نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للباحثة في قضايا السياسة التونسية وحقوق المرأة، صفا بيلغيث، تشير فيه إلى أن دعوات تحرير المرأة التونسية التي تتبناها وتفرضها الدولة ذات طبيعة منافقة ومعايير مزدوجة ترجح اتجاه على حساب التمييز ضد اتجاه آخر. وإليكم نص المقال: في اليوم الوطني للمرأة في تونس في وقت سابق من الشهر الماضي، دعا الرئيس الباجي قائد السبسي إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وإلغاء المرسوم الذي يحظر على المرأة التونسية الزواج من غير المسلم. ومن المفارقات أن السبسي، الذي يريد ترك إرث له كمحرر للمرأة بينما يتطلع أيضا إلى الانتخابات المقبلة، ليس غريبا على الاتجاه المعاكس المقلل من شأن المرأة. في أكتوبر 2014، طُلب من السبسي إبداء رأيه بشأن تصريحات محرزية العبيدي، نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي آنذاك، بشأن فترة توليه كرئيس للوزراء خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة عام 2011. وبدون الإشارة إلى مضمون ملاحظاتها، أجاب: "ماذا يمكنني أن أقول؟ إنها مجرد امرأة". من المؤكد أن السبسي هو الشخص الخاطئ الذي يمكن أن يمنح له الفضل في تمكين المرأة، رغم أن الميراث المتساوي وحرية اختيار الزواج من الذي نريده هما خطوتان رئيسيتان ينبغي عدم تجاهلهما. ومع ذلك، فبدلا من التركيز فقط على قوانين الأحوال الشخصية، التي غالبا ما تكون أداة للأغراض السياسية، ينبغي أن يشمل التركيز أيضا قضايا ليست بالضرورة بنفس الجاذبية للتونسيين المشاركين في هذه الحملات، أو الصحف الغربية والحكومات التي أثنت على السبسي. إن التمييز الذي طال أمده ضد النساء اللواتي يرتدين الحجاب هو بالتأكيد أحد تلك القضايا. نتذكر حملات ومحاولات فرنسا في الجزائر المستعمرة لإقناع النساء بإزالة الحجاب.. "أنتِ جميلة.. أليس كذلك؟ اخلعي الحجاب عن نفسك "؟ – يبدو أن هذا التاريخ الاستعماري استمر في ظل ولاية رؤساء تونس ما بعد الاستعمار، كثير من الناس يشعرون بأن هذا التمييز متجذر كاستعمار داخلي. إهانة الحجاب: "سوف ينهي حياتك". هذا ما قاله لي الناس عندما قررت ارتداء الحجاب قبل 14 عاما. في عام 2003، تم إصدار منشور 108، وهو قرار رئاسي بحظر ارتداء الحجاب علنا في الأماكن العامة، ولم تكن تلوح في الأفق إطلاقا نهاية نظام بن علي المدعوم من الغرب. وشملت التداعيات المتطرفة لتنفيذ هذا القرار السجن، فقدان العمل والإيذاء الجسدي من جانب الشرطة. تم إيقاف الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب في الشوارع واقتيادهن إلى مراكز الشرطة. بالنسبة للطلاب، كان الوصول إلى الفصول الدراسية بحد ذاته تحديا. في المدرسة الثانوية، شملت الاستراتيجيات الوصول في وقت متأخر عندما يكون مدخل المدرسة بدون حراسة، التسلل في الخلفية، أو ارتداء القبعات. واضطر القليل من اللاواتي يرتدين الحجاب إلى إزالته تماما في المدرسة. كانت سنوات الجامعة مختلفة قليلا. على الرغم من أنه خلال السنوات القليلة الأخيرة للنظام تم السماح بالحجاب، إلا أن التعرض لإهانات الأساتذة والحصول على رفض برنامج القبول والمنح الدراسية كان شائعا وكان الاعتراض على ذلك أمرا مستحيلا. القوانين تتغير والتعصب مستمر: في عام 2011، أعادت الثورة التونسية الأمل في أن الأمور ستكون مختلفة. في 31 مارس 2011، تم إعلان أن ارتداء الحجاب في بطاقة الهوية الوطنية الخاصة بك هو أمر مشروع. وتم إلغاء قرار 108 لعام 2003 وتمكنت النساء المحجبات أخيرا من متابعة حياتهن الأكاديمية المهنية بحرية دون مضايقات. ولكن هذا لا يعني أن الأمور قد تغيرت. أخبرتني صديقة مقربة لي تدعى أميرة، وهي مهندسة تبلغ من العمر 29 عاما، كيف تم رفضها في عدة وظائف بسبب الحجاب. وفي دوائر تكنولوجيا المعلومات، هناك شركات لا تنكر هذه السياسات لمقدمي طلبات التوظيف. في عام 2013، التحقت ببرنامج العلاقات الدولية في الجامعة التونسية. وكان الغرض الرئيسي للبرنامج هو إعداد الطلاب لمهنة في المنظمات غير الحكومية أو في وزارة الخارجية. لكن عدم التسامح من بعض الأساتذة تجاه الحجاب كان لا يزال مألوفا على نحو مروع. وكانت اللحظة الأكثر لفتا عندما أخبرنا أحد الأساتذة صراحة بعدم إضاعة الوقت في خوض امتحان الدبلوماسيين، مدعيا أنه حتى لو اجتازت المحجبة الامتحان الكتابي، فإنها ستفشل في الغرض من الامتحان الشفوي. وعندما طلبت منه شرح السبب، قال إن لجنة المحلفين لن تختار أبدا محجبات، حتى أولئك الذين كانوا جيدين – أو أفضل – من زملائهم. وقال: "لن تصبحي أبدا دبلوماسية لأنك لا تمثلي المرأة التونسية ولا يمكنك تمثيل تونس، والمنصب الوحيد المتاح لك سيكون وظيفة مكتبية في مكان ما في مكاتب الوزارة".جاء ذلك بمثابة صدمة لعدد من الطالبات اللاواتي كُن يُخططن للحصول على وظائف دبلوماسية. ماذا في رؤيته؟ في مبرراته للمبادرة الجديدة، يدعي السبسي أنه يحافظ على شيء فريد من نوعه بشأن تونس – بوصفها أنها أكثر البلدان العربية المسلمة تقدما عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة ولكن تماما مثل بن علي وبورقيبة قبله، ما هي تلك الحقوق المتصورة من قبل رجال في سنوات مستقبل فجرهم الكاذب. إن مبادرته المعلنة في يوم المرأة هي المعادل اللفظي لصورة بورقيبة الأكثر شهرة، عندما قام شخصيا بإزالة غطاء الرأس التقليدي (سيفسيري) من على رأس المرأة. وقد تجاهلت كلتا المبادرتين وهمشت دور المرأة ونضالها الشعبي ضد نظام الحكم الأبوي، بدلا من تقديم أنفسهم باعتبارهم "منقذين" المرأة. قد يشعر الحكام والنخبة التونسيون بأن سن هذا التشريع سيهدئ الغرب الذي يدعي أنه يشعر بالقلق إزاء حقوق المرأة في المنطقة على الرغم من الحالات العديدة التي تدل على كيفية استخدام مثل هذا القلق لتعزيز مصالحهم السياسية الخاصة. فإذا كان بلد ما حليفا، فإن الغرب مستعد تماما لتجاهل انتهاكات كل حقوق الإنسان به، بما في ذلك حقوق المرأة. ويمكنك فقط إلقاء نظرة على المملكة العربية السعودية كمثال. إن خوفهم من الزي ذو المظهر الإسلامي هو أحد مظاهر الاستعمار الداخلي المدعوم والمشجع من قبل صمت القوى الغربية قبل الثورة وبعدها. ومن الجدير بالذكر أن ملابس البحر للمحجبات (البوركيني) محظورة أيضا في بعض المناطق في فرنسا، وحتى في البلدان المفترض أنها ليبرالية مثل ألمانيا وسويسرا والنمسا. ارتداء الحجاب لمدة 14 عاما ربما قيدني إلى حد ما أكاديميا واجتماعيا. لكنه أفرج عن عقلي وجعلني ما أنا عليه اليوم. لقد فتحت عيني على الطبيعة المنافقة لدعوات تحرير المرأة في تونس وعلى النظرة المحدودة للغرب. لقد تعلمت أنه لكي تكون حرا حقا، لا ينبغي أن تنتظر زعيما ذكرا ليُملي حقوقك أو العالم ليحددها لك. ففكرة تحرير المرأة التي فرضتها الدولة دائما هي مقيدة. إنها حول التأكد من أنه إما هذا أو ذاك. ولكن ربما هناك نساء يُردن كل ذلك، وليس مجرد نسخة معدلة من حرية وهمية. هناك نساء تريد الحق في العمل، والزواج من اختيارهم والحصول على الاعتراف المالي والاجتماعي الذي يستحقونه، وكذلك في ارتداء الحجاب. الحجاب هو خيار. لذلك ربما حان الوقت لكي يدرك الناس أنه ليس كلنا بحاجة إلى "الإنقاذ" من الحجاب، ما نطالب به هو الاحترام والمساواة والعدالة. المصدر