يعد الشرق الأوسط مهد الحضارة، فقد اخترع السومريون الأرقام والتقاويم، ووضعوا قاعدة للإمبراطورية البابلية التي كان بها قانون حمورابي، ومن ثم بناء الحدائق المعلقة في بابل، ولكنها في النهاية سقطت في الهاوية إلى الفوضى التي تخللت الدولة والمجتمع. لم يتحول تنظيم داعش إلى آلة قتل بين عشية وضحاها، كل الأحداث تظهر في سياق محدد، كما أن السياسيات الجيدة والسيئة للدول داخل وخارج الشرق الأوسط تتسبب في الفوضى التي نشهدها اليوم. فقدت الإمبراطورية العثمانية السيطرة على أراضيها، وبعد ذلك تقاسمتها مع المنتصرين، وحاولت الدول المحررة من قبضة العثمانيين مقاومة الإمبرالية الغربية على مستويات مختلفة؛ ما أدى إلى خلق الدول القومية الضعيفة، وفي ظل ذلك، انتقل اليهود من أوروبا إلى فلسطين على حساب الفلسطينيين. أدى وجود إسرائيل بدعم غير مشروط من العالم الغربي إلى استياء عميق بين غالبية المسلمين، وشنت بلدان الشرق الأوسط عدة حروب لمواجهة إسرائيل، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة. واصل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، نشر القومية العربية العلمانية تحت قيادة مصر، ومع ذلك لم توافق دول الخليج المحافظة على ما يقوم به عبد الناصر، وبدأوا في الاستناد إلى التقاليد الإسلامية، ودعم جماعة الإخوان. دعا سيد قطب إلى الجهاد ضد الأنظمة العربية؛ لأنها أصبحت داعمة للدول الغربية، وبعد فشل الإخوان في تغيير النظام باستخدام العنف لجأوا إلى الديمقراطية، وتكوين منظمات تابعة لهم في عدد من البلدان، مثل حماس في فلسطين، والجماعة الإسلامية في باكستان، والحزب الإسلامي في أفغانستان، وبجانب الإخوان انتشر المذهب الوهابي من خلال استخدام البترودولار. أطاحت الثورة الإيرانية بالشاه، وبدأت الصراعات الإقليمية المختلفة من فلسطين إلى أفغانستان، كانت الثورة الإيرانية أحد أبرز نتائج التدخل الغربي في شؤون دول الشرق الأوسط. دون مساعدة الدول الغربية، لم تتمكن إسرائيل وحدها من هزيمة الجيوش العربية، وخاصة الدعم الأمريكي، وهو أيضا من منح للمحافظين في الشرق الأوسط مساحة للظهور والانتشار. لعبت الولاياتالمتحدةوروسيا حروبهما بالوكالة باستخدام شركاء يتمكنون من تحقيق أهدافهم الاستراتيجية المباشرة، ولكن الموقف تصاعد بعد قرار إدارة الرئيس الأمريكي جوروج دبليو بوش، بغزو العراق. قتل أكثر من مليون شخص ودمرت الآف المنازل، واعتنق الجيش الموالي للرئيس العراقي السابق صدام حسين أفكار تنظيم القاعدة، وبعد سنوات ظهر تنظيم داعش في شكله الحالي ووحد قواته في العراقوسوريا؛ لقتال الرئيس السوري بشار الأسد، وغيره من الأعداء. سقطت اليمن في حرب أهلية، ودمرت سوريا، دعمت الدول الغربية داعش لرعاية مصالحها، تريد الولاياتالمتحدة إسقاط الأسد، بينما ترفض روسياوإيران ذلك، وبالتالي كل منهما يقدم الدعم لوكلائه. تصر السعودية عل مواجهة إيران، حيث ترفض حتى الآن الاتفاق النووي الإيراني، كما أنهم يسمحون لإسرائيل ببناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة فقط لأن القضية تؤيدها إيران وحزب الله وحماس. تظهر العديد من الاختلافات بين دول الخليج نفسها، حيث الصراع القطري السعودي الذي يعزز من الانقسام. أين تقف بلدان الغرب القوية في هذا الصراع؟ تغيرت مواقف هذه الدول من المحتلين إلى الرعاة، وبعض الدول اتبعت النهج المحايد والبعض الآخر المتناقض تركت العراق تعاني مثل أفغانستان، وتحول الربيع العربي إلى شتاء بسبب الحياد الغربي، وانخرطت روسيا وأمريكا في الحروب الأهلية، وهما مسؤولتان عن تصعيدها. يتعين على الدول الإقليمية وخاصة الدول غير الأطراف في الصراع أن تتعاون معا وتجبر الأطراف المتصارعة بما فيها الولاياتالمتحدةوروسيا وتركيا وإيران على التوصل إلى حل للصراع الدائر حاليا، فهذه الصراعات المحلية والإقليمية ستقود إلى حروب عالمية. على الرغم من التقدم العلمي، فشل العالم المتحضر في إدارة الصراعات، ولكن يجب على قادة العالم التصرف ببراعة، حيث إن التحذيرات التاريخية والواقعية تؤكد أن جذور الصراع متأصلة، وقد ينجم عنها بداية صراعات جديدة، في الماضي استطاع حمورابي التوصل إلى بعض الحلول، في الوقت الذي تفشل فيه ذريته المتحضرة في العثور على حل.