كتب- إسلام أبو العز: يطرح الكثيرون منذ بدء الثورة السورية تساؤلاً حول موقف الأكراد في سورية مما يحدث، حيث توقع الكثيرون أن ينتفضوا بقوة، لكن التساؤل عاد مرة أخرى في ظل تقرير استخباراتي تركي نشر في وسائل الإعلام في منتصف الشهر الجاري، أفاد بأن هناك تعاون بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني ضد تركيا، يتمثل في سماح النظام السوري لعناصر الحزب بالعمل داخل الأراضي السورية لاستهداف تركيا، وذلك رداً على الموقف التركي المضاد لسياسات نظام بشار الأسد القمعية تجاه الشعب السوري، وأن حزب العمال الكردستاني ينسق مع الأجهزة السورية لوقف الانتفاضة الجماهيرية ضد نظام الأسد. أعقب ذلك تهديدات من العمال الكردستاني على لسان مراد كريلان أن أي تدخل لتركيا في كردستان الغربي”شمال شرق سورية” فأن كافة المناطق الكردية ستتحول لساحة حرب. الموقف الكردي غالباً ما يتم اختزاله و تعميمه بين ثنائية مع أو ضد .....وذلك في الشد والجذب بين سورية وتركيا، فسورية بالفعل استغلت ورقة حزب العمال الكردستاني إبان الأزمة التركية السورية في التسعينات، كورقة ضغط على جانب التركي لتحسين شروطه في مفاوضات انتهت باتفاقية وقعت في 1999بين تركيا وسورية تضمنت تسليم أعضاء الحزب في سورية إلى تركيا، وأخرها كان في مايو2011، عندما سلم الجانب السوري ثلاثة من أعضاء الحزب للجانب التركي. أما الجانب التركي فيحاول تصوير الأمر بأنه تعاون بين نظام بشار الأسد وحزب العمال الكردستاني لقمع الشعب السوري، وهو بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية تبرر تركيا أي مسعى من جانبها للتدخل العسكري المباشر شمال سورية، لاعتبارات جيوستراتيجة وأمنية منها محاولة إنهاء وجود قوات الدفاع الشعبي الكردستانيHPG في شمال سورية، ومن ناحية أخرى بوصم حزب العمال الكردستاني بأنه تابع وأداه في يد نظام قمعي وديكتاتوري، مما يسقط عنه صفة النضال لإنهاء التمييز الفاشي ضد الأكراد في تركيا والعراق وسورية وإيران. ويبدو أن الجانب التركي يتغافل عن عمد، عن حقيقة أن حزب العمال الكردستاني يتبنى فكرة دولة موحدة للأكراد تشمل أجزاء من دول العراق وإيران وتركيا وسورية مما يضرب مصالح النظام السوري بشكل مباشر، بخلاف أن كل من تركيا وسورية يعتبران حزب العمال الكردستاني حزبا ًإرهابياً، وان تنسيق بين تركيا وسورية في هذا الشأن بدأ بملاحقة زعيم الحزب التاريخي عبد الله أوجلان في سوريا مما جعله يهرب خارجها، ثم التنسيق الأمني من جانب أجهزة مخابرات عالمية مثل الموساد والمخابرات الأمريكية والتركية والسورية نتج عنه إلقاء القبض عليه، حيث يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في سجن بجزيرة أميرالي في تركيا. وكذلك لا يصح هذا التحالف السوري الكردي لأسباب كثيرة ضمنها القمع التاريخي الذي تعرض له الأكراد في سورية، من أول تجريم التعامل باللغة الكردية ، وتهجير الأكراد من المناطق الحدودية وإحلال السكان العرب مكانهم، وإسقاط الجنسية السورية عن الكثير من الأكراد، وحظر العمل السياسي للأكراد، وأحداث القمع الدموية التي كان أهمها أحداث القامشلي ،والتي أطلقت فيها السلطات السورية النار على مشجعين لكرة القدم، وما أعقبه من انتفاضه كردية في هذه المنطقة قمعت من جانب النظام بقسوة، بخلاف أن السجون السورية تمتلئ بالكثير من المعارضين الأكراد، وعلى رأسهم أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والذي يرتبط بصلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني. أما عن ما أسماه البعض بالصمت الكردي حيال ما يحدث في سورية، فمن الممكن إرجاعه إلى أن نظام بشار الأسد حاول تحييد الكتلة الكردية منذ البداية، والتي يبلغ متوسط تعدادها 2 مليون، وذلك عن طريق إصلاحات سبقت حتى الإصلاحات الدستورية الجديدة، فإعادة تجنيس الأكراد السوريين وأبنائهم، والاعتراف بالحقوق الثقافية الكردية ، وإتاحة حق التملك والبيع العقاري وإكمال الأكراد تعليمهم في الجامعات السورية ،وهو ما كان ممنوعاً عليهم،قد ساهم بشكل ما في تحييد الجانب الكردي، وأن لم ينفي ذلك التحركات الكردية التي تمثلت في مظاهرات في ذكرى أحداث القامشلي وعيد النيروز ضد نظام بشار الأسد ، والتي رفع فيها علم كردستان الموحدة، والتي شارك فيها حزب الاتحاد الديمقراطي ضمن حركات وأحزاب كردية أخرى مثل ائتلاف شباب آفاهي الذي يرفض الكيانات السياسية الكردية التقليدية والتي يراها الائتلاف أنها تبعد عن طموحات الشعب الكردي في إقامة وطن لهم وأنهم جزء من استمرار المعاناة الكردية في الأربع بلدان”تركيا وسوريا والعراق وإيران”. كذلك لكون الكتلة الكردية ككل ترفض أي عمل عسكري تركي في أنحاء “الوطن الكردستاني” بما فيه الشمال الشرقي لسوريا الذي يدخل ضمن إطار هذا “الوطن”، وليس دفاعاً عن نظام الأسد كما يحاول الجانب التركي الإدعاء، فالأكراد يرفضون المشاركة في أي فاعلية تقام في تركيا، سواء بخصوص الأزمة السورية أو غيرها باعتبار تركيا دولة فاشية تضطهد الأكراد على أساس قومي مثلها مثل النظام السوري والإيراني، أما في الجانب العراقي فالتنازع الكردي-الكردي، بين فيدرالية كردستان الناشئة، والتي تصدر نفسها على أنها الممثل السياسي الوحيد للشعب الكردي، وبين الأحزاب الأخرى كحزب العمال، والذي يرى أن فيدرالية كردستان العراق تخضع للولايات المتحدة، ولها علاقات مع إسرائيل، ويسيطر عليها الطابع العشائري والقبلي، وهو ما يخالف ايدولوجية الحزب، المتبني للماركسية اللينينية كمنهج لتحقيق هدف الوطن الكردستاني. لكن فيما يبدو أن الأطراف الإقليمية والدولية اعتادت تجاهل القضية الكردية والتعامل معها كقضية هامشية في أوقات معينة، مثل الانتخابات المحلية في تركيا، والتي غازل فيها العدالة والتنمية بقيادة أردوجان الأكراد للحصول على أصواتهم في2009، وهو ما أخفق فيه وذهبت معظم الأصوات الكردية لحزب المجتمع الديمقراطي ذي الصلة بحزب العمال الكردستاني. أو محاولة أطراف الأزمة في سوريا تحييد الأكراد من جانب النظام، أو إقحامها من جانب المعارضة السورية، والتي يوجد فيها هيئات كردية مثل المجلس الوطني الكردي، ولكن ليس لهم على أرض الواقع زخماً شعبي كالذي يمتلكه حزب العمال الكردستاني. وفي ظل المتغيرات التي شملت المنطقة، من المرشح أن تتصدر القضية الكردية المشهد كقضية رئيسية ولفترة طويلة، وليس كقضية هامشية تغوص وتطفو حسب ما يجري في المنطقة ويتم فيها استخدام الورقة الكردية من جانب أطراف إقليمية ودولية كعامل ضغط سلبي أو إيجابي، فنضج العامل الذاتي والموضوعي بالنسبة للقضية الكردية قد اكتملا وخاصة بعد تبلور رؤية سياسية واضحة تدعمها قوة سياسية -عسكرية يمثلها حزب العمال الكردستاني، مما يعني أن تذييل الأكراد لأي من هذه الأطراف قد انتهى، وأن الأكراد يستطيعون فرض رؤيتهم لحل قضيتهم بأنفسهم.