تكتسب مدينة حمص ومحيطها الأوسع أهمية كبرى في الجغرافيا السياسية لسوريا، فهي أولا تُعَد واسطة العقد الرابطة بين محافظاتسوريا الشمالية (حماة وإدلب وحلب) والمحافظات الجنوبية (دمشق والسويداء ودرعا والقنيطرة)، وهي منتصف الخط الطولي الواصل بريا بين العاصمة دمشق وبين محافظات الشمال، وثانيا تُعَد نقطة انطلاق قريبة إلى محافظات الساحل السوري (طرطوس واللاذقية) الواقعة تحت سيطرة النظام منذ بداية الحرب على سوريا حتى الآن، وثالثا، وهو الأهم في تلك المرحلة من الحرب على الدولة السورية، تمثل حمص منطلقا ميدانيا قريبا وأساسيا نحو الشرق، أي نحو البادية السورية، شرق سوريا التي انطلق فيها تواجد عسكري أمريكي وبريطاني مؤخرا تحت دعوى محاربة داعش، في خطة أمريكية واضحة للسيطرة على قطاع منها يخلو من سيطرة الدولة السورية حتى الآن، ويخلو أيضا من سيطرة حقيقية لداعش. بصفة عامة تتركز داعش في البادية السورية في طرفها الغربي الأبعد، أي محافظة دير الزور، مع سيطرة في محيط تدمر، التي تُعَد "نقطة المركز" لتلك البادية ويسيطر عليها الجيش العربي السوري حاليا، وامتدادان متفرقان من السيطرة في المحيط الواسع للبادية انطلاقا من محيط تدمر، أحدهما نحو الشمال الغربي في اتجاه حماه وداخلها، والآخر نحو الجنوب الغربي في اتجاه دمشق . (انظر الخريطة أسفله) . شن الجيش العربي السوري هجوما من 3 محاور انطلاقا من شرق حمص سيطر به على عدد من النقاط والبلدات شمل "جباب حماد والتدمرية ورجم القصر والخليلية"، وأسفر أيضا عن سيطرته على تل مرتفع استراتيجي هو "تل الأعلام"، مما سيؤمن له سيطرة نارية على مساحة كبيرة خلال استمرار الهجوم، وسيمثل، بالإضافة لتأمين البلدات المحررة والارتكاز فيها، تأمينا لطريق الإمداد الواصل بين حماه وحلب الذي يعبر مدينة "السلمية" ويؤمن الاتصال بين قوات الجيش في المحافظتين ومحيطهما. يكفل الهجوم، الناجح تماما حتى الآن، سد الفجوة بين قوات الدولة السورية في تدمر ومحيطها ومثيلتها في مرتكز حمص الكبير ومحيطها، تمهيدا لتحرير بلدة "الحويسس" الهامة الواقعة في ريف حمص الشرقي وجبل "أبو ضهور" المحاذي لها، مما سيفتح الباب للسيطرة على حقل "بيلاس" للغاز الطبيعي الواقع بين "الحويسس" و"السلمية"، بعد أن سيطر الجيش العربي السوري على حقل "الشاعر" الضخم غزير الإنتاج في مثل هذه الأيام من العام الماضي مع 5 حقول محيطة به في محيط تدمر، أيضا يتيح هجوم ريف حمص الشرقي بالشكل والتسارع الحاليين تأمين الريف الشرقي لحماة وبالتالي خلق عازل بين قوات داعش ونفوذها وبين محور "حمص – حماة – إدلب" الطولي الذي باتت إدلب محصورة ً في إطاره الآن، مع ارتكاز الإرهابيين فيها بموازاة سيطرة شبه كاملة للدولة السورية على باقي مناطق هذا المحور باستثناء "جيب" محاصَر في محافظة حماه للفصائل الإرهابية المدعومة تركيا، جرت محاولات مستميته لتوسيعه وتطوير هجوم كاسح منه منذ حوالي شهر، وباءت المحاولات بفشل كبير وخسائر جمّة . (انظر الخريطة أسفله) . من جانب آخر، يأتي الهجوم بطبيعته المتسارعة والكبيرة في إطار "التسابُق" نحو محافظة الرقة معقل داعش، أو بمعنىً أخص وأقرب، نحو مدينة الطبقة – المدخل الجنوبي لمحافظة الرقة – التي دخلتها "قوات سوريا الديموقراطية" الكردية المدعومة أمريكيا منذ ساعات، وتشرع في طرد داعش منها حاليا، ويفتح الانحسار الداعشي عن الطبقة الباب لعزل داعش داخل الرقة، ولا سيما مع هجوم ريف حمص الشرقي الذي نتناوله الآن، كما أن المرحلة القادمة التي يمهد لها الهجوم هي ربط القوات السورية المنفذة له ومن خلفها المرتكز السوري في تدمر، بمثيلتها في إثريا وخناصر جنوبيّ شرق حلب، مع انطلاقة متوازية للقوات السورية من خناصر ودير حافر في اتجاه الطبقة ستكفل للجيش السوري الوصول إلى حدود الطبقة، ومن ثم مشاركته في المعادلة السياسية التي يفرضها استيلاء الأكراد على الطبقة منفردين بها بدعم وتسليح من الولاياتالمتحدةالأمريكية وقواتها. في المشهد النهائي، من المنتظَر أن يتحقق تأمين حمص ومحيطها من داعش بشكل تام، وحصر سيطرة داعش على المحيط الجنوبي للطبقة والرقة.. حصر إذا ما أضفناه إلى خروجها المرتقَب من الطبقة وإزاحتها من محيط حمص الشرقي سنصل إلى انقطاع أوصالها عن معقلها في الرقة شمالا، وانحسار أذرعها الممتدة نحو حمص شرقا، ومن ثم ستكون مجموعات داعش في منتصف البادية السورية تقريبا بلا خطوط للإمداد والاتصال مع مرتكزاتها ما عدا دير الزور، وبلا إمكانية لمهاجمة المحافظات الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية . (انظر الخريطة أسفله) في الهجوم استخدم الجيش العربي السوري وقواته الرديفة والحليفة تكتيك "القضم" الذي ميّز أداءه العسكري، منذ التحول الكبير في فلسفته القتالية منذ سنوات، والذي كفل العمل به تحرير مناطق واسعة من الأراضي السورية بشكل تدريجي وعلى المدى الطويل، كان أبرزها مدينة حلب وأغلب محيطها، والتي استغرق تحريرها عدة أشهر قامت فيها القوات السورية بتطويق رؤوس ارتكازات القوات المعادية وعزلها، ثم الإطباق عليها فالانطلاق نحو مركزها لتصفيته، مع استخدام للهجومات "المتوازية" على أكثر من جبهة ومن أكثر من جهة لتحقيق وإنجاح فكرة "الإطباق" والتصفية.