عاد الاتفاق النووي الموقع بين إيران والمجموعة السداسية إلى واجهة الأحداث من جديد، وذلك بعد تهديدات هي الأولى من نوعها التي تصدر عن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، شخصيًّا بعد تجديد ولايته قبل أشهر قليلة، ليكتسب الأمر المزيد من الأهمية ويعطي رسائل سياسية بأن إيران اختارت الرد على التهديدات الأمريكية المتواصلة بتهديدات على أعلى مستوى. الرئيس الإيراني الذي أظهر مرارًا تمسكه بالاتفاق النووي، واعتبره في الكثير من تصريحاته إنجازًا تاريخيًّا عجزت الكثير من الدول عن التوصل لمثيل له، اختار أمس الثلاثاء تصعيد لهجته في مواجهة اللهجة الأمريكية التي تميزت على مدار أشهر عديدة بتهديد إيران بتمزيق الاتفاق النووي، وكأن طهران هي المستفيد الوحيد من هذا الاتفاق، وكأن الاتفاق أحاديًّا بين الجمهورية الإيرانيةوالولاياتالمتحدةالأمريكية لا تشترك فيه العديد من الدول الأوروبية الحريصة على استمراره. حذر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، من أن إيران قد تنسحب من الاتفاق الذي أبرمته مع القوى العالمية بشأن برنامجها النووي خلال ساعات، إذا استمرت الولاياتالمتحدة في الالتزام بالعقوبات التي فرضتها على طهران، وقال روحاني في كلمة أمام برلمان بلاده: إن أرادوا العودة إلى هذه التجربة، فسوف نعود بالتأكيد، وخلال فترة قصيرة لا تعد بالأسابيع والأشهر، بل في غضون ساعات وأيام، إلى وضعنا السابق، ولكن بقوة أكبر بكثير، مضيفًا أن نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، أثبت للعالم أنه ليس شريكًا جيدًا بتهديده بإلغاء الاتفاق النووي، وليس موثوقًا به، وتابع "روحاني" أن على الولاياتالمتحدة أن تتذكر أن التجربة الفاشلة للعقوبات والإكراه، هو ما دفع بإدارة الرئيس السابق "أوباما" إلى التفاوض. تأتي هذه التصريحات بعد أسابيع من فرض واشنطن عقوبات ضخمة على عدد من الشركات الإيرانية قالت إنها ضالعة في برنامج طهران للصواريخ الذاتية الدفع "الباليستية"، وهي العقوبات التي وصفتها إيران بأنها انتهاك للاتفاق ومخالفة لبنوده، حيث تستمر أمريكا في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران رغم إعلان المفوضية الأوروبية ووكالة الطاقة الذرية التزام طهران بالاتفاق. رأى بعض المراقبين في تصريحات الرئيس روحاني جدية إيرانية للانسحاب من الاتفاق، وذلك بعد أن عجزت جميع الدول المشاركة في هذا الاتفاق عن إقناع الولاياتالمتحدة بعدم جدية أفعالها الاستفزازية، وهو ما يجعل انسحاب إيران مُبررًا، خاصة في ظل تزايد الضغوط عليها من قبل المتشددين الإيرانيين المعارضين للاتفاق النووي والذين يعتبرونه تقييدًا لطموحات الجمهورية النووية. في ذات الشأن قال النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد للبرلمان الروسي، فلاديمير جباروف إن تهديد إيران بالخروج من الاتفاق النووي حقيقي ومحفوف بخطر خلق بؤرة توتر في الشرق الأوسط، وأكد جباروف على ضرورة بذل الجهود الدبلوماسية اللازمة لمنع حدوث هذا، مضيفُا: يجب أن يتحدث الدبلوماسيون الآن، قبل أن تتحدث البنادق، وأشار البرلماني الروسي إلى أن الوضع الحالي هو نتيجة لسياسات البيت الأبيض الذي وافق على تشديد العقوبات لصالح الكونجرس، ونوه "جباروف" بضرورة وقف الخطاب العدائي وأن تعيد الولاياتالمتحدة النظر في فرض عقوبات جديدة. على جانب آخر، حاولت روسيا والأمم المتحدة الدخول على خط الأزمة لمنع إيران من تنفيذ تهديداتها والانسحاب من الاتفاق، حيث صرح عضو مجلس الاتحاد الروسي للشؤون الدولية، أوليج موروزوف، بأن روسيا تعتزم القيام بكل ما يمكنها من جهد من أجل إقناع إيران بعدم الانسحاب من الاتفاق الخاص ببرنامجها النووى، وقال "موروزوف": أعتقد بأننا سنبذل كافة الجهود الممكنة من أجل إقناع إيران بالإبقاء على الوضع الراهن، إن الانتشار العشوائي للتقنيات النووية ليس أمرًا جيدًا بتاتًا للجميع، بما في ذلك روسيا، وأضاف عضو مجلس الاتحاد الروسي للشؤون الدولية أن "موسكو فى علاقاتها مع طهران تتصرف دائمًا وفق الالتزامات والمبادئ الدولية العالمية". في ذات الإطار، شدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الثلاثاء، على ضرورة أن يبذل المجتمع الدولي أقصى جهد بغية عدم السماح بنسف الاتفاق النووي، وأعلن المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، أن "غوتيريش" يعتبر خطة العمل الشاملة المشتركة، بشأن برنامج طهران النووي، أحد أهم الإنجازات الدبلوماسية التي تعكس السعي الدولي إلى السلم والأمن، وقال: يتعين علينا فعل كل ما بوسعنا بغية حمايتها. تعول إيران كثيرًا على الدول الأوروبية في حماية الاتفاق النووي من الهجمات والمخططات الأمريكية، حيث عبرت أوروبا مرارًا سواء المفوضية أو الاتحاد عن أن الاتفاق إنجاز تاريخي يجب التمسك به، وأشارت إلى أنه لا يخص طرفًا واحدًا فقط ليكون المتحكم الوحيد فيه، بل على جميع أطرافه والمجتمع الدولي أن يسعى للحفاظ عليه، ويعمل على تطبيقه بشكل صحيح وكامل، وهو ما أكدت عليه مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، خلال زيارتها الأخيرة لطهران قبل أقل من أسبوع، حيث أكدت على أن الاتحاد الأوروبي يدعم الاتفاق النووي بشكل حازم، الأمر الذي يبعث رسالة سياسية إلى أمريكا تفيد بأن الدول الخمس المشاركة في الاتفاق ستترك واشنطن وحيدة في معسكر الرفض الانسحاب من الاتفاق.