تداعيات الأزمة الخليجية بين قطر والسعودية انتقلت إلى المجموعات المسلحة في سوريا، فالحرب الدبلوماسية والسياسية بين الدوحةوالرياض تحولت لصراع مسلح بين المدعومين من كلا البلدين على الأرض، وقبل أيام بدأت جبهة النصرة هجومًا على مقار فيلق الشام في ريف حماة الشمالي، واستولت عليها بالكامل، فيما لا تزال الحرب دائرةً في الغوطة الشرقية بين جيش الإسلام المدعوم سعوديًّا، وفيلق الرحمن المدعوم قطريًّا وحليفه النصرة. الدوحةوالرياض صراعات على الأرض السورية لم تنتظر الفصائل المسلحة في سوريا نتائج الوساطات في النزاع الخليجي لتشعل الحرب فيما بينها، حيث افتتحتها النصرة بهجومها على مقار فيلق الشام في حماة، كما قامت بعمليات اغتيال وتصفية لقيادته في إدلب. وداهم مقاتلون ينتمون لهيئة تحرير الشام، أمس الجمعة، مقر الفرقة 13 في مدينة معرة النعمان بإدلب السورية، وأعدمت خمسة عناصر رميًا بالرصاص. وكان مقاتلو الهيئة (جبهة النصرة) التي تحظى بدعم قطري قد استقدموا رتلًا من المسلحين قوامه 300 مقاتل للمدينة، وأطلقوا نيران الرشاشات الثقيلة على مقاتلي فيلق الشام الذي يحظى بدعم سعودي؛ مما أدى لسقوط العديد من القتلى اغلبهم من المدنيين، وتعود أسباب الخلاف إلى إقدام عناصر من الفرقة 13 الخميس الماضي على قتل والد أحد القياديين في هيئة تحرير الشام. وبذلك يكون فيلق الشام قد افتتح القائمة الطويلة التي ستقع تحت رصاص النصرة في إدلب، مغاوير الإسلام وجند الإسلام وكتيبة المرابطون التي بدأ نزيف الانشقاقات فيها بتصديع أكبر الفصائل فيلق الشام، والانشقاق ليس أكثر ما يصيب فيلق الشام، فالفصائل المسلحة التي بدأت تركيا في تجميعها لدخول إدلب نجحت في إشعال حرب الاغتيالات بينها وبين جبهة النصرة ذات الأساس القاعدي، النصرة لجأت إلى القتل والعبوات الناسفة التي حصدت عشرات القتلى من فيلق الشام على الحواجز وفي المقرات. وبذلك تكون النصرة أكبر المستفيدين من انقلاب مزاج الدول الداعمة للمجموعات المسلحة في سوريا، لتبدأ بتصفية الفصائل المناوئة، وتعيد تركيب وترتيب القوى المسلحة الموجودة في إدلب. النصرة التي حاولت فرض الاندماج بالقوة على عشرات آلاف مقاتلي أحرار الشام وفيلق الشام ستبدأ بحصد البيعات قريبًا من فصائلهم المنشقة. الغوطة الشرقية قرب دمشق استبقت الحرب في إدلب، فلا رجعة لجيش الإسلام المدعوم سعوديًّا عن قتال ذراع قطر فيلق الرحمن وحليفته النصرة، جيش الإسلام حشد قواته بعد هزيمة خصومه في الهجوم على أطراف دمشق واستعادة الجيش السوري لحيي القابون وبرزة، ولن يوقف حربه قبل الاستئثار بقرار الفصائل المسلحة على تخوم دمشق. وبالنسبة لإدلب فمصير الحرب فيها يتوقف على أمير أحرار الشام، أبو عمار العمر، الذي ما زال يتريث رغم مطالبات بقية الفصائل بإيقاف بغي هيئة تحرير الشام "النصرة"، ورغم النفير العام، يبدو أن "العمر" ينتظر التحكيم على الحرب، فالنصرة لا تزال تستحوذ على ثلثي السلاح في إدلب معقل المجموعات المسلحة الأخير في سوريا، كما أن أحرار الشام نفسها تخاطر بالانقسام بين جناحيها القاعدي والإخواني إذا ما قررت مواجهة النصرة. ويرى مراقبون أن الحرب على النصرة لا تزال تنتظر ضوءًا أخضر من تركيا وقرارًا إقليميًّا لا يبدو بعيدًا مع استمرار النزاع الخليجي كي يتحول إلى اشتباك عسكري بين إخوة السلاح. الجماعات المسلحة في سوريا يقدر عدد الجماعات المسلحة في سوريا أكثر من ألف مجموعة، ويقاتل في صفوفها نحو 100 ألف مسلح، وتتفاوت في الحجم والتأثير والتسليح والتحالفات. دعم هذه الجماعات بالمال والسلاح يأتي من دول مختلفة تعمل على تفتيت سوريا وتقسيمها، أبرزها تركياوقطر والسعودية، إلى جانب الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية. في بداية الأحداث السورية عام 2011، وظنًّا من السعودية أن النظام السوري سينهار بسرعة تركت لقطروتركيا مهمة دعم الجماعات المسلحة، لكن بقاء النظام في سوريا مدعومًا بالجيش السوري وروسيا وإيران دفع الرياض لتدخل مباشرةً في مسار الحرب، ولا سيما بعد تسليم أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، مقاليد الحكم لابنه تميم، وهكذا بدأ الصراع السعودي القطري ينعكس على الساحة السورية، وأوضح مثال على ذلك هو في الغوطة الشرقية، حيث يتصارع جيش الإسلام المدعوم من الرياض، مع فيلق الرحمن والنصرة المدعومين من الدوحة؛ لفرض نفوذهما على الغوطة. وتتشارك أنقرةوالدوحة في دعم الجماعات المسلحة ذات الميول الإخوانية في بعض مناطق سوريا، ولا سيما في منطقة إدلب، حيث الدعم موجه إلى حركة أحرار الشام وجبهة النصرة وفيلق الشام، إلا أن هذه التنظيمات تتنافس فيما بينها لفرض سطوتها على المنطقة، كما أنها تتصارع أيضًا مع باقي التنظيمات ذات الفكر الوهابي في إدلب والممولة سعوديًّا. وإلى جانب التنظيمات المذكورة تدعم قطر تنظيمات أخرى، كألوية أحفاد الرسول في إدلب، ولواء الحق في ريف حمص، وجيش التوحيد في دير الزور، ولواء مجاهدي الشام في حماة، بالإضافة لفيلق الشام. فيما تدعم السعودية لواء شهداء اليرموك في درعا، وجيش المجاهدين، وجبهة ثوار سوريا في شمال البلاد وشرقها، إلى جانب جيش المجاهدين والأنصار. باختصار على كل الخارطة السورية وفي مناطق سيطرة الجماعات المسلحة صراع للسيطرة على مناطق النفوذ في ترجمة للصراع القطري السعودي، وسط محاولة الدولتين لتوحيد الجماعات ذات الفكر الواحد وتوسيع سطوتها على حساب الجماعات الأخرى. ويرى مراقبون أن حالة الاحتراب بين هذه المجموعات بدأت منذ أشهر، وعكست بوضوح التباين القطري السعودي الذي نشهد تداعياته في الوقت الراهن، ولكن من المبكر جدًّا الحديث عن شكل هذا الاقتتال، فعلى سبيل المثال لو أراد الحلفيان القطري والتركي أن يردا جميل السلوك الإيراني تجاه الأزمة السعودية القطرية، حيث دعت طهران إلى حل الأزمة الخليجية عن طريق الحوار، وحاولت الدوحة استصلاح جزء من هذه المجموعات المسلحة لتكون رافعة توازن في اجتماعات آستانة مقابل وفد الرياض، فماذا سيكون مصير جبهة النصرة الإرهابية؟ خاصة أن الفصيل الأقوى والأبرز وهو أحرار الشام لم يحسم موقفه حتى الآن. وفي كل الأحوال غالبية الفصائل، بحكم الجغرافيا والحدود، تدين بالولاء إلى تركياوقطر، أما السعودية فبعد انهيار داعش لديها فيصل يعرف بجيش الإسلام، وقد تنشطه الرياض قريبًا عن طريق الجبهة الجنوبية مع الأردن، حيث قطعت الأخيرة علاقاتها مع الدوحة على خلفية الأزمة الخليجية، ولكن تبقى أكثر الفصائل المسلحة السورية بيد قطروتركيا، حيث قامت الأخيرة بالانضمام للمعسكر القطري ضد السعودية في النزاع الخليجي الأخير. ومن الناحية السياسية يعتبر محللون أن تأجيل اجتماع آستانة، والذي كان مقررًا في 12 و13 يونيو الجاري، هو أول تداعيات النزاع الخليجي بين الدوحةوالرياض.