تحل علينا اليوم الذكرى 27 على رحيل الكاتب الروائي إحسان عبد القدوس، الذى ترك خلفه ما يقرب من 600 عمل أدبي، تحول 70 منهم إلى أعمال سينمائية ودرامية، فيما ترجمت معظم رواياته إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية. يعتبر أدب إحسان عبد القدوس نقلة في تاريخ الرواية العربية، حيث عالج من خلال روايته الفساد الذي انتشر في المجتمع المصري والبحث عن الحرية ومزج الحب بالواقع ومحاربة الموروثات الخاطئة من أجل مجتمع أفضل، فرسم الشخصيات بكل تفاصيلها، تشعر كأنها لحما ودماً. عرف بجرأته في مناقشة القصص العاطفية، وابتعد عن أشكال الحب النمطي المتعارف عليها، فتناول حب الجنس والشهوات وانعدام الأخلاق، ليكسر كل التابوهات في "النظارة السوداء، بائع الحب، صانع الحب"، ما أحدث حوله جدلا كبيرا في المجتمع الذي كان يرفض مناقشة مثل هذه الموضوعات. عبد القدوس أحد أهم الكتاب العرب في القرن العشرين، فكان نهرا أدبيا على مدار ستة عقود، ولد في 1 يناير عام 1919، والدته الصحفية روز اليوسف ووالده محمد عبد القدوس، المهندس بالطرق والكباري، رغم فشله أن يصبح محاميا بعدما تخرج في كلية الحقوق، لكنه نجح أن يكون أحد أعلام الثقافة والأدب في الوطن العربي. وتوفى فى الثانى عشر من يناير، عام 1990 عن عمر يناهز 71 عاما، وفي ذكرى وفاته نذكر بعض الأعمال التي قدمها إحسان عبد القدوس فى السينما، وأحدثت جدلا من قبل النقاد، فكان يكتب للناس ولا يهتم بما يقال عنه، فقد حاول نقل الواقع بكل موضوعية دون تزييف، وخاض العديد من المعارك مع الرقابة على المصنفات الفنية بسبب قصصه ورواياته، فكانت بداية التدخل في القصص وتعديلها مع إحسان عبد القدوس عام 1950. البنات والصيف تدخلت الرقابة لتعديل نهاية الفيلم بإنتحار مريم فخر الدين كنوع من العقاب لأنها أقدمت على خيانة زوجها، هو ما كان مغاير تماماً للقصة الحقيقة التي كتبها، كما سجل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اعتراضه على هذه الرواية، التي نشرت في مجلة "روزاليوسف"، فأرسل إحسان عبد القدوس رسالة إليه يوضح أن القصص من وحي الواقع، رصدها أملاً في وجود حلول لها. نص رسالة إحسان إلى جمال عبد الناصر "أبلغني صديقي الأستاذ هيكل رأي سيادتكم فى مجموعة القصص التي نشرتها أخيرًا بعنوان "البنات والصيف"، وقد سبق أن أبلغني نفس الرأى السيد حسن صبرى مدير الرقابة واتفقت معه على تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي، ورغم ذلك فإنني أريد أن أشرح لسيادتكم الدافع والهدف اللذين يدفعاني إلى كتابة قصصي لا دفاعًا عن نفسي بل فقط لأكون قد أبلغتكم رأيي. أنا لا أكتب هذه القصص بدافع الربح المادي، فإننى ما زلت أقل كتاب القصة ربحًا، ولا أكتبها بدافع الرغبة في رفع توزيع المجلة، فقد كنت أكتب هذه القصص في الوقت الذي لم تكن المجلة في حاجة إلى رفع توزيعها، وقبل الثورة وعندما كنت أكتب في قضية الأسلحة الفاسدة وأثير حملاتي على النظام القائم، وكان عدد روزاليوسف يباع بعشرين قرشًا (10 أضعاف السعر).. في نفس الوقت كنت أكتب قصة «النظارة السوداء» وأنشرها مسلسلة، وهى قصة تصور مجتمع المتمصرين تصويرًا صريحًا جريئًا. وإذا كان رفع توزيع المجلة يعتمد على نشر القصص المسلسلة، فإن القصص الاجتماعية الصريحة ليست وحدها التي ترفع التوزيع، وقد سبق أن نشرت فى روزاليوسف قصة «في بيتنا رجل»، وهى قصة وطنية خالصة ليست فيها مشكلة حب ولا مشكلة جنس، ورغم ذلك فقد رفعت هذه القصة من توزيع المجلة أكثر مما رفعته «قصة لا أنام» مثلًا التي تدور حول مشكلة عاطفية، وذلك كما هو ثابت فى كشوف توزيع المجلة. فأنا لا أتعمد اختيار نوع معين من القصص أو اتجاه معين، ولكن تفكيري في القصة يبدأ دائما بالتفكير فى عيوب المجتمع، وفي العقد النفسية التي يعانيها الناس، وعندما انتهى من دراسة زوايا المجتمع أسجل دراستي في قصة، وكل القصص التي كتبتها كانت دراسة صادقة وجريئة لعيوب مجتمعنا، وهى عيوب قد يجهلها البعض، ولكن الكثيرين يعرفونها، وهي عيوب تحتاج لجرأة الكاتب حتى يتحمل مسؤولية مواجهة الناس بها، ومنذ سنين عديدة وجدت في نفسي الجرأة لتحمل هذه المسؤولية." لا أنام كما تدخلت الرقابة لتعديل نهاية فيلم "لا أنام" بحرق فاتن حمامة كعقاب لأنها كانت فتاة شريرة، رغم خلو القصة الأصلية من هذه النهاية، والفيلم من إخراج صلاح أبو سيف وبطولة فاتن حمامة وعمر الشريف، وصنف ضمن قائمة "أفضل الأفلام المصرية" التي وضعها المجلس الأعلى للثقافة. ولم ينته تدخل الرقابة عند هذا الحد، بل تم تصنيف الفيلم ضمن قائمة "للكبار فقط" وعدم السماح لمن هم دون سن 16 عاما بمشاهدة الفيلم، وعلقت لافتات على دور السينما بالقاهرة "للكبار فقط"، ومنع رجال الشرطة من يرون أنه لا يبلغ السن القانوني، بسبب القبلة التي طبعها الفنان عماد حمدي على شفتي فاتن حمامة. الطريق المسدود يحكي الفيلم قصة "فايزة" التي نشأت في أسرة مات عائلها ولم يترك لهم شيئا، وتحاول الفتاة النجاة من هذا العالم، إلا أنها محاولات يائسة بعد أن انخرطت الأم والابنتين في عالم الانحلال والدعارة واللهو والعبث، لكن فايزة ترفض كل هذا وتحاول مواجهة العالم الأليم، واختيار طرق آخر شريف رغم كل المغريات التي تواجهها. أنتج الفيلم عام 1958 للمخرج صلاح أبو سيف وبطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وشكري سرحان، وكان تدخل الرقابة في تعديل نهاية الفيلم بأن تتزوج البطلة في النهاية بدلاً من الانتحار. ياعزيزي كلنا لصوص رفضت الرقابة اسم الفيلم بحجة أنه يشير إلى أن كل البلد لصوص، كما سجلت وزارة الثقافة اعتراضها على الفيلم، وتم إيقافه لمدة سنتين إلى أن تم الموافقة عليه بعد ذلك، والفيلم إنتاج عام 1989 من بطولة محمود عبد العزيز وليلى علوى وسعيد صالح ومريم فخر الدين، للمخرج أحمد يحيى. تدور أحداث الفيلم حول الحجز على قصر والد مرتضى السلاموني الذي كان وزيرًا، فتتخلى عنه زوجته، ما يدفعه إلى الإقامة في المنزل الريفي الذي تملكه عائلته، ويحاول البحث عن عمل لدى عبدالله بهنس، لكنه يطرده، ويقرر مرتضى الانتقام من عبد الله عن طريق التعاون مع ثلاثة لصوص يتزعمهم محروس من أجل سرقة أوراق مهمة يملكها بهنس لكي يبتزه بها. حتى لا يطير الدخان رفضت الرقابة قصة الفيلم بشكل تام، ما دفع المنتج للتخلي عن الإنتاج، لكن المخرج أحمد يحيى لم ييأس ودخل في معارك مع الرقابة، واستأنف عند لجنة التظلمات، وكانت معركة طويلة حتى تم الموافقة على الفيلم، وعرض الفيلم فى 1984. الفيلم من بطولة عادل إمام، سهير رمزي، أحمد راتب، نادية أرسلان، سناء شافع، فكري أباظة، وتدور أحداثه حول "فهمي عبد الهادي" طالب ريفي متفوق بكلية الحقوق، أحلامه بسيطة وتعاملاته يغلب عليها المثالية والنقاء، يصطدم بالواقع المرير حينما يفقد أمه بحثا عن ثمن علاجها في الوقت الذي يرى زملاءه ومن حوله يصرفون ببزخ ويسخرون من فقره بل يرفضون مساعدته لعلاج والدته في الوقت الذي يعمل لخدمتهم، فيقرر التخلي عن المثالية والانتقام من جميع من خذله وهو فقير يصل للقمة من حيث المال والنفوذ بطرق غير مشروعة وينتقم من الجميع بلا رحمة بدم بارد، يقرر الزواج ممن وقفت بجانبه رغم فقرها وقلة حيلتها، لكنه يموت يوم الزفاف ويمنحها جميع ثروته.