بالحد الأدنى لأية حسابات سياسية منطقية، لا يمكن لأي مراقب توقع فوز الرئيس عبد الفتاح السيسى بولاية ثانية، إذا أجريت الانتخابات المقبلة فى أجواء ديموقراطية طبيعية، ليس فقط لأن الرئيس لم يستطع تحقيق وعوده الانتخابية برفع مستوى معيشة ملايين الفقراء ومحدودى الدخل الذين أصبحت حياتهم قطعة من الجحيم، ولكن أيضا لعدم قدرته على إقناعهم بأن سياسة "الإصلاح الإقتصادي" التى تنتهجها حكوماته المختلفة سوف تؤدى فى نهاية المطاف إلى وقف دوران عجلة الفقر التى تدهس الطبقات الفقيرة والمتوسطة،..ومع ذلك فإن فوز الرئيس السيسى فى هذه الانتخابات المرتقبة يكاد يكون أمرا مؤكدا، على الأقل حتى الآن! الأزمات الصعبة التى يعيشها ملايين المصريين خلال الفترات الماضية، أصبحت أكبر من قدرتهم على الاحتمال، لدرجة أنها ألهبت شعورهم بالحنين للرئيس مبارك حتى أصبحت أكثر أحلامهم جموحا هو عودة مستويات المعيشة إلى ما كانت عليه أيام حكمه، رغم فساد نظام حكمه، ومشروع توريث الحكم لابنه جمال، وسيطرة شلة المحاسيب على مقدرات البلاد، وانهيار مؤسسات التعليم والصحة، وانسداد أى أفق للتغييرالسلمى من داخل النظام، وبالقطع فإن السبب فى هذا الحنين يعود فى الأساس إلى أن مستويات المعيشة كانت أفضل بكثير مما هى عليه الآن، وحتى المعارضين لمبارك يكادوا يتحسرون على أيامه، فقد كانت أمامهم مجالات للعمل والحركة خاصة خلال الانتخابات، لا يحلمون – رغم هامشها الضيق – بتوافر ولو حتى ربعها فى عهد السيسي. هذا الحنين المسموم لن يعيد بالقطع مبارك الأب أو الابن للحكم، لكنه بالقطع وبمرور الوقت سوف يعبر عن نفسه بالمزيد من ظواهر الانقسام – أو بالأحرى الصراع -الاجتماعى، ومعاداة كل مؤسسات الدولة، وزيادة العنف والجرائم وعمليات الإرهاب، خاصة إذا استمرت حكومات السيسى فى سياساتها التي فرضها صندوق النقد الدولى برفع الأسعار والغاء الدعم على السلع والخدمات الأساسية، وإقصاء الفقراء ومحدودى الدخل من مظلة الدولة التى كانت توفر لهم الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، والتى كانت تقبل أيضا مظاهرات المعارضين، ووجود جمعيات تطالب بإقالة مبارك شخصيا! تفاعلات هذا الحنين المسموم تحمل فى طياتها صداما متوقعا بين السلطة وملايين اليائسين من تحسن الأوضاع الإقتصادية والسياسية، قد يعبرهذا الصدام عن نفسه بالعزوف الجماعى عن أية استحقاقات انتخابية مقبلة، أو عدم الاهتمام بالشان العام فيما يشبه العصيان المدنى فى أسوأ أشكاله، وقد تزداد وتيرته بانضمام الشباب إلى التنظيمات الإرهابية، فى وقت يزداد فيه جنوح السلطة نحو بناء نظام سياسى لا يعترف بالمعارضة أو الحق الدستورى لها بالسعى لتبادل السلطة، مع إجراءاته المستمرة فى إغلاق المجال العام، وهيمنة العقلية الأمنية على القرارات السياسية. الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها فى العام المقبل، يمكن أن تكون نقطة فاصلة فى أوضاعنا السياسي الراهنة، فهى تعطى الفرصة للسلطة الحالية أن تعدل من سلوكها غير الديموقراطى وتخفف من حدة توجهها اليمينى اقتصاديا، أو قد تفرض على الساحة مرشحين أقوياء قد يكون لهم حضورا سياسيا وجماهيريا مؤثرا يستمر حتى لو خسروا الانتخابات، كما يمكن أن تعيد الاحترام المفقود للدستور الذى يتم انتهاك مواده فى العديد من المواقف، لتعطى الفرصة للجميع لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف. لكن وعلى الجانب الآخر يمكن لهذه الانتخابات أن تكون بطعم الاستفتاء على مرشح وحيد أمام منافسين بدرجة كومبارس، لتستمر السلطة على نفس توجهاتها الحالية، لتضع البلاد كلها أمام مفترق طرق، ستكون كلها أكثر وعورة مما يعتقد الكثيرون فى مصر!