كان واضحا ان توقيت العملية الإجرامية التي حدثت بالإسكندرية وأداتها مختارين بعناية ..فاليوم هو نهاية العام والوقت هو وقت صلوات الأقباط المسيحيين حيث الكنائس مكتظة بالمصلين والأداة هي التفجيرات الأكثر فتكا بالأرواح وإتلافا الممتلكات وإثارة للذعر وإذا كانت العمليات الإرهابية في مصر قد تضاءلت حدتها وخف أثرها بعد الضربات الأمنية المتلاحقة في السنوات الأخيرة فان عملية تفجيرات الإسكندرية إنما كانت مخططة وتسعي إلي تحقيق أهداف أهمها : • أولا: ان تعيد إلي الأذهان مدي قدرة وسطوة تلك المنظمات الإرهابية ..فالضجة الإعلامية الهائلة التي ترتبت علي التفجيرات هي ضجة تبدو فيها مصر في صورة العاجزة عن حماية أبنائها.. • ثانيا :.كما تعني التفجيرات ضربة قاصمة إلي أجهزة الأمن المصرية رغم كل دعاوي تلك الأجهزة بحماية الأقباط المسيحيين الذين تلقوا عدة ضربات في أماكن مختلفة علي أيدي متعصبين .. • وثالثا: تنفيذ رسالة قد تم توجيهها إلي السلطات المصرية.. • رابعا : إبلاغ القاصي والداني بقدرة جماعات التعصب ومنظماته السرية الإرهابية التي تتخذ من الإسلام شعارا لعملها الإجرامي واستعراض لقدرتها علي الاختراق والقيام بعملياتها .. • خامسا: مواجهة الدولة المدنية بنقيضها من الدولة الدينية الفاشية...حيث ان فظاعة التفجيرات وما نتج عنة من ضحايا هو إعلان قوة وسطوة وسيطرة واستمرار للجماعات الإرهابية المتعصبة التي تسعي إلي الإطاحة بالمجتمع المدني واستبدال الدولة المدنية بدولة دينية فاشية تقوم علي التعصب والقمع... ويكتمل هذا التحليل عندما نضعه في سياقه ونقارنه بما يحدث في دول عربية كالعراق واليمن والجزائر والسودان وغيرها من دول غير عربية .حيث ان لهذه المجموعات الإرهابية امتدادا في الدول العربية وخارجها علي السواء..وهي مجموعات تمتلك المال والسلاح والقدرة التنظيمية وتجد الدعم المالي من بعض الدول والدعم المعنوي والفكري من الشخصيات المتعصبة التي تلعب بالنار ولا تدرك ان انتصار تلك المنظمات الإرهابية هو دمار للجميع وقضاء علي الأحلام في مستقبل مشرق . هذه المنظمات الإرهابية تتحرك من دولة إلي أخري في نوع من الإستراتيجية الموحدة والتكتيك المتشابه والعمليات الإرهابية المتماثلة حيث تعتمد تلك المنظمات علي: - • سذاجة الجماهير الأمية وبساطة وعيها في إشاعة مناخ التعصب والفرز الديني معتمدة علي العناصر الجامدة من التراث وعلي الفكر السلفي الوهابي للإيهام بصحة منطلق . • فشل أجهزة التثقيف والتنوير في الدولة وفي قيامها بدورها فالأجهزة الإعلامية متخلفة حيث تنتشر قنوات فضائية سمحت بها الدولة تعلي من قيم التصديق والتسليم والإذعان والطاعة دون تفكير مسترشدة بالتفسيرات الغيبية واللاعقلانية للدين ...بل أنها تستخدم مخلفات الفكر السلفي في أكثر جوانبه تخلفا ومقولات متشددة لبعض الفقهاء الحنابلة في اشد عصور الدولة الإسلامية إظلاما ...هذه القنوات الإعلامية تعمل علي تفضيل تقاليد الإتباع علي مغامرات الإبداع وتبث في أذهان البسطاء ليلا نهارا ما يحول بينهم وبين الوعي النقدي بأنفسهم أو بواقعهم . • الأخطاء الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للحكومة حيث يلتقطها ويستخدمها شخصيات التعصب والتطرف لكي تطرح بدائل لا تختلف في تسلطها عن تسلط اعتي الحكومات الديكتاتورية أو الفاشية .كما ان تلك المنظمات تستفيد من الفراغ الذي يعانيه الشباب من مشاكل البطالة وحدة الفقر التي تفقد الشاب البائس أملة في المستقبل وما ينتج عن ذلك من أزمات نفسية ومادية وما يتعرض له من قمع دائم..حيث ان المقموع يعيد إنتاج القمع الذي تعرض له فتلعب تلك المنظمات في عقول من لم ينل منهم قدرا كافيا من التثقيف العقلاني لينقلب إلي قنابل موقوتة للعنف وأدوات لا عقل لها ولا إرادة ولا تفكير في خدمة التعصب والإرهاب حيث تم برمجتها علي السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر دون نقاش والإذعان المطلق لشيوخ العنف و التطرف ولمن يطلق عليهم أمراء الجماعة • أنظمة التعليم المتخلفة التي تقوم علي التلقين الجامد فتزيد من التعصب بما تدعمه من تقاليد النقل وبما تبثه من عداء لروح الاجتهاد والابتكار والإبداع ان النظام الفكري الذي احتوي عقول الإرهابيين كما يحتوي عقول أصحاب التعصب و الفرز الديني قد تسرب في ثقافتنا ويهددها بالدمار والخراب خصوصا حين نراه يخترق مؤسسات الدولة المدنية وينقلب بها رأسا علي عقب حيث يستبدل العقل بالنقل ...ويستبدل التسامح بالتعصب ..ويستبدل الحوار بالفرض ...يستبدل حق الاختلاف بمنطق الإجماع ..ويستبدل التعددية بالبعد الواحد...والشك بالتصديق...ويستبدل السؤال بالتسليم هذا النظام الفكري العنصري الطائفي يرفض الحوار ويميل إلي التلقين...يلغي المبادرة الخلاقة ويعادي أفق الإبداع ويعمل علي الاغتيال المادي والمعنوي للأخر وللمخالف معتمدا علي خطاب أصولي سلفي لا يدرك سوي وجه واحد للحقيقة متوهما أنة يملكها دون غيرة. هذا الخطاب الفكري بمناخه الثقافي هو بعينة الخطاب الذي ينتجه أعداء الدولة المدنية ..دولة المواطنة والديمقراطية والمجتمع المدني وذلك سعيا منهم لاستبدال الدولة بمؤسساتها المدنية إلي دولة أخري فاشية ذات مسحة دينية تستمدها من اللحية والزبيبة الزائفة للشيخ المتعصب صاحب الفتاوى التي تحض علي الإرهاب وكراهية الأخر والسؤال الآن الذي يمكن ان يطرحه البعض هو : ولكن مصر دولة مدنية وينص دستورها علي المساواة بين جميع المواطنين فما علاقة تلك الأحداث بالدولة المدنية والمواطنة ؟ وكيف يمكن تهيئة الإرادة الجماعية للشعب المصري من اجل الوعي بالمشكلة والعمل علي حلها ؟؟ رؤية للحل في المقال القادم مواضيع ذات صلة 1. مصريون ضد التمييز تدعو لمظاهرة في وسط القاهرة للاحتجاج على تفجيرات الإسكندرية 2. واشنطن بوست : شكوك حول دور للقاعدة في تفجيرات كنيسة الإسكندرية وتحذيرات من موجة إرهاب جديدة 3. تجدد المواجهات بين الأمن والمتظاهرين في الإسكندرية بعد إعلان وفاة الضحية 26 في تفجيرات كنيسة القديسين 4. “تايم”: تفجيرات الإسكندرية حملت بصمات القاعدة لكنها صناعة محلية 5. 19 حزبا ومنظمة حقوقية يدعون لوقفة بالشموع يوم 7 يناير احتجاجا على تفجيرات الإسكندرية الإرهابية