(1) فى مطلع شهر يونيو عام 2014 بدأ السيسى حكمه باعتذار وباقة ورد حمراء قدمها للسيدة التى تعرضت للتحرش الجماعى فى ميدان الثورة ليلة الاحتفال بتنصيبه، يبدو الأمر الآن وكأن دهرا قد مضى على هذه اللحظة، كان الرئيس حينها ملتزما بصورة الزعيم المخلص الحنون القريب من شعبه، وهى الصورة التى تصدرت المشهد قبل وبعد 30يونيو وفى أثناء حملته الانتخابية،أمام فراش السيدة فى مستشفى الحلمية العسكرى قال:"حقك علينا …احنا اسفين ..احنا مش كويسين ..متزعليش "هذه العبارة فى ذلك الحين كانت تطمئن القلب وتجبر الخواطر …كانت الثقة بالسيسى كبيرة وكان الأمل معقودا عليه فى أن يكمل طريق الثورة ويطهر أرض مصر من الفساد والفاسدين ويحقق للشعب عيشة كريمة ..حرة وعادلة. (2) الرئيس الذى ظهر قبل ترشحه بأنه عليم بمشاكل مصر ولديه حلولها، وأنه فى خلال عامين سينقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة، خرج علينا بعدها ليصارحنا بأنه كلما وضع يده وجد خرابة وفساداً، وأن تدهور الأحوال لم يبدأ فى ال15 سنة الأخيرة من حكم مبارك كما سبق وقال، لكنه ممتد لستة عقود!!…واستيقظنا من الأحلام الوردية على عبارة: "منين وبكام ؟؟؟لو عندى هديك ..وأنتوا متعرفوش اننا فقرا اووى ". (3) الرئيس الذى وعد بأن "إيدينا تتقطع قبل ما تمسكم" حدث فى عهده أكبر عدد من التجاوزات الشرطية تجاه المواطنين الذين تعرضوا للإهانة والضرب والتعدى الذى وصل للقتل…بالإضافة إلى تزايد أعداد المعتقلين فى السجون دون محاكمات وبتهم مشكوك فيها. وعد السيسى باحترام مؤسسات الدولة والحفاظ على استقلال القضاء، لكن حدث فى عهده أكبر تغول على السلطة القضائية، كما تخلت السلطة التشريعية عن دورها فى مراقبة السلطة التنفيذية، وتحولت لمساعد مخلص لها ومنفذ لتعليماتها .. (4) الرئيس الذى وعد فى حواراته على القنوات الفضائية أثناء ترشحه بأنه لن يكون هناك خلاف بينه وبين الشعب، لأنه يؤمن بالتحاور"إما تقنعنى أو أقنعك"، تبين أنه يتعامل معنا بصفتنا شهود عيان على إنجازاته التى ينفذها دون حوار مجتمعى للوصول لحالة رضا شعبى حولها، مشروع تفريعة قناة السويس وملف مياه النيل وسد النهضة والعاصمة الإدارية والتنازل عن تيران وصنافير وصفقة القرن، كله ملفات أدارها بعيدا عن الرأى العام، ما زاد الطين بله اعترافه أنه لا يعبأ بتدهور شعبيته لأنه واثق من صحة قراراته!! لم أسمع عن رئيس منتخب فى أى دولة فى العالم يقول ذلك، لا ينطق بها إلا حاكم يتصور أنه مبعوث العناية الإلهية وهو ما يتوافق مع صورة الرئيس عن نفسه:الله خلقه طبيباً يصف الحالة ويرى مسبقاً ما لا يراه الآخرون، ومن الطبيعى بعد ذلك أن يطلب منا أن نسمع كلامه وبس…ومن أجل ذلك تم تطعيم الإعلام والصحافة ضد فيروس المعارضة والتمرد، بغرض تهيئة الشعب لسماع "صوت الزعيم "وفقط حتى يصبح الجميع على قلب رجل واحد .. يتربع فيه الزعيم بلامنازع. (5) ثلاث سنوات مضت على حكم السيسى، لم يحقق فيها ولو قليل مما وعد به، حتى الإرهاب فى سيناء لم يقض عليه، رغم هدم الأنفاق وإنشاء منطقة عازلة وتهجير أهالينا من رفح ومناطق أخرى فى سيناء، سرعة الإنجاز التى يفتخر بها السيسى استخدمها فى غير موضعها ولم يستخدمها يوما فى حل مشكلة القمامة التي تسىء لصورة مصر وتقييمها السياحى، وهى لاتقل أهمية عن إزالة العشوائيات بل تزيد…إنجازات الرئيس التى يفتخر بأنها غير مسبوقة وكانت تحتاج 20 عاما لإتمامها، هى خرائط وأرقام لا نحس بها فى حياتنا اليومية، لكن ما نشعر به: الغلاء الفاحش والقبضة الأمنية الغاشمة والتضييق على الحريات، والخوف الذى أصبح يملأ القلوب بسبب التوسع فى التنصت على الناس وتلفيق التهم والتوسع فى الاعتقال باستخدام قانون الطوارىء فى غير محله. الإنجاز الحقيقى لأي رئيس يتلخص في أن تصبح حياة الشعب أفضل فى فترة ولايته، هذا لم يتحقق بل حدث العكس على كل المستويات، حتى بات بيننا من يترحم على فترة حكم مبارك (6) بدأ الرئيس عهده بالاعتذار لسيدة خرجت تحتفل بفوزه فى الانتخابات الرئاسية مشاركة فى الاحتفال الشعبى بتنصيبه، بالأمل أقول أن عليه الآن أن يقدم اعتذارا للشعب المصرى (مؤيديه ومعارضيه)، يعترف فيه بأنه لم يستطع أن يحقق ما وعد به، ولم ينجح فى إدارة مصر اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وأنه لم يحقق السلام الاجتماعى بل ساهم بسياسته فى توسيع الفُرقة بين طوائف الشعب .. وعليه إما أن يعلن عن تغيير جذرى فى سياسته وتوسيع قاعدة المشاركة لتضم المعارضة وكل طوائف الشعب، أو يصرح بعدم ترشحه لفترة ثانية ويترك الأمر لمن يجد فى نفسه القدرة على حمل العبء والمسؤولية، ولقد فعلها من قبل الرئيس الفرنسى أولاند، حين ادرك أنه لم يقدم للفرنسيين ماوعد به، فخرج بسلام من قصر الإليزيه وهو الآن مواطن عادي يتسوق بحرية حاملا مشترياته بكلتا يديه دون حراسة أو قلق وخوف، صورة أتمنى أن يشاهدها المصريون يوما ما. [email protected]