يحاول الاحتلال الصهيوني منذ خمسينيات القرن العشرين التغلغل داخل القارة الإفريقية وجذب هذه القوة الكبيرة إلى صفوفه لتحييدها عن الصراع العربي الإسرائيلي، وتصاعد الاهتمام بعد أن تحررت العديد من دول القارة وتمتعت بعضوية الأممالمتحدة ومجلس الأمن، حيث سعت إسرائيل للاستحواذ على هذه القوة التصويتية حتى تضمن تأييدها في المحافل الدولية، أو على الأقل ضمان ألا تعمل لحساب الدولة الفلسطينية، لكن يبدو أن هناك بعض الدول لم تتمكن إسرائيل من السيطرة عليها بشكل كامل، ومن بينها جنوب إفريقيا. قالت القناة الإسرائيلية السابعة، أمس الأحد، إن دولة جنوب إفريقيا قادت حراكًا في الأيام الأخيرة لإجهاض محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تطبيع العلاقات مع دول إفريقيا، بعد أن وثقت إسرائيل علاقاتها بالعديد من دول القارة، وباتت تملك سفارات في 10 دول إفريقية من أصل 54، وهي السنغال، مصر، أنجولا، غانا، كوت ديفوار، إثيوبيا، جنوب إفريقيا، نيجيريا، كينيا والكاميرون، فضلا عن وجود العديد من السفراء الإسرائيليين غير المقيمين في دول إفريقية. وأضافت القناة أن جنوب إفريقيا تهدف إلى مقاطعة إسرائيل في أوساط الدول الإفريقية، بعد محاولات نتنياهو عقد اتفاقيات مع بعضها، لمنع تشكيل أغلبية ضد إسرائيل في الأممالمتحدة، ونقلت القناة العبرية عن دبلوماسي جنوب إفريقي قوله، إن تل أبيب تتصرف بطريقة مروعة بحصارها لقطاع غزة، وتتسبب بمعاناة كبيرة للفلسطينيين، مضيفًا أن بلاده ستدعو الدول الأخرى إلى حوار حول ضرورة مقاطعة إسرائيل وعدم تعزيز العلاقات معها. في الإطار نفسه، بيّن الدبلوماسي الإفريقي، أن بلاده ستقاطع أول قمة إسرائيلية إفريقية مزمع عقدها في توجو خلال أكتوبر المقبل لأنها تهدف إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل لتكون نقطة الانطلاق على طريق التشارك الصهيوني الإفريقي، وقال: "لا يمكننا أن نغض الطرف عن الجهود الإسرائيلية للحصول على دعم دول إفريقيا من أجل تقويض القضية الفلسطينية"، وأكد الدبلوماسي الجنوب إفريقي، أن بلاده ليست الوحيدة في مكافحة تلك المحاولات الإسرائيلية، وإنما تساندها في ذلك دول منها المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا. تأتي الأنباء عن تحركات جمهورية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بعد أيام من نشر صحيفة "جروزاليم بوست" الإسرائيلية، مطلع الشهر الجاري، تقريرًا قالت فيه إن قمة إفريقية إسرائيلية ستعقد في دولة توجو نهاية أكتوبر المقبل، وهي الدولة التي ترتبط باتفاقيات تدريب عسكري مع الكيان الصهيوني، مشيرة إلى أن توجو ستوجه دعوات إلى 54 دولة إفريقية للمشاركة في القمة، والمقرر أن تستمر 4 أيام، وتوقعت الصحيفة حينها مشاركة ما بين 20 – 30 رئيس دولة في القمة، ويبدو أن جمهورية جنوب إفريقيا تنوي استخدام كامل نفوذها الدبلوماسي لإحباط الجهود الصهيونية. على جانب آخر، ذكرت القناة الإسرائيلية السابعة، أن أعضاء البرلمان الجنوب إفريقي رفضوا، هذا الأسبوع، لقاء وفد من الكنيست الإسرائيلي في جوهانسبورغ، على هامش لقاءات عُقدت مع أعضاء المعارضة والجالية اليهودية هناك، أضف إلى ذلك عقد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، مؤتمر سياسات في جوهانسبورغ في شهر يوليو الماضي، وخلال المؤتمر أوصى الحزب بتبني نداء لجان التضامن مع الشعب الفلسطيني، بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لدولة جنوب إفريقيا لدى إسرائيل، انسجامًا مع القيم والمبادئ التحررية للحزب، ونصرة للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وقضيته العادلة. جمهورية جنوب إفريقيا تعتبر من أبرز الدول الإفريقية الداعمة للفلسطينيين إلا أن ذلك لم يمنعها من إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وهو ما أشارت إليه العديد من المواقف التي كان أبرزها في مايو عام 2010، عندما سحبت سفيرها من تل أبيب عقب اعتراض قوات البحرية الإسرائيلية لسفن "أسطول الحرية" التي كانت متوجهة إلى شواطئ قطاع غزة لإيصال مساعدات إنسانية، ما أسفر حينها عن مقتل 10 من المتضامنين الأتراك وإصابة 50 آخرين، وهي الخطوة التي أصابت العلاقات الإسرائيلية الجنوب إفريقية ببعض التوترات، فعلى الرغم من استئناف العلاقات بين البلدين وعودة السفير الجنوب إفريقي بعد عدة أسابيع إلى تل أبيب، فإن إسرائيل رفضت في العام 2015، السماح لوزير خارجية جنوب إفريقيا بلير زيماندا، آنذاك، بالهبوط في مطار "بن غوريون" لأنه أراد زيارة الأراضي الفلسطينية فقط دون التوجه إلى تل أبيب. يذكر أن تل أبيب كانت من أبرز داعمي نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قديمًا، وكان الكيان الصهيوني هو المورد الأساسي للسلاح لهذا النظام العنصري في تحد للقانون الدولي الذي حظر حينها بيع السلاح لنظام الأبارتهايد، وهو ما لم يستطع الشعب الجنوب إفريقي نسيانه بعد تحرره من قبضه الأبارتهايد والنظام العنصري، ولكن يبقى التساؤل الأهم: هل ستتمكن جمهورية جنوب إفريقيا بمساعدة بعض دول القارة السمراء من إقناع حلفاء إسرائيل الأفارقة الذين تربطهم بتل أبيب علاقات ابتزاز من الدرجة الأولى في تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الاحتلال ووقف التطبيع مع الكيان المغتصب؟