أعلنت وزارة الداخلية التونسية منذ قليل حظر التجوال في 8 محافظات تونسية بما فيها العاصمة، وذلك بعد أن اندلعت في ساعة متأخرة من ليل الاثنين أعمال عنف في أحياء بتونس العاصمة احتجاجا على عرض لوحات فنية اعتبرها سلفيون " مسيئة للإسلام " في معرض للفن التشكيلي نُظم الأحد الماضي بمدينة المرسى شمال العاصمة.. وأعلنت وزارتا الداخلية والدفاع في تونس فرض حظر التجول في 8 محافظات من الساعة التاسعة مساء إلى الخامسة فجرا، بعد أعمال العنف والاشتباكات بين سلفيين وقوات الأمن التي شهدتها العاصمة ليل الاثنين والثلاثاء. وشهدت تونس اليوم حملة اعتقالات في صفوف " عناصر من السلفية الجهادية " وآخرين من أصحاب السوابق إثر أعمال عنف وتخريب ليل الاثنين - الثلاثاء في عدد من أحياء العاصمة أصيب خلالها أكثر من 100 شخص . وكانت مجموعة من الأشخاص المحسوبة على التيار السلفي قد أقدمت صباح يوم الثلاثاء على قطع طريق بنزرت في حي الانطلاقة والدخول في مناوشات مع رجال الأمن والمواطنين، على خلفية الأحداث التي جدت أمس بقصر العبدلية بالمرسى، حسب ما ذكره شهود عيان لمراسلة وكالة تونس أفريقيا للأنباء "وات". فيما أفادت مصادر بإقليم الحرس الوطني بالجهة، أن نحو200 شخص ينتمون إلى التيار السلفي أقدموا ليلة الاثنين على إضرام النار بمركز الحرس الوطني 2 مارس بالتضامن بعد اقتحامه بالقوة حيث قام أعوان الحرس بالمركز والمقدر عددهم بنحو 10 أشخاص بانسحاب وصف "بالتكتيكي" بعد مواجهات استعمل فيها الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين دون جدوى نظرا لوجود مركز الحرس وسط تجمع سكني هام. وحدثت أيضا مواجهات عنيفة بين قوات الأمن الوطني ومتظاهرين، يعدون بالمئات، في منطقة العطار سيدي حسين، حاولوا اقتحام مركز الشرطة بالمنطقة ورشقوا أفراد الأمن بالحجارة وعمدوا إلى إغلاق طريق تونس - باجة. واستعملت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع ولجأت إلى إطلاق الرصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين لصد محاولاتهم المتكررة لاقتحام مركز الأمن مما خلف إصابة عدد منهم بحالات اختناق. وقال وزير الداخلية التونسي، علي العريض، يوم الثلاثاء إنه يتوقع استمرار أعمال الشغب من جانب مجموعات من السلفيين وآخرين خلال الأيام القادمة، وقال إن بعض العنف ربما كان نتيجة لتصريحات لزعيم القاعدة. وكان وزير الداخلية التونسي قد أعلن في نهاية مايو أن قوات الأمن يمكنها استخدام الرصاص الحي في حال مهاجمة "مؤسسات سيادية" مثل ثكنات الشرطة. وأشار إلى أن قانون الطوارئ لا يزال ساريا في البلاد، منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011، ويمكن للدولة بموجبه اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لبسط الأمن في البلاد. وأضاف العريض أمام البرلمان أن تونس دخلت مرحلة ربما تشهد فيها حوادث مشابهة، وإنها تتوقع استمرارها في الأيام القادمة وزيادة عدد المعتقلين. وأضاف أن الاحتجاجات جاءت ردا على المعرض الفني الذي اعتبره البعض مهينا للإسلام، لكنها ربما جاءت أيضا نتيجة لتصريحات أيمن الظواهري في الآونة الأخيرة. كان الظواهري قد حث التونسيين في رسالة صوتية يوم الأحد على الانقلاب على الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية المعتدلة والتي ينتمي إليها العريض. واتهم الظواهري الحركة بخيانة الدين من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية أنه تم منذ الليلة السالفة "إيقاف 97 نفرا في انتظار إحالتهم على العدالة" وذلك على إثر لجوء بعض "المجموعات الإجرامية" على حد تعبيرها، مساء أمس الاثنين في عدد من أحياء العاصمة، إلى "اعتماد العنف والتخريب والحرق لبعض المكتسبات العمومية ومحاولات اقتحام مقرات أمنية"، بالإضافة إلى "الاعتداء على رجال الأمن والمواطنين". وأعلن مسئول بوزارة العدل التونسية أن أعمال العنف والتخريب التي شهدتها العاصمة ليل الاثنين والثلاثاء تعتبر "جرائم إرهابية"، وأن من تم اعتقالهم في هذا الإطار سيحاكمون بموجب قانون مكافحة الإرهاب. وقال محمد فاضل السايحي المكلف بمهام في ديوان وزير العدل التونسي لوكالة فرانس برس "الجرائم التي وقعت إرهابية بامتياز وسيكون القانون المنطبق على مقترفيها من جنس الفعل، وسنطبق عليهم أحكام قانون مكافحة الإرهاب" الصادر سنة 2003 في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وأكدت وزارة الداخلية في بلاغ لها اليوم الثلاثاء موصلتها "التصدي لهذه المجموعات وإيقاف المتورطين في العنف والتخريب ومن بينهم منتسبون إلى التيار السلفي وآخرون من ذوي السوابق العدلية"، حسب قولها، مهيبة بالمواطنين والمواطنات الانتباه إلى ما أسمته "الدعوات المشبوهة وأساليب التضليل المعتمدة في بعض مواقع الشبكات الاجتماعية"، وفق نص البلاغ. كما دعت الداخلية التونسيين إلى "رعاية أبنائهم لئلا يتم استغلالهم من قبل هذه المجموعات التي تتصدى لها قوات الأمن الداخلي بدعم من الجيش الوطني". وأشارت الوزارة إلى أن اعتداءات البارحة شملت بالخصوص "اقتحام مقر المحكمة الابتدائية بحي السيجومي وإضرام النار بأربعة مكاتب بها" إلى جانب محاولات لمهاجمة مراكز أمنية بكل من "العطار" و"بيرصة" و"قلعة الأندلس" تم التصدي لها، حسب البلاغ، من قبل أعوان الأمن، مثلما تم التصدي لمحاولة اقتحام قصر العبدلية بالمرسى. وأضافت وزارة الداخلية أن "مركز الأمن الوطني المرسى الشاطئ تعرض أيضا إلى الرشق بالحجارة، فضلا عن إضرام النار بمكتب فرقة الطريق العمومي بقرطاج. كما تعرض مركز الحرس الوطني بحي التضامن إلى عملية اقتحام وإضرام النار به". وجاء كذلك في البلاغ أن "مجموعة من السلفيين تعمدت اقتحام مقر حزب سياسي بحي الانطلاقة وإخراج محتوياته وإتلافها بالطريق العام". بينما ندد اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين الثلاثاء في بلاغ له ب"العنف الممنهج الذي يستهدف حرية الإبداع والذي طال هذه المرة ربيع الفنون بالعبدلية بمدينة المرسى". كما استنكر الاتحاد ما وصفه بخطر "وصاية الفكر الظلامي"على الفنون. ودعا الاتحاد المجلس الوطني التأسيسي إلى "ضرورة التنصيص في الدستور على مبدأ حرية الفنان كشرط أساسي للإبداع وعلى دسترة الحقوق الثقافية". فيما دعت كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي التونسي اليوم إلى وضع فصل في الدستور المقبل يجرم الاعتداء على المقدسات الدينية، وطالبت الحركة في بيان أصدرته أمس بوضع حد بين حرية الإبداع والتعبير وبين المساس بمعتقدات الآخرين بما يحفظ السلم الأهلي. في حين دعا حزب سلفي إلى إقالة وزير الثقافة على خلفية عرض لوحات و رسوم فنية اعتبرها "اعتداءات على المقدسات وثوابت وهوية الشعب التونسي المسلم تحت اسم حرية الإبداع" في البلاد. هذا ودعت الجبهة السلفية إلى تنظيم وقفة احتجاجية يوم الجمعة المقبل "نصرة لله و لرسوله" كما دعت إلى تكوين ما أسمتها "جبهة إسلامية للتصدي لحركة الردة التي تهدف إلى إحداث فوضى اجتماعية و فراغ سياسي يمهد لنسف الثورة"، حسب بيانها. حيث دعا أبو أيوب الذي يعتبر من أبرز قياديي "السلفية الجهادية" في تونس في شريط فيديو على موقع فيسبوك، التونسيين إلى أن "ينتفضوا" بعد صلاة يوم الجمعة المقبل رداً على "المرتدين واستهزائهم بديننا الحنيف"، معتبراً أن هذا الأمر "يزيد يوماً بعد يوم". في المقابل، لقي معرض "ربيع الفنون" مساندة من ساسة ورؤساء جمعيات ومنظمات محسوبة على التيار العلماني، منهم: القياديان بالحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي وعصام الشابي، والناشطة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة الذين زاروا مقرّ المعرض لمساندة فنانيه. ويبرر القائمون على المعرض أن ما يقدمونه يدخل في باب حرية التعبير وحرية الإبداع، ويتهمون المحتجين في المقابل بأنهم يسعون إلى وضع حدود لهذه الحرية. Comment *