهمال سيناء وقصرالاستثمار عيل الشواطئ التي بعيدا عن شرم الشيخ تظل خرابا معظم العام رغم مبانيها السياحية . بعيدا عن ذلك أنظر الي حالة الجندي المصري علي الحدود وأمامه الجندي الإسرائيلي . إذهب إلي رفح وانظر لتري أي حالة من البؤس عليها الجندي المصري بدءا بملابسه قياسا إلي الجندي الإسرائيلي الذي يبدو مدججا بالسلاح وزيه الجديد والأجهزة التي يحملها والأبراج التي يقف عليها والأضواء التي لا تنقطع من هذه الأبراج ليلا تمسح مساحات كبيرة من الحدود . هل هذه حالة نليق بجنودنا ونحن نسمع كل يوم عن جيش يمتلك المشروعات الصناعية والزراعية والتجارية فضلا عن ميزانيته الأساسية من موازنة الدولة . وكل هذ المشاريع كما نعلم ونسمع من أجل الإكتفاء الذاتي للجنود . فكيف يكون هذا حال الجندي علي الحدود . كيف يري أمامه الجندي الاسرائيلي في حالة مختلفة ولا ينعي حاله ويتمني ان تنتهي مدة تجنيده ليعود إلي أهله . وبعيدا عن ذلك أيضا . هل كان الهجوم الأخير هذا مفاجئا . طبعا لا . أعلنت اسرائيل قبله إجلاء رعاياها من سيناء توقعا لأعمال إرهابية . ورد عليهم محافظ شمال سيناء أنه لا صحة لهذا الكلام . وأذاع التليفزيون المصري برنامجا نبه فيه المذيع أسامة كمال إلي ضرورة الإنتباه للأعمال الإرهابية التي يمكن أن تحدث . وقبل ذلك هاجم الإرهابيون العام الماضي قسم شرطة في العريش وقتلوا من قتلوا وجرحوا من جرحوا , وقبل ذلك أيضا وحتي الآن تتفجر أنابيب الغاز بفعل منظمات إرهابية . لكن طبعا محافظ شمال سيناء في النهاية يتصرف بطريقة الموظفين . طريقة الحزب الوطني التافهة القديمة . كيف أقول أن هناك تهديدا في محافظتي وماذا افعل أنا إذن ؟ وهل سيتركني رؤسائي في مكاني بل هل سيسمحون لي أصلا أن اقول ذلك ؟ وللأسف فات المخابرات المصرية أن تعرف أو تتوقع ولا أعرف كيف فهمت تحذيرات إسرائيل . ليس المخابرات فقط ولكن كل القيادات العسكرية الكبيرة المسؤولة . واذا صح أنها ابلغت الرئيس فتكون مصيبة . وهكذا نجح الهجوم الذي كان يمكن توقعه في ساعة الإفطار التي فيها ينشغل الجنود بالطعام وتخلو الطرق . كان يمكن الاستنفار لعدة أيام قليلة . إسبوع أو عشرة أيام حتي يظهر الهجوم , وفي هذه الحالة كانت نسبة فشله أكبر ,. كان يمكن تقسيم الجنود ساعة الإفطار بين الأكل والحراسة في كل سيناء , وكذلك استمرار الحراسة علي كل الابنية الهامة في سيناء لعدة أيام بنفس الناس وتنظيمهم . لكن المسؤول في أي مكان خاف أن يقال أنه خائف وأن الأمن عنده في خطر فمات من أبنائنا من مات والله يكون في عون عائلاتهم . أكبر ما يفجع أنهم ماتوا وكانت فرصة حياتهم سهلة جدا لو تم اعتبار ما أعلنته اسرائيل لرعاياها إنذارا حتي ولو نصف جاد . لكن ربما تقعّر المسؤول واعتبر أن إعلان اسرائيل لذلك جزء من الحرب النفسية ولا يعرف حضرته أنه من الصعب علي حكومة اسرائيل أن تضحك علي شعبها بالضبط كما هو من الصعب عليها أن تفقد واحدا من شعبها . واحد فقط أيها السادة . لا يمكن تشخيص ماجري في سيناء إلا بأنه تقصير عسكري لا يجب أن يمر دون حساب . وليس مهما اننا سنهتم بسيناء بعد الآن لأنه من الطبيعي أن نهتم . وليس مهما أن نعرف الجناة لأنه من الطبيعي أن نعرف ! لكن المهم أن نعرف من المقصرين وكيف ستتم محاسبتهم . فهل سيحاسبهم الرئيس . لقد سمعت تعليقا موجزا وحقيقيا من أحد الأشخاص من السويس علي قناة الجزيرة يقول لعل في ذلك موعظة أن يبتعد الجيش عن السيايسة ويعود الي عمله الحقيقي . وأرجو ان يكون قد سمعه قياداتنا العسكرية . ليس مهما الآن ان يقتسم الجيش السلطة ولكن المهم أن يكون جيشا لحماية الوطن من الأعداء . وإلا اذا ظل الصراع علي السلطة بين المجلس العسكري والرئاسة أكثر من ذلك سيحدث ماهو أفظع ولا نتمناه ولا نريده لا لابناء جيشنا ولا لوطننا . ويظل السؤال من سيحاسب المقصرين الآن ,أما كامب ديفيد فهي لا تمنع أحدا أن يعمل بإخلاص .! [email protected] * وكانت صحيفة الأخبار قد منعت نشر جميع مقالات الكاتب والذي كان ينشر مقالا أسبوعيا بالجريدة منذ أكثر من عام .. وذلك بعد تولي محمد حسن البنا رئاسة تحرير الجريدة بقرار من مجلس الشورى .. وجاء ذلك بعد منع مقالتين لكل من عبلة الرويني رئيس تحرير أخبار الأدب السابقة ويوسف القعيد بسبب انتقادهما لجماعة الإخوان Comment *