في محاولة لإضفاء الشرعية على حملة سعودة تيران وصنافير التي شاركت فيها معظم وسائل الإعلام المصرية منذ مطلع العام الماضي، التقطت الصحف الصادرة في القاهرة اليوم الأربعاء 30 أغسطس 2017، عنوانا من حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري أول أمس الثلاثاء، لا يمكن وصفه إلا بالجريمة المكتملة الأركان التي تستوجب توقيع عقاب جماعي على كل رؤساء ومسئولي تحرير الصحف. العنوان المضلل الذي صُرف كالتطعيم الإلزامي على أجهزة الإعلام، أشار إلى أن مجلس الدولة أصدر حكما يقضي بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر اتفاقيات ترسيم الحدود باعتبارها عمل من أعمال السيادة، وجاء في العنوان الشارح: المحكمة تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إلغاء اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع قبرص. والحكاية أن السفير إبراهيم يسري وكيل وزارة الخارجية الأسبق، كان قد أقام دعوى لإلغاء قرار الحكومة المصرية بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية التى وقعتها مصر مع قبرص فى عام 2003 واتفاقية تقاسم مكامن الهيدروكربون بين البلدين في عام 2013، فصدر حكم القضاء الإدراي بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى استناداً إلى أن هاتين الاتفاقيتين أضحتا منذ تاريخ التصديق قانوناً من قوانين الدولة، مما يخرجهما عن اختصاصه. لكن أصحاب الهوى والرؤوس المبطوحة وجدوا في الحكم ما يمكن أن يغطي عورتهم المكشوفة، فأولوه وأخرجوا منه ما يرضي أسيادهم ويبرر موقفهم المتخاذل بالتهليل لتنازل النظام عن جزيرتي تيران وصنافير رغم صدور حكم قضائي من ذات المحكمة يؤكد مصريتهما ويبطل اتفاقية الحدود البحرية مع المملكة السعودية. ولأن حجة هؤلاء وأسيادهم أثناء نظر قضية الأرض أمام القضاء الإداري أن مجلس الدولة غير مختص بنظر الاتفاقية باعتبارها من أعمال السيادة، فأخرجوا من الحكم ما يدعم مزاعمهم السابقة، إلا أن مجلس الدولة أفسد الحفلة التي نصبت منذ منتصف الثلاثاء وأصدر اليوم بيانا قال فيه إن الحكم "لم يتعرض لمسألة أعمال السيادة". وتبين من حيثيات الحكم عدم تطرق المحكمة من قريب أو بعيد إلى نظرية أعمال السيادة، كما لم تصف المحكمة اتفاقيات ترسيم الحدود أو الحدود البحرية بوجه عام بأنها من أعمال السيادة التي يمتنع عن القضاء إعمال رقابته عليها. وأضافت المحكمة أنه بالبحث في اختصاصها بنظر الدعوى، تبين أن المادة 151 من الدستور تنص على أن "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً لأحكام الدستور…" بينما تنص المادة 190 من الدستور على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه…". وبتطبيق هذه النصوص على وقائع الدعوى وطلباتها؛ أكدت المحكمة أن "المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها الدولة وتنظم علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى، تعد قانوناً من قوانين الدولة بمجرد التصديق عليها من رئيس الجمهورية ونشرها في الجريدة الرسمية" ومما يترتب على ذلك أن "الطعن على تلك المعاهدات والاتفاقيات –بعد التصديق عليها- يعد طعناً على قانون صادر من السلطة التشريعية، ولا تعد من المنازعات الإدارية التي تختص بها محاكم مجلس الدولة طبقاً للمادة 190 من الدستور، ولا يجوز التعرض لها بطريق الطعن بعدم الدستورية إلا أمام المحكمة الدستورية العليا وطبقاً للإجراءات المقررة في قانونها". وانتهت المحكمة إلى أن مجلس الدولة لا يختص بنظر طلب إلغاء الاتفاقيتين المبرمتين بين مصر وقبرص حول الحدود البحرية وحقوق الهيدروكربون المتراكبة بينهما في البحر المتوسط، لأنه تم التصديق عليهما وإصدارهما بقرارين جمهوريين، مما جعلهما من قوانين الدولة منذ تاريخ التصديق عليهما، بما يعقد اختصاص الرقابة عليهما للمحكمة الدستورية وحدها. وبالتالي فالحالة التي تناولها الحكم لا يمكن مقارنتها بالدعوى التي رفعت لابطال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي صدر بشأنها حكمان من القضاء الإداري والإدارية العليا في يونيو 2016 ويناير 2017 على الترتيب، حيث لم يكن قد تم مناقشة تلك الاتفاقية أو التصديق عليها خلال فترة عرضها على المحكمتين. فالقضاء الإدراي لم يتطرق في "تيران وصنافير" إلى إجراءات ما بعد الموافقة والتصديق على الاتفاقية، بل أعمل رقابة مجلس الدولة على إجراء توقيع الاتفاقية فقط، واعتبرته مخالفاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 151 من الدستور التي تحظر التخلي عن أي جزء من إقليم الدولة. السادة الشماشرجية الذين تصيدوا من حكم القضاء الإدراي الأخير ما يرضي أهوائهم ويتزلفون به لأسيادهم "نقبكم طلع على شونة".