شهدت الأيام القليلة الماضية عمليات واسعة للجيش السوري بموازاة التهويل الأمريكي في جنوب البلاد، حيث يسعى الجيش لتأمين تحركاته وتطويق الجماعات المسلحة والإرهابية المدعومة إقليميا. الدائرة رقم 1 وتشمل عمليات الجيش السوري في منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق المحيط الشمالي الشرقي للعاصمة، حال تحقيق العمليات ضد داعش في الدائرة لهدفها بنجاح سيكفل ذلك، أولًا التمهيد لقطع الذراع الداعشي المغروز من ناحية البادية السورية من الشرق (انظر الدائرة رقم 2) استمرارًا لإبعادها عن مثلث "دمشق – حمص – تدمر"، وهذا في ذاته يمهّد لعمليات الدائرة رقم 2، ويعمل بموازاتها، وثانيًا عزل الجيب الذي تسيطر عليه الفصائل الإرهابية الأخرى (مركز الدائرة) ويرتكز في الضُّمَيْر في ريف دمشق، ويحتوي بشكل رئيسي على فصائل جيش الإسلام وأحرار الشام وجبهة الأصالة والتنمية المدعومين سعوديًّا بشكل كامل، بالإضافة إلى الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر المدعومة أمريكيًّا. إذن، تنشط عمليات الجيش السوري بين الدائرتين 1 و2 تحقيقًا لفك تماس داعش مع الفصائل سابقة الذكر، ورغم أن تلك العمليات مواجهة لداعش، مع تثبيت خطوط المواجهة مع الفصائل المرتكزة في الضمير، إلا أنه من المرتقب أن يعمل الجيش على حسم أمر الجيب الذي تمثله الدائرة رقم 1 بعد عزله عن مناطق سيطرة داعش، التي ستقوم عمليات الدائرة رقم 2 بتطويقها. الدائرة رقم 2 تشمل ريف حمص الجنوبي الشرقي، القطاع الأسفل – الجنوبي من الدائرة باللون الأخضر يضم بشكل رئيسي فصيلين مسلحين، هما جيش أسود الشرقية ولواء شهداء القريتين، وكلاهما مدعوم أمريكيًّا، وجزء من المشروع الأمريكي في البادية السورية، وفي إطار المشروع ذاته، جاء التوجيه الأمريكي لهما منذ أقل من شهر بالانطلاق من جنوب البادية السوري نحو الشرق والوسط لتصفية وجود داعش، بالتعاون مع قوات "التحالف الدولي" الأمريكي وبخط إمداد رئيسي من الأردن، وفي هذا الإطار، يقاتل الجيش السوري الفصيلين على حدود ريف حمص الجنوبي الشرقي مع القلمون الشرقي بريف دمشق من ناحية، ويقاتل داعش في مركز الدائرة رقم 2 والقطاع الأعلى – الشمالي منها، بما يعزل داعش عن الدائرة رقم 1 ومحيطها. تنشط العمليات في الدائرة رقم 2 باتجاهات ثلاثة، تنطلق عملياتها كلها من الذراع السوري الملامس للدائرة من الخارج (وتحوي الدائرة رقم 1 جزءًا منه) لتحقيق أهداف ثلاثة: أولًا: نحو القطاع الأيسر من الدائرة إلى الغرب، أي التفافاً وتطويقاً نحو الدائرة رقم 1 وبالتكامل مع العمليات القائمة فيها، ويحقق ذلك حال نجاحه عزل جيب الفصائل (الدائرة رقم 1 إجمالاً)، ووصْل نفس الذراع السوري المنطلق من دمشق بالمرتكز السوري الآمن جنوب حمص. ثانياً: نحو الشمال الشرقي أي باتجاه تدمر، وهنا حال التقدم في مواجهة داعش سينحسر الذراع الداعشي (باللون الرمادي داخل الدائرة) منسحباً نحو الصحراء أي الجنوب المباشر لتدمر، خاصةً في ظل وجود ذراع سوري آخر منطلق من تدمر سيكفل الضغط على داعش وتطويقها. ثالثاً: نحو القطاع الأسفل من الدائرة (باللون الأخضر)، ومن هنا تأتي المواجهات الأخيرة مع الفصائل التي أنشأتها وحركتها أمريكا وتدعمها الأردن، وحال التقدم في هذا الاتجاه، سيكفل ذلك المزيد من الحضور السوري في البادية السورية وتطويل الذراع السوري المنطلق من دمشق وصولاً به – بقدر الإمكان – إلى جنوب تدمر. بإتمام عمليات الدائرتين 1 و2، يتحقق تأمين دمشق من ناحية مناطق سيطرة داعش، ومن ثم التركيز على مواجهة الفصائل المدعومة أمريكياً وبريطانياً وأردنياً والعاملة في ريف دمشق وريف السويداء من ناحية الأردن. الدائرة رقم 3 تشمل ريف حمص الشرقي والمحيط الجنوبي الشرقي لمحافظة إدلب، تستهدف العمليات فيها إزاحة داعش من المساحة الممتدة بين محيط تدمر ومحيط السلمية وللسيطرة عليها أبعاد استراتيجية مهمة من حيث احتوائها على حقول للغاز الطبيعي، أبرزها حقل الشاعر الذي تمت السيطرة عليه مؤخراً (في القطاع الملوّن بالأحمر من الدائرة)، إنطلاقاً من المساحة الملوّنة بالأحمر المحيطة بالدائرة تندفع القوات السورية من جنوب السلمية نحو الشمال الشرقي أي نحو الدائرة بهدف تصفيتها، وانطلاقاً من الجزء الملوّن بالأحمر داخل الدائرة (محيط تدمر)، تندفع القوات في اتجاهين؛ نحو السلمية إلى الغرب ونحو إثريا إلى الشمال، ومن المخطط أن تستمر الاندفاعة نحو إثريا وصولاً للدائرة رقم 4 . حال تطويق وتصفية الكتلة الداعشية (باللون الرمادي داخل الدائرة) سيكفل ذلك تأمين شرق حمص بشكل تام، وتدعيم الموقف الميداني في تدمر ومحيطها بما يشكل درعاً غليظاً لمدينة حمص في مقابل ظهيرها الشرقي الصحراوي، أيضاً يكتسب تثبيت السيطرة على المحيط الأوسع للسلمية بعداً استراتيجياً مهماً؛ إذ تسمح كتلة داعش في القطاع الأعلى والأيسر من الدائرة بوقوع الطريق نحو حلب تحت السيطرة النارية لداعش، في ظل كونه طريق الإمداد والاتصال الوحيد مع مدينة حلب والقوات السورية فيها، ومن هنا لن تكفل تصفية الدائرة رقم 3 إزاحة داعش عن محيط حمص فقط بل أيضاً ستكفل تأمين خط الإمداد والاتصال مع حلب على أهميتها الاستراتيجية البالغة. الدائرة رقم 4 تشمل ريف حلب الجنوبي الشرقي، وينطلق الهجوم عليها من خناصر ودير حافر على التوازي باتجاه الطبقة، فضلاً عن الاندفاعة الهجومية القادمة من إثريا، حال تصفية الكتلة الداعشية في الدائرة سيحقق ذلك وضع موطئ قدم ملاصق لمدينة الطبقة، أي مزاحمة "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية الأمريكية التي تستكمل السيطرة على الطبقة طاردة داعش منها (باللون الأصفر في الطبقة ومحيطها)، مما سيؤمن منطلقاً إلى مدينة الرقة من الناحية الجنوبية ومن ثم حضور ميداني في عموم محافظة الرقة في مواجهة مشروع الفدرلة ومنح المحافظة لقوى عربية "سنّية" مدعومة أمريكياً ومعها الأكراد كرادب، من ناحية أخرى، ستحقق التصفية تأمينا لمحيط حلب من ناحية الشرق، وتكريسا لعزل إدلب نهائياً (الدائرة رقم 7) فهي محاصَرة من جهات ثلاث ومغلقةً على الفصائل المدعومة تركياً المرتكزة فيها، ما سيحسن من الموقف السياسي السوري في وضعية ما بعد مناطق وقف التصعيد الأربع. بإتمام عمليات الدائرتين 3 و4، يتحقق تأمين مدينة حمص ومحيطها الأوسع؛ حمص هي أكبر محافظاتسوريا من حيث المساحة، وتمثل نقطة المنتصف بين محافظات الشمال السوري من ناحية ومحافظاتالجنوب من ناحية أخرى، ومن الجوهري قطع أذرع داعش في محيط حمص على اتساعها. الدائرة رقم 5 تشمل المساحة ما بين منطقة سيطرة الجيش في تدمر ومحيطها وبين السخنة، حال الوصول للسخنة سيكون قد نصف طريق تدمر – دير الزور الممتد في قلب البادية السورية تحت السيطرة، وستكفل السيطرة عليها تأمين نقطة انطلاق نحو جهتين من العاجل الانطلاق لهما في ظل التحركات الأمريكية، أولاً نحو مدينة دير الزور معقل داعش والتي تتواجد حولها حامية سورية صامدة، غير قوات الحرس الجمهوري السوري التي تقاتل داعش من جهتها الجنوبية، وثانياً نحو البوكمال على الحدود السورية العراقية وتُعَد معبراً استراتيجياً تحت سيطرة داعش، ومن الأهمية بمكان السعي للسيطرة عليه في إطار تأمين تواجد للدولة السورية على الحدود مع العراق. الدائرة رقم 6 تشمل معبر التنف الحدودي مع الأردن ومحيطه، وهو يحاذي معبر الوليد من جهة العراق، الذي كانت تسيطر عليه داعش حتى أوائل شهر مارس من عام 2015 حين دفعت الولاياتالمتحدة بتنظيم "جيش سوريا الجديد" وقوات تابعة للجيش الحر باسم "قوات الشهيد أحمد العبدو"، إلى طرد داعش من المنطقة والسيطرة على المعبر بغطاء من الطيران الحربي الأمريكي، حوّلت الولاياتالمتحدة منذ أواخر العام الماضي "جيش سوريا الجديد" إلى كيان جديد هو "جيش مغاوير الثورة"، وأضافت له جيش أسود الشرقية ولواء شهداء القريتين، في إطار اتجاه نحو هدف استراتيجي أمريكي مُعلن مؤخراً وهو تشكيل قوى تواجه كل من داعش والدولة السورية وتسيطر على منطقة البادية السورية، فتم الارتكاز الأمريكي والبريطاني في محيط معبر التنف وإنشاء قاعدة عسكرية صغيرة يتم تدريب الإرهابيين فيها وإعدادهم لمحاربة داعش، التي لم تكن في الحقيقة سوى التوغل في العمق السوري أي نحو ريف دمشق ومن ورائه دمشق وفي الريف الجنوبي الشرقي لحمص أي المحيط الجنوبي لتدمر والسخنة.