حالة من الجدل أثيرت بين الخبراء والمتخصصين حول إعلان وزارة التربية والتعليم عن بدء الدراسة بمدرسة الضبعة الفنية لتكنولوجيا الطاقة النووية السلمية، بعد الانتهاء من عملية اختيار واختبار الطلاب، فبعضهم يرى أن المدرسة مجرد "سبوبة " وشو إعلامي ومجاملة من أهل الثقة للرئيس، ويرى آخرون أنها خطوة إيجابية على طريق ربط التعليم الفني بسوق العمل. الوزارة أكدت أن المدرسة ستستقبل 75 طالبًا؛ بواقع 45 من مختلف المحافظات، و30 من مطروح، لكي يلتحقوا بمدرسة تكنولوجيا الصيانة بمدينة نصر الواقعة بجوار النادي الأهلي، كمقر مؤقت للمدرسة خلال الفصل الدراسي الأول، للتمكن من تدريب الطلاب في هيئة المحطات النووية وهيئة الطاقة الذرية في القاهرة وأنشاص، وسوف ينتقل الطلاب للمقر الدائم في الضبعة عقب انتهاء الفصل الدراسي الأول. وقال الدكتور علي عبد النبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية الأسبق: "إعلان الوزارة بمثابة وهم يتم الترويج له لصالح مشروع الضبعة النووي، حيث يتكرر سيناريو تسليم المدرسة مثلما حدث مع المشروع لأهل الثقة وليس أهل الخبرة والمتخصصين ومن أفنوا حياتهم في مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء". أضاف عبد النبي ل"البديل": "الأخطاء ذاتها، ترتكب مرة ثانية في حق أبنائنا الطلاب بمدرسة الضبعة، مثلما تم ارتكابها في حق الوطن بأكمله، عندما سيطر على أهم مشروع في تاريخ مصر الحديث والقديم (الضبعة)، مجموعة من أصحاب المصالح، ليس لديهم أي معرفة أو خبرة لإدارة المشروع واستمرارهم سيجلب المصائب للبلد؛ نظرا لغياب الالتزام بالمعايير الدولية والفنية الدقيقة. وتابع نائب رئيس هيئة المحطات النووية الأسبق، أن مدرسة الضبعة مجرد "سبوبة " وشو إعلامي ومجاملة من أهل الثقة للرئيس لكسب منصب جديد، وتكرر ما حدث في عهد عبد الناصر عندما قرر إنشاء مفاعل انشاص، حيث رغب المسؤولون بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية إضافة قسم جديد لتدريس الطاقة النووية، وتم تعيين بعض من خريجي الدفعة في هيئة الطاقة الذرية نظرا لاحتياجها لعدد معين، أما أغلبية الدفعة واجهت أزمة سوق العمل في الشركات والمصانع؛ نظرا لاسم القسم وتخصصه، حتى أدركت الجامعة خطأ وويلات ما يعاني منه الخريجون بسبب اسم القسم، فتم تغييره لهندسة نووية وتطبيقات إشعاعية، ليتمكن الطلاب من العمل في وزارة الصناعة والصحة وأي مجال به تطبيقات إشعاعية، وسوف تواجه نفس الأزمة طلاب مدارس الضبعة النووية الجديدة. واستطرد: "أكبر وهم يتم الترويج له، أن المدرسة تعلم المناهج النووية، على غير الحقيقة، بل تخصصات تندرج تحت الميكانيكا، وأجهزة التحكم والاتصالات، وهندسة الكهرباء للمحولات، مثلما يدرس في كلية الهندسة ودبلوم ثانوي صناعي"، متسائلا: لماذا لا تسمى المدرسة "ثانوي صناعي تكنولوجي متطورة"، طالما لا تدرس إلا نفس المناهج الموجودة بالمدارس الثانوي الصناعي؟ وأكد عبد النبي أنه لا يوجد ما يسمى هندسة نووية، فهذا تخصص غير موجود، لكن يحصل عليه الخريج سواء مهندس ميكانيكا أو كهرباء أو اتصالات عبر ورش عمل وتدريبات إضافية، تحت بند السلامة المهنية، خاصة أن "مهندس النووية" أقل التخصصات عددا داخل المحطات النووية لتوليد الكهرباء، وينحصر دوره في مهام تخزين الوقود الجديد وشحنه ثم وضعه في المفاعل ثم إدارة الوقود النووي داخل المفاعل، ثم حفظ وتخزين الوقود المحترق، فهي مهام يقوم بها أي مهندس، لكن بتدريب إضافي. ويرى عبد النبي أن فكرة إنشاء مدرسة الضبعة تعكس عدم وعي المسؤولين في وزارة التربية والتعليم بفكرة التعليم الفني، مضيفا أن الوزارة ستتسبب في أزمة بطالة مقنعة لآلاف من خريجين المدرسة، دون وعى؛ حيث لا يمكن أن تستقبل محطة الضبعة كل الطلاب سنويا، بل سترحب فقط بعدد محدود، ليلقى الباقي مصيره دون عمل، مستطردا: "إذا كانت المدرسة تحت اسم ثانوي صناعي متطورة، تفتح المجال واسعا لهم، ولن تدرس أي مناهج تتعلق بالنووية، لكن التخصصات الأساسية لأي محطة نووية من الكهرباء والميكانيكا". على الجانب الآخر، يرى طارق نور الدين، الخبير التربوي ومساعد وزير التربية والتعليم الأسبق، أن افتتاح المدرسة يعد خطوة إيجابية على طريق ربط التعليم الفني بسوق العمل، خاصة أنها تمثل المدارس الأولى من نوعها في مصر، بأن يكون هناك دراسة حكومية متخصصة بالطاقة النووية لطلاب المرحلة الثانوية، مؤكدا أن مدرسة الضبعة تفتح مجالات لجيل جديد من الفنيين المدربين في تخصص الطاقة النووية. وأضاف نور الدين ل"البديل": "يجب استكمال المشروع بشكل واعي وبناء على خطة استراتيجية لمستقبل طلاب المدرسة الجديدة، يصحبها مرحلة لاحقة؛ تتمثل في إنشاء كليات متخصصة بالطاقة النووية، يُكمل الطلاب دراستهم في نفس المجال، حتى نحقق أكبر استفادة من تعليمهم"، مشددا على أهمية تنسيق وزارة التربية والتعليم مع وزارتي التعليم العالي والإنتاج الحربي لإنشاء الكليات المتخصصة للطاقة النووية. وعن أعداد الطلاب المقبولين، يرى نور الدين، أن 75، عدد جيد، حتى يتمكن الطلاب من المعرفة والتواصل والفهم بشكل واضح، وأن تستوعبهم المعامل المتخصصة والتدريبات العملية بالميكانيكا والكهرباء وغيرها من التخصصات، مطالبا بالاستعانة بمدرسين مدربين، وكوادر من هيئة الطاقة الذرية أصحاب الخبرة في الميدان، ويكون الجانب النظري من قبل معلمين تختارهم الوزارة بعناية بعد تدريبهم بشكل كاف، مع ضرورة تنظيم زيارات ميدانية للطلاب إلى محطات الطاقة الذرية ليكتسبوا خبرات عملية على أرض الواقع. وقال عبد الحفيظ طايل، مدير المركز المصري للحق في التعليم، إن كل إضافة لفرع جديد في المعرفة الإنسانية للطلبة تمثل خطوة مهمة، وبالتالي وجود مثل هذه المدرسة في المرحلة الثانوية جيد، لكن يجب أن يكتمل بالجامعة في تخصصات واضحة وواسعة بكليات، منتقدا بدء الدراسة بشكل مؤقت في مدرسة بمدينة نصر لحين إتمام تجهيزات مدرسة مطروح، ويراه ارتباكا يكرر نفس أزمة المدارس اليابانية، متخوفا أيضا، من بدء التدريس بعد مرور شهرين على العام الدراسي الجديد. وأعرب طايل ل"البديل"، عن مخاوفه من أن تكون فكرة مدرسة الضبعة مجرد عمل دعائي وترويجي لمشروع المحطة النووية التي وقعت اتفاقيتها مصر مع روسيا، وليس عملا ممنهجا يقوم على أسس تربوية وتعليمية واضحة، وتتحول لمجرد أداة ورد فعل لتنفيذ قرار سيادي للرئيس ولا تكون وزارة التربية والتعليم على استعداد كالعادة. وعلى الجانب الآخر، قال أحمد الجيوشي، نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفني، إن عملية اختيار الطلاب تمت على مرحلتين؛ الأولى، كانت في محافظة مطروح، وتم عقد اختبار قدرات للطلاب المرشحين الذين انطبقت عليهم الشروط المعلنة لقبول الطلاب، مؤكدا أن الهدف من إنشاء المدرسة، إعداد جيل جديد من الفنيين المدربين على أحدث تكنولوجيات العصر.