أثار تراجع الرئيس الجامبي يحيى جامع عن اعترافه بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي لقي فيها هزيمة صاعقة، بفوز أداما باور ممثل المعارضة الجامبية، جدلًا واسعًا على الصعيد الدولي، فبعد اعترافه بالنتيجة بأقل من أسبوع، خرج جامع ليشكك في نزاهة الانتخابات، مبررًا ذلك بحدوث أخطًاء في عملية الفرز، في حين أبدت أمريكاوالسنغال استياءها إزاء هذا الرفض، ووصفته بالمحاولة الفادحة لتقويض ديمقراطية الحكم. ما هي جامبيا؟ جغرافيّا جمهورية جامبيا إحدى دول الغرب الإفريقي، وهي أصغر دولة في البر الرئيسي للقارة، ويحدها من الشمال والشرق والجنوب السنغال، ويخترقها نهر جامبيا، الذي يصب في المحيط الأطلسي، الذي يحد البلاد من الغرب. نالت استقلالها من المملكة المتحدة عام 1965 كملكية دستورية داخل نطاق الكومنولث البريطاني، وتولي داودا جاوارا من حزب الشعب التقدمي رئاسة الوزارة على رأس نظام ديمقراطي يطبق التعددية الحزبية، وفي عام 1970 أصبحت البلاد جمهورية، وتولى جاوارا رئاستها، وفي عام 1981 وقعت محاولة انقلابية تم إحباطها بمساعدة السنغال، وتشكل بعد ذلك اتحاد لفترة قصيرة بين جامبيا والسنغال، أطلق عليه اسم سينيغامبيا، وذلك في الفترة بين 1982 1989، وفي عام 1991 وقعت الدولتان معاهدة تعاون وصداقة بينهما. في عام 1994 حدث انقلاب عسكري، أسقط الرئيس، وأوقف النشاط السياسي، ولكن دستور عام 1996 والانتخابات الرئاسية التي تلاها اقتراع برلماني عام 1997 قاما باسترجاع اسمي للوضع المدني. يبلغ عدد سكانها أقل من مليوني نسمة، وتعتبر وجهة هامة ومميزة للسياح الأوروبيين؛ وذلك نظرًا لأنها تطل على ساحل المحيط الأطلسي. تشتهر جامبيا بالانقلابات، ففي عام 2006 خلال حكم الرئيس يحيى جامع تعرضت الدولة مرة أخرى لمحاولة انقلاب، قادها رئيس الأركان السابق العقيد "ندوري تشام"، ولكنها باءت بالفشل، وفي 30 ديسمبر من عام 2014 تم إحباط محاولة انقلاب على نظام الحكم، وذلك استغلالًا لغياب الرئيس، الذي كان في زيارة بالخارج، وتم قتل ثلاثة من منفذي العملية واعتقال محرك الحملة. كيف صعد يحيى جامع للحكم؟ تمكن يحيى جامع من الوصول إلى الحكم الجامبي بانقلاب عسكري، أطاح بنظام الرئيس داوودا جاورا، ثم منح نفسه ترقية من رتبة ملازم إلى عقيد في الجيش؛ على اعتبار أنه المخلص والمنقذ من حالة الفوضى، وبذلك أصبح الحاكم الثاني للبلاد منذ استقلالها عام 1965، والذي كان يبلغ حينها من العمر 29 عامًا فقط. أوقف جامع النشاط السياسي، إلى أن وضع دستورًا جديدًا للبلاد في عام 1996، ثم انتخابات رئاسية في نفس العام الذي فاز فيه جامع؛ ليتحول إلى الوضع المدني في البلاد. تصفه القوى الغربية بأن عهده لم يكن فيه مساحة لحرية الرأى أو التعبير، وفي كل فترة تخرج تقارير غربية تقول بأن حكمه يتسم بالتعذيب والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية، كما وجهت له اتهامات حقوقية متعددة من المنظمات الدولية، لكن من الناحبية الأخرى دائمًا ما يعدد هو ومؤيدوه الكثير من الإنجازات التي قيل إنها نفذت في عهده، حيث يقول جامع في السابق إنه اخترع علاجًا من الأعشاب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وبتاريخ 11 ديسمبر 2015 أعلن الرئيس يحيى جامع تحويل دولته إلى جمهورية إسلامية، في خطوة قال إنها تهدف إلى تخليص بلاده بشكل أكبر من ماضيها الاستعماري، معتبرًا أنه طالما المسلمون يمثلون الأغلبية في البلد (90٪)، فإن جامبيا لا تستطيع "مواصلة الإرث الاستعماري". اشتهر الرئيس الجامبي منذ توليه الرئاسة بإصداره إعلانات وصفها الكثير بالمفاجئة، منها سحب بلاده من الكومنولث عام 2013، واصفًا إياه بأنه استعمار جديد، كما أعلن في 2014 حظر اللغة الإنجليزية كلغة رسمية، معتبرًا أنها «إرث استعماري». لماذا شكلت هزيمة جامع مفاجأة للجميع؟ شكل التصويت ضد جامع تعبيرًا نادرًا عن التحدي لرئيس حكم فعليًّا الدولة منذ ما يقارب 22 عامًا بقبضة حديدية، فمثل اعتراف جامع بالنتيجة المباشرة ذهولًا لدى الأغلبية، خاصة وأنه نادرًا ما تتحول الدول الإفريقية ديمقراطيًّا، ويسلم فيها الحكام السلطة بطريقة سلمية وبدون عنف، وبالتالي فوجود رئيس مثل جامع لمدة 22 عامًا، بالإضافة إلى تصريحاته بتمسكه بالحكم لمدة مليار عام، وإعلانه بأن الله هو من أعطاه الحكم، وأنه واثق بأنه لن ينزعه عنه الآن، يوحي بأن شخص جامع لا يقبل بنتيجة الانتخابات، وهو ما حدث بعد اعترافه بالنتيجة بأسبوع، عندما أعلن أنه رافض للانتخابات وأنها غير نزيهة. لماذا تراجع جامع عن الاعتراف بهزيمته؟ برر جامع رفضه للانتخابات بقوله "كما أعلنت بولاء قبولي للنتائج معتقدًا أن اللجنة الانتخابية مستقلة ونزيهة وجديرة بالمصداقية، أرفض الآن النتائج بأكملها"، مشيرًا إلى "أخطاء غير مقبولة" ارتكبتها السلطات الانتخابية، متهمًا القائمين على الانتخابات بعدم الحيادية والانحيار بقوله: "سنعود إلى صناديق الاقتراع؛ لأنني أريد التأكد من أن كل جامبي يصوت تحت سلطة لجنة انتخابية غير منحازة ومستقلة وحيادية، ولا تخضع لأي تأثير أجنبي". من هو باور الرئيس المنتخب؟ أثبت أداما باور أنه معارض قوي يستند إلى تحالف معارض ودعم غربي واسع، حيث عمل على تشكيل ائتلاف من ثمانية أحزاب تدعم منافسًا واحدًا في الانتخابات التي جرت في الأول من ديسمبر، وتم اختيار بارو ليكون هذا المنافس، وأصبح هذا السياسي المغمور رئيسًا لجامبيا، بعد أن حصل على 45.5 % من الأصوات، مقابل 36.7 % لجامع. وأكد باور أنه كان غير طامح للسلطة، بل تم إبلاغه بأنه يجري التفكير فيه كزعيم لحزب معارض حينما حضر للإدلاء بصوته في انتخابات الحزب، وهو ما كشفته القيادية في ائتلاف دعم ترشح بارو للانتخابات، رمزية دياب، بأنه قبل أن يأتي إلى التصويت لاختيار زعيم جديد للحزب لم يكن يعلم أن اسمه على بطاقة الاقتراع. وعلى النقيض من جامع، قال كارامبا توراي، المتحدث باسم باور، إن الرئيس المنتخب يخطط لإلغاء بعض القرارات الغريبة التي كان جامع اتخذها، ومنها انسحاب جامبيا من المحكمة الجنائية الدولية الذي أعلن الشهر الماضي، وإنه سيسعى كذلك للعودة للانضمام إلى دول الكومنولث وإلغاء إعلان جامبيا جمهورية إسلامية.. وقال توراي "إنه النقيض لجامع تمامًا. هو يريد استعادة الديمقراطية. سيكون الوضع مختلفًا تمامًا". إدانات وضغوط دولية وعلى الفور أدانت الولاياتالمتحدةالأمريكية "بشدة" رفض رئيس جامبيا يحيى جامع نتائج الانتخابات الرئاسية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر "هذه محاولة فاضحة لتقويض العملية الانتخابية التي اتسمت بالمصداقية في مسعى للبقاء في السلطة بطريقة غير شرعية". ومن جانبها أدانت حكومة السنغال هذه الخطوة، ودعت إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، كما حث وزير الخارجية السنغالي مانكيور ندياي الرئيس جامع على احترام نتيجة الانتخابات. وكان قرار إعلان جامبيا دولة إسلامية من قبل يحيى جامع أثار جدلًا دوليًّا واسعًا، وعلى الرغم من أنه لم يرد تعليق عليه من المجتمع الدولي، إلا أنه منذ ذلك الوقت وبدأت التوترات والاضطرابات تظهر في هذا البلد الصغير، إذ كثرت المظاهرات المعارضة التي شهدتها العاصمة الجامبية «بانجول» ضد نظام جامع، بعد شهور قليلة من إعلان بلاده دولة إسلامية، ومنذ هذه الفترة وقبلها بقليل، ويواجه الرئيس الجامبي انتقادات واسعة من الأممالمتحدةوأمريكا والاتحاد الأوروبي لوضع حقوق الإنسان في بلاده، حيث اتهمت القوى الغربية أكثر من مرة بطريقة رسمية أو عبر إعلامها الرسمي والخاص الحكومة الجامبية بانتهاك حقوق الإنسان وقمع المعارضة، حتى ظهرت المظاهرات الأخيرة في هذ البلد الصغير. وبخلاف ما سبق هناك عداء غربي واضح لهذا البلد الصغير منذ التحول في العلاقة بين جامبيا والولاياتالمتحدةالأمريكية عام 2002، فبدأت منذ ذلك الحين الولاياتالمتحدة تحارب تلك الدولة الصغيرة، وتتدخل في سياستها، حتى تدهورت كثيرًا في السنوات الأخيرة، ووجهت انتقادات دولية لهذا البلد، بعدما أعدم سجناء عام 2012، إلا أن الرئيس الجامبي في ذلك الوقت اتهم الولاياتالمتحدة وبريطانيا بالتحريض على محاولات انقلاب ودعم المعارضة، وفي عام 2014 علق الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت أموال المساعدات لجامبيا؛ بسبب ما وصفته أوروبا بسوء سجلها في مجال حقوق الإنسان.