هلل رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، بشكل كبير لرؤية الرئيس رجب طيب أردوغان مكلفًا بالمهام الرئاسية حتى عام 2023، وقت إتمام الجمهورية التركية 100 عام، معتقدًا أن تركيا ستصبح قوية وذات نفوذ كما كانت الإمبراطورية العثمانية في أوجها. في ظل أصعب الظروف، لا يمكن لتركيا أن تحقق حلم أردوغان بعيد المنال، لأنه لم يكمل عمله كما بدأ، حيث الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والقضائية والتطورات الاقتصادية، فقد فعلها فقط في أول تسع سنوات قضاها في السلطة، وحينها كانت تركيا بالفعل لاعبًا رئيسيًّا على الساحة العالمية وقوة إقليمية. للأسف تخلى أردوغان عن كثير من الإصلاحات الديمقراطية الرائعة التي كان بطلًا لها، وبدأ في تفكيك ركائزها، ويحاول تكديس سلطاته بشكل غير مسبوق، وتحويل تركيا من دولة ديمقراطية إلى استبدادية، وضمان أن لديه الكلمة الأخيرة في كل أمور الدولة. لم يلتزم أردوغان بالشكل الديمقراطي للحكومة، والإصلاحات التي قام بها خلال أول تسع سنوات في السلطة، تلك الإصلاحات التي كان الاتحاد الأوروبييريدها لضم تركيا إليه. مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة التركية الحديثة في عام 1923، يتخذه أردوغان مثله الأعلى، حيث قاد الأمة بيد من حديد، وتجاهل الفصل بين السلطات، إلا أنه أقام دولة علمانية غربية ديمقراطية، في حين أن أردوغان يذهب في الاتجاه المعاكس. يتحرك أردوغان بثبات لإنشاء دولة دينية ومحو صورة أتاتورك، الذي يحظى بمكانة كبيرة عند معظم الأتراك، وهو يعرض نفسه على أنه من يقود بعزم، ويسعى في نهاية المطاف إلى استبدال نفسه مكان أتاتورك، وبالتعديلات الدستورية الأخيرة سيحظى بسلطات أكبر من التي كانت لدى أتاتورك. ومع تنامي شعبيته الاقتصادية استطاع اردوغان أن يظهر بصورة الزعيم "الأب" القوي الحازم لتركيا الجديدة، وبدهاء اختار التركيز على الوعي الإسلامي للشعب التركي لقيادة البلاد إلى العظمة. يصمم أردوغان على أن تركيا ستكون من بين أقوى عشر دول اقتصاديًّا، ويمتد نفوذها من الشرق إلى الغرب، وتعود الإمبراطورية العثمانية بحلول ذكرى مرور مائة عام على إنشاء الجمهورية التركية. ولإدراك رؤيته الكبرى، اتخذ أردوغان عدة تدابير لتعزيز سلطته المطلقة. في البداية مهد الطريق لنفسه، وبدأ التهميش الكامل والقضاء على أي شخص داخل وخارج حزب العدالة والتنمية الحاكم، وشكك فيمن لا يؤيد سياسته، ولجأ إلى نظرية المؤامرة مع خصومه السياسيين، ووصفهم بأعداء الدولة، حتى إنه تخلص من صديقه داود أوغلو، وأبعده عن الحكومة. احتاج أروغان لشخصية "الجاني"؛ ليصبح هو كبش الفداء، حيث استخدم حركة فتح الله جولن ليوفر غطاء ودليلًا على وجود فساد هائل، واتخذها مبررًا لشن إجراءات صارمة ضد العديد من الكيانات الاجتماعية والسياسية والمؤسسية، وإسكات الإعلام، والسيطرة على السلطة القضائية، وإخضاع الجيش. وفي أعقاب محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016 زود ذريعة الجاني، وتخلص من عشرات الآلاف من الأكاديميين وغيرهم، ليسمح لنفسه بفرض السيطرة الكاملة على قطاعات الدولة. يصور أردوغان للأتراك أن التعديلات الدستورية الجديدة ستعيد تركيا إلى القيادة وتحيي الإمبراطورية العثمانية، وحدد موعد الاستفتاء في 16 إبريل المقبل. خلق رمز العثمانية أحد الأمور التي يستغلها أردوغان، حيث الرؤية العظيمة التي يرغب في نشرها في الوعي العام، وظهر ذلك في قصره الذي بناه ليمكث فيه، ذي التكلفة الباهظة، وبدأ بناء المساجد في ساحة تكسيم، موقع أشرس احتجاجات ضده، على الطراز العثماني، حتى الأجهزة المستخدمة لعزف النشيد الوطني تم تصميمها مشابهة للعصر العثماني، والهدف من ذلك تلقين الشعب بطريقة مموهة بالفترة العثمانية. يحاول أردوغان من خلال سياسته الخارجية تأكيد الدور العثماني، ويظهر ذلك بشكل كبير في سياسته مع قبرص والعراق، فهو عازم على تطبيق شروطه، وفي سوريا يدعم المقاتلين الأجانب ضد حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، ويحاول إيقاف الأكراد السوريين من التقدم، خوفًا من مطالبتهم بمنطقة حكم ذاتي. ابتعد أردوغان عن سياسة صفر مشاكل مع الجيران، وبدأ في المشاكل مع الاتحاد الأوروبي، واستخدام عضويته في حلف الناتو كدليل على العظمة. للأسف أردوغان، الذي ينظر إليه على أنه البطل من قبل نصف الشعب التركي، يقود البلاد إلى مسار خائن. لدى تركيا وشعبها الموارد والإبداع والمؤسسات لجعل بلادهم قوة كبيرة، وقد أظهر أردوغان هذه القدرة الخارقة للأتراك، وربما كان يمكن وصفه على أتاتورك العصر الحديث حال استمراره في الإصلاحات وخلق نموذج حقيقي للديمقراطية الإسلامية. ما عجل بانهيار الامبراطورية العثمانية هو الانحطاط السياسي الداخلي، والتعسفية في ممارسة السلطة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي بنيت عليها هذه الإمبراطورية. إذا أراد أردوغان إحياء الإمبراطورية العثمانية، فسيفشل؛ لأنه لا دولة تعيش بمفردها لتصبح عظيمة، دون شعب أو حكومة أو حرية أو حلم. جلوبال ريسيرش