تدور معركة إسرائيل منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الوقت الحاضر حول الأرض، ولكن بالنسبة للبعض تذهب هذه المسألة إلى أبعد من ذلك بكثير، فما تحت الأرض من آثار أكثر قيمة مما هو فوق سطح الأرض، وهذه المعركة مستمرة منذ سنوات. تبدأ معركة إسرائيل مع الآثار الفلسطينية وتزويرها، من القدس إلى غزة إلى قمران، فالدولة اليهودية تعطي الأولوية لأي شيء قد يعزز شرعيتها، مثل حق امتلاك الأراضي المقدسة وآثارها، حيث عينت علماء آثار لمساعدتها في خلق الروايات الكاذبة. الهدف من ذلك هو تسليط الضوء على الوجود اليهودي القديم وسط المجتمعات الأخرى، سواء قديمًا أو حديثًا، فالرويات الإسرائيلية تفترض على سبيل المثال وجود المسيحيين لفترة قصيرة، ولكنهم كانوا فقط مجرد زائرين، لم يتركوا أي أثر، وينطبق الشيء نفسه على المسلمين. ومن أجل دعم هذه الروايات، وجدت إسرائيل تدمير القرى الفلسطينية أمرًا ضروريًّا، وكذلك هدم المواقع القديمة والمناطق التاريخية، وإعادة صياغة مناهج الكتب المدرسية، وإعادة ترسيم الحدود، وبالتالي أصبحت تدعي أن هذا حقها، وتأخذ ما يخص الآخرين. تعد فلسطين منجمًا أثريًّا، فقد كانت طريقًا قديمًا للتجارة، وهي أيضًا على مرمى حجر من الحضارة المصرية، وكانت جزءًا من الإمبراطوريات الرومانية واليونانية والفارسية والعثمانية، ومسكنًا لليهود والمسيحيين والمسلمين. تعد فلسطين موطن أقدم المناطق الأثرية في العالم، ومع إقامة دولة إسرائيل في عام 1948 وحتى قبل هذا التاريخ، حاولت الدولة اليهودية السيطرة على الآثار، ومحو الآثار التي سبقت الوجود اليهودي، وكذلك الشعوب التي جاءت بعدها. المطالبة الصهيونية بأرض فلسطين على أساس أنها كانت في تاريخ الكتاب المقدس للإسرائيليين، تتطلب إثبات أن الكتاب المقدس صحيح، فقد كان جميع مؤسسي إسرائيل تقريبًا ملحدين، لكنهم أرسوا أفكارهم، ونفذوا أوامرهم. أزالت إسرائيل خلال السنوات الأولى من نشأتها الآثار العثمانية والمملوكية، والقطع الأثرية العربية والصليبية والبيزنطية والرومانية واليونانية والفارسية؛ لوضع التحف العبرية، وعلى مر السنين جمعت إسرائيل روايتها الكاذبة؛ لتؤكد أن هذه القطع تثبت شرعية ملكيتها للأرض. وهذا ما يفسر مثلاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هرع إلى وسائل التواصل الاجتماعي عندما تم العثور على عملة في مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية، وقال إن التصنيف الأولي للعملة شيكل يبلغ من العمر 2000 سنة. يعد تدمير القرى الفلسطينية أحد الأجزاء الرئيسية من الخطة الصهيونية، حيث دمرت نحو 600 قرية فلسطينية في الأربعينيات من القرن الماضي، كما استهدفت مئات من المعالم التاريخية وأماكن العبادة بعد حرب عام 1948، رغم مطالبات القليل من الإسرائيليين بالحفاظ على هذه الآثار. أعادت الحكومة الإسرائيلية رسم الخرائط القديمة، وأعادت تسمية المدن والقرى والأنهار بأسماء عبرية؛ لمحو كل آثار الوجود الفلسطيني، وقد استمر هذا الجهد على مدى عقود، وصولاً إلى إعادة تسمية المنتزهات والشوارع. نصت اتفاقية أوسلو عام 1995 على إخضاع 60% من أراضي الضفة الغربية للسيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة من خلال المنطقة "ج"، وكان المفترض أن تكون هذه الترتيبات مؤقتة، ولكنها استمرت لعشرين عامًا وحتى الآن، ووفقًا للقانون الدولي، فإن القطع الأثرية الموجودة على الأراضي الفلسطينية، سواء كانت في المناطق "أ، ب، ج، غزة، القدسالشرقية" تابعة لفلسطين، ويجب أن تبقى داخلها، ولكن إسرائيل لا تفعل ذلك، وتنتهك القانون الدولي بتخصيص هذه الآثار لها. يعد الوضع في المواقع الأثرية في غزة هو الأسوأ، فقد كانت بمثابة ميناء بحري قديم؛ لذا تختوي على كنوز قديمة، وليس غريبًا ظهور القطع الأثرية في المتاحف الإسرائيلية. استولت إسرائيل على المناطق التاريخية، واستغلتها في السياحة والتي تستثمر دخلها في بناء المستوطنات ومساعدة المستوطنين، ولكن هناك سخرية من سعي إسرائيل لإثبات شرعية ملكيتها لأرض فلسطينن، رغم أنه لا أحد ينكر حتى الفلسطينيين الوجود اليهودي في العصور القديمة، ولكن سرقة الآثار أمر غير أخلاقي، وهو يزيد من نبذ إسرائيل في جميع أنحاء العالم، وزيادة شعبية حركة المقاطعة والعقوبات؛ وبالتالي استراتيجية إسرائيل لا تساعد في إثبات شرعيتها. المقال من المصدر