ودعناه ولم يودعنا. تحدى بسيرته كل محاولات الاحتلال تشطير الوطن إلى طوائف وفصائل، واستغرقنا نحن في التشرذم والتشظي حتى الدم. حمل السلاح وهو رجل الدين وتركناه ونحن أبناء الدنيا. صعد إلى الملكوت غداة القيامة بعد أن أدى الأمانة، وقبعنا نحن في بيوتنا ننتظر القيامة بعدما فرطنا في كل شيء وكل قيمة. كابوتشي مطران القدس، 4 سنوات في الأسر الإسرائيلي بتهمة تهريب السلاح للمقاومة و43 في المنفى داعية لقضيتها، و94 عاما مديدة عامرة بحياة لم يُضعها في العيش الآمن المبتور من كل معنى. ساعد المقاومة في تهريب السلاح وهو مطران الروم الكاثوليك بالقدس، فضبطته سلطات الاحتلال متلبسا بالفعل النبيل في 8 أغسطس 1974.. 4 رشاشات كلاشنيكوف ومسدسان وقنابل يدوية ومتفجرات بلاستيكية، تلك حصيلة ما خبأه كابوتشي في سيارته، بعد أن قادها بنفسه لتسليمها إلى المسئول الفتحاوي، لكن الاحتلال تلقى معلومات استخباراتية تفيد بتعاونه مع المقاومة فأُلقى القبض عليه وصدر ضده حكما بالسجن 12 عاما قضى منها 4 سنوات لينفى بعدها، بوساطة بابا الفاتيكان، إلى روما. بعد انتزاعه من فلسطين لم يتعطل المطران عن المقاومة، فجاب العالم يحمل لا مسدسات وقنابل هذه المرة بل بلاغة وبيان يحرر بها القضية، وينشر دفوعها بسعة العالم، وفي العام 2009 أبحر على سفينة الحرية عائدا إلى فلسطين ملبيا استغاثة غزة المحاصرة، فاعترض طريقه قراصنة البحر واليابسة معا، وأعادوه إلى منفاه.. نعم لم يغير المطران الكاثوليكي العالم بما بلغه من سعار وازدراء لكل قيمة لكن العالم لم يغير المطران أيضا، وفي هذا نصر عز على أبناء القضية وأبناء العرب عامة، بعد أن أصبح الواحد منهم لا يشغله على مدار اليوم سوى رغيف خبز آدمي ولحظة آمنة يختبىء داخلها من أيام وسنين خوف. اقترح على أبناء فلسطيننا أن يسموا سنة 2017 التي رحل المطران كابوتشي على رأسها باسمه، ولترسي فصائل المقاومة رسالته التي أبغضها الاحتلال، وبسببها لم يُسمح للمطران يوما بالعودة إلى وطنه حتى لو محاصرا أو تحت الإقامة الجبرية؛ لأن وجوده وحده ينشرها في أجواء فلسطين ويعبر بها إلى شتى أرجاء المعمورة، رسالة أن فلسطين نسيج واحد وإن اختلفت ألوانه بين طوائف وفصائل، وأن المسجد الأقصى وإن كان مبتدأ القضية فالكنيسة المسيحية خبرها، وأن المصالحة خير للقضية من التناحر باسمها، وبغير ذلك فهي الهزيمة موزعة بين فصائل وطوائف عاجزة حتى اليوم عن نقل المصالحة من الورق إلى أرض مبقورة بطنها مقطعة الأشلاء بين أبناءها…رحم الله فقيد القضية ومطرانها.. [email protected]