لم يعد الجهل والفقر فقط سبب انتشار ظاهرة الزواج المبكر، خاصة في الصعيد، بل تلعب التجاوزات والخروقات القانونية التي يرتكبها العديد من المأذونين الشرعيين، دورًا كبيرًا في استمرار الظاهرة. خلال سنوات طويلة كانت تعقد جلسات واتفاقيات بين أهل الشاب والفتاة لإتمام الزواج عرفيا، وعقب بلوغها، وأحيانا الشاب، السن القانوني يتم توثيق العقود دون النظر للمشكلات التي تظهر وتتفاقم طوال تلك الفترة غير الموثقة والتي قد تصل للطلاق أحيانا، ومن ثم إثبات المولود باسم الجد (والد الأم) لغياب الأب قانونا، الأمر الذي دفع مؤخرا العديد من المأذونين لمحاولة التغلب على تلك الأزمة بأزمة أخرى تخالف القانون أيضا، وهي كتابة عقود الزواج والاحتفاظ بها دون إثباتها وتوثيقها بالدفاتر الحكومية وإضافتها فيما بعد عقب بلوغ الزوجة، أو الزوجين، السن القانوني. أحدث الوقائع التي ظهرت ببعض المحافظات خاصة في الفترات الأخيرة أكدت على تزايد الظاهرة، وما يصاحبها من تلاعبات مستحدثة لتضمن استمرار أعمال "مافيا زواج القاصرات" وبدأ بعض الأهالي أنفسهم استقدام دفاتر زواج مزورة، والاستعانة بأختام شعار الجمهورية غير معروف مصدرها، ويرجح سرقتها لتوثيق وثائقهم. وقد انكشفت تلك المخالفات على سبيل المثال في المحاضر الأمنية المحررة ضد عدد من المأذونين الشرعيين بمحافظة المنيا، خلال الأسابيع الماضية في 3 قرى تابعة لمراكز أبوقرقاص وسمالوط والمنيا، وكذلك أحد الأحياء بمدينة المنيا، على خلفية بلاغات مقدمة لمباحث الأحوال المدنية، بتزوير وثائق وعقود زواج لفتيات قاصرات من المنيا تمت خارج المحافظة، واكتشفتها لجان فحص ومراجعة أوراق قيد المواليد الثبوتية بمكاتب الصحة، حيث تم اكتشاف وثائق زواج مزورة بعضها تحمل توقيع مأذون ناحية، وممهورة بخاتم شعار الجمهورية لمحكمة ديرب نجم للأحوال الشخصية بمحافظة الشرقية، وأخرى تحمل توقيعا لمأذون ناحية خارج نطاق المحافظة، وممهورة بخاتم شعار الجمهورية لمحكمة فاقوس للأحوال الشخصية بالشرقية، وجميعها وثقت زواج قاصرات دون السن القانوني للزواج، وبالمخالفة لقانون الأحوال المدنية وقانون حماية الطفل. وفور إصدار النيابة العامة طلب إحضار الزوجين ووكيل الزوجة والشهود، تبين أن تحرير العقود تمت بمعرفة مأذوني الناحية بالمنيا وليس خارجها، والاستعانة بدفاتر وثائق زواج مزورة تحمل توقيعات مأذونين وهميين من خارج المحافظة، ونفى مأذونو المنيا الاتهامات بتزوير وثائق زواج القاصرات، وقرروا أنهم فقط قاموا بالإشهار وليس بالعقد أو التوثيق وقدموا إقرارات موقعة من الزوجين ووكلائهم والشهود بمسؤوليتهم عن سلامة وثائق الزواج. إسلام عامر نقيب المأذونين، كشف عن حجم الكارثة، وقال إن مشكلة زواج القاصرات تكمن في الزواج العرفي، الذي يُعد مدخلا لزواج القاصرات ويوافق عليه الكثيرون من المأذونين، بالإضافة إلى وجود ما يقرب من 4 آلاف شخص ينتحلون صفة مأذون، يعقدون الزواج العرفي، مشيرًا إلى أنه طالب بتجريم "الزواج العُرفي" لمن هن دون السن القانونية للزواج، خاصة أن هناك نسبة تبلغ 2% من الفتيات التي تتراوح أعمارهن بين 12 و16 عاما، يتزوجن زواج قاصرات، و98% الباقية تحدث بين الفتيات التي تتراوح أعمارهن بين 16 و18 عاما. وقال محمد الحمبولي، رئيس مركز الحريات والحصانات لحقوق الإنسان ومنسق شبكة الدفاع عن أطفال مصر، إن هناك مشكلات كبيرة تساعد في انتشار مسلسل الزواج المبكر، ويساهم فيها بشكل مباشر موظفو الدولة سواء من المأذونين الشرعيين أو بعض الأطباء عند تسنين الحالات القاصرة والتي لم يسبق لها استخراج أوراق حكومية، مضيفا أن الأزمة الحقيقية تظهر عند ظهور جيل جديد من أبناء هذه الأسر التي تسير على نهج الوالدين وتحت حماية المتلاعبين من الموظفين. وطالب الحمبولي، بتغليظ العقوبات على الموظفين الذين تثبت مشاركتهم في تلك الجرائم، والتي تصل للفصل عن العمل، مع تطبيق عقوبات أخرى على أولياء الأمور لقمع انتشار الظاهرة. وأكدت الدكتورة هبة هجرس، عضو لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب، أن أزمة زواج القاصرات تحتاج للمعالجة الجادة، لمواجهة أزمة زواج الأطفال مبكرا، فهناك عدد من الأطفال مكتوبون باسماء أجدادهم وهذه قضية تخلق أزمة أخرى وهي الميراث حيث إن الأبناء يفاجئون بتوريث أبناء أشقائهم لهم بعد وفاة جدهم، وأوضحت هجرس أن القضية تستلزم ضرورة توعية الفتيات بقضية زواج القاصرات وكيفية مواجهة أى محاولة لتزويجهم بالإكراه. فيما قالت الدكتورة إيمان إسكندر، أمين مساعد المرأة فى الأمانة المركزية لحزب المصريين الأحرار، إن أكثر المشاكل التى تقابلنا هى الزواج المبكر، فهناك نحو 120 ألف حالة زواج أقل من 18 سنة، و16 مليون ولادة ما بين 16 و19 عامًا، وجميع القوانين فى العالم تقر أن الطفل حتى 18 سنة يكون موصى عليه من قبل أحد، فكيف يكون مسؤولا عن أسرة، مشددة على أهمية العمل للحد من الظاهرة وذلك بالتكاتف وإطلاق الندوات في النجوع والقرى وتوصيل المعلومة بالطرق المناسبة للبسطاء.