تحول أول أبريل من مناسبة تذكر المجتمع بمسؤوليته تجاه الأطفال الذين حرموا من حنان الأب والأم، إلى مجرد يوم احتفالي روتيني تتسابق فيه المؤسسات ودور الرعاية في ابتزاز المشاعر الإنسانية للحصول على أكبر قدر من التبرعات المالية للأيتام، وبدلًا من توفير الجو الأسري للأطفال، تلخص الأمر فيرصيد بنكي يتضخم دون تقديم أي خدمات حقيقية للأطفال، بل لا يلقون سوى التعذيب والانتهاكات التي تظهر يوميًّا من خلف هذه الأبواب المغلقة. قرابة مليوني ونصف المليون طفل، بحسب مصادر وزارة التضامن، يسكنون دور الأيتام بنوعيها العام والخاص في محافظات مصر كافة، ويعانون مرارة التهميش وعدم الأمان، ويطاردهم شبح التشرد وعذاب انتظار المصير المجهول، ويبقى السؤال: ما الذي يحتاجه الأطفال في يوم اليتيم حتى لا يصبحون مجرد ذكرى احتفالية فقط؟ قالت أميرة الحكيم، المدير التنفيذي للمؤسسة القانونية لمساعدة الأسرة وحقوق الإنسان: يوم اليتيم تحول إلى مناسبة احتفالية يتهافت عليها نجوم المجتمع في توزيع الهدايا على الأطفال الأيتام في هذا اليوم فقط، بينما تظل معاناتهم طوال أيام العام، ونرصد يوميًّا الانتهاكات الجنسية والتعذيب بدور الرعاية، وهو ما يعكس غياب الرقابة الفعالة من جانب وزارة التضامن الاجتماعي المسؤولة عن الإشراف على هذه الدور. وأضافت في تصريحات خاصة ل«البديل» أن رعاية الأيتام جزء من المسؤولية المجتمعية للدولة، ويجب توفير الإمكانيات كافة للنهوض بدور الرعاية؛ سواء المادية أو اللوجيستية، خاصة أن وقائع الانتهاكات لم تقتصر فقط على الدور التابعة للمجتمع الأهلي، بل كانت داخل دور رعاية لوزارة التضامن الاجتماعي مثل مؤسسة أبو أتاتة. وأكدت ضرورة اختيار مشرفين وإخصائيين اجتماعيين مؤهلين للعمل مع الأطفال الأيتام، وما يحدث الآن هو مجرد تعيين موظفين غير مؤهلين، بل تجبرهم ظروفهم الاقتصادية الصعبة على الجمع بين أكثر من فترة للعمل داخل الدار، ومن ثم عدم الاهتمام برعاية الأطفال، مشيرة إلى ضرورة الرقابة المستمرة من جانب وزارة التضامن الاجتماعي على هؤلاء المشرفين، وتؤهلهم باستمرار من خلال عقد دورات تدريبية وتوفير أجور عادلة لهم؛ حتى يتمكنوا من القيام بدورهم في دار رعاية واحدة ومتابعة الأطفال بدقة. وأضافت الحكيم أن التدهور الذي تشهده دور الرعاية الآن أصبح يشكل قنبلة موقوتة، حيث يصدر أطفالًا مجرمين ومتعاطين للمخدرات، نتيجة الإهمال في تربيتهم. وعن المخصصات المالية لدور الرعاية الاجتماعية، قالت الحكيم: هناك ضعف حقيقي فى هذه المخصصات، ومن ثم ينعكس على عدم توفير متطلبات الأطفال الأساسية من توفير الرعايةالصحية والخدمات التعليمية والترفيهية، فضلًا عن غياب التطبيق لأي من الإجراءات التي تضمن جودة الرعاية للطفل أو حمايته من الاستغلال والإهمال. وأضافت أنه في المقابل تحولت بعض دور الأيتام إلى مجرد واجهة وسبوبة للحصول على التبرعات دون إنفاق حقيقي لهذه الأموال على الأطفال ورعايتهم؛ بسبب غياب الرقابة الدورية من الجهات المسؤولة. وطالبت الحكيم بضرورة تفعيل دور المجلس القومي للطفولة والأمومة، مؤكدة أن زيادة أعداد الانتهاكات ووقائع الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال، سواء داخل دور الرعاية أو خارجها، يعكس غياب هذا المجلس، وتحوله إلى مجرد إدارة من إدارات وزارة الصحة، وبعد أن كان مسؤولًا عن رسم السياسات الحمائية للأطفال بمصر ومتابعة تنفيذها أصبح مجلسً بلا صلاحيات. وتساءلت الحكيم: أين دور لجان الحماية العامة والفرعية التي ينص عليها قانون الطفل 126 لسنة 2008 والتي يجب أن تقوم بدورها في المحافظات والأحياء والقرى كافة، مؤكدة ضرورة التعاون بين المجتمع المدني وجمعياته العاملة في مجال حقوق الطفل مع وزارة التضامن والمجلس القومي للطفولة والأمومة؛ من أجل تفعيل الرقابة على دور رعاية الأيتام والمشاركة في اختيار العاملين المؤهلين في هذه الدور قبل تعيينهم؛ لضمان حماية الأطفال وخفض معدلات الانتهاكات. من جانبها تقول إلهام عيد، مدير تنفيذي لجمعية مكةالمكرمة لرعاية الأطفال الأيتام سابقًا، أن أبرز سباب إهمال دور الرعاية يعود لغياب دور الدولة، موضحة أن علاقة أي دار رعاية للأيتام بوزارة التضامن الاجتماعي هو الدفتر الورقي الذي يوضح المصروفات والأنشطة وحسابات التبرعات، أي أن الدولة تهتم فقط بالإشراف المادي دون الاهتمام بالرعاية الصحية والتعليمية والنفسية التي يحظى بها الطفل. وكشفت عيد في تصريحات خاصة ل«البديل» أنه من خلال خبرتها في العمل الإداري، هناك بعض المفتشين يخبرون المسؤولين بدور الرعاية عن مواعيد تفتيشهم، ومن ثم تنظف إدارة الدار الثلاجات وحجرات الإقامة وملابس الأطفال، بل يحصل بعض المفتشين على رشاوٍ لكتابة تقارير إيجابية عن دور الرعاية التي يزورونها. واقترحت عيد ضرورة تركيب كاميرات مراقبة داخل دار الرعاية، ومن ثم ترصد تلك الكاميرات ما يحدث من المشرفين والموظفين تجاه الأطفال بشكل مستمر، فضلًا عن توعية الأطفال بحقوقهم وواجباتهم، وفتح حوار مستمر معهم من جانب إدارة الدار لمعرفة ما إذا كانوا يتعرضون لانتهاكات أو ضرب من جانب المشرفين أم لا. وقالت داليا صلاح، مديرة المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة بالإسكندرية: دور رعاية الأيتام أصبحت واجهة لابتزاز الأغنياء وجمع التبرعات دون صرفها في الاتجاه الصحيح على الرعاية الصحية والتعليمية للأطفال، بل يتم استغلال الأطفال داخل دور الرعاية في التنظيف والصيانة وغيره من الضرب والسب، فضلًا عن الانتهاكات الجنسية. وأضافت في تصريحات خاصة ل«البديل» أن العاملين بدور رعاية الأيتام غير مؤهلين، ويضاعف الإشراف الروتيني من قِبَل وزارة التضامن الاجتماعي من إهمالهم، حيث يقتصر غالبًا على الجانب المالي والإداري. واقترحت تعاون المجتمع المدني مع وزارة التضامن لإحكام الرقابة والمتابعة والتقييم لدور رعاية الأيتام، والخروج بتقارير دورية عن حالة كل دور وتنفيذها برامج وأنشطة اجتماعية ونفسية وترفيهية للأطفال.