طالما كانت سلطنة عمان رائدة في سياساتها الخارجية، حيث عُرفت على مدار السنوات الماضية بانفرادها بقراراتها الدبلوماسية وعدم تأثرها بأي من الدول المحيطة بها، وهو ما فتح عليها أبواب العديد من الخلافات مع دول منطقة الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية وقطر، لكن السلطنة بقيت بعيدة عن أي خلافات أو أزمات تورطت فيها الدول الخليجية، وسعت إلى بقائها على مسافة واحدة من الجميع، ونأت بنفسها مرارًا بعيدًا عن الخلافات والأزمات إلا في حدود السعي لتقريب وجهات النظر بين الخصوم، حتى إن دبلوماسيتها عُرفت باتباع سياسة العزف المنفرد والتغريد خارج السرب. أقامت السفارة العمانية في دمشق، مساء الأحد الماضي، حفل استقبال بمناسبة الذكرى ال 46 للعيد الوطني لسلطنة عمان في فندق داماروز بدمشق، وذلك بحضور العديد من الشخصيات السورية السياسية البارزة، وأبرزهم المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية، بثينة شعبان، ونائب وزير الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، والمفتي العام للجمهورية السورية، أحمد بدر الدين حسون. في ذات الإطار أكد القائم بأعمال السفارة المستشار، خالد بن سالم السعدي، أن حضور العديد من المسؤولين السوريين على جميع المستويات وتقديمهم التهاني لجلالة السلطان قابوس والشعب العماني بمناسبة العيد الوطني دليل على أن العلاقات السورية العمانية وطيدة، وتتطور بما فيه مصلحة البلدين الشقيقين، متمنيًا عودة الازدهار والأمن والاستقرار للشعب السوري. من جهتها قالت المستشارة الإعلامية، بثينة شعبان، إن سلطنة عمان تميزت بسياساتها العقلانية وبحكمتها في العلاقات العربية والأمور الدولية، مؤكدة أن للشعب العماني مكانة كبيرة لدى الشعب السوري، وخاصة أن مواقف سلطنة عمان أظهرت الحرص على تكاتف العرب ووحدتهم وحل النزاعات والخلافات. وبدوره أشاد "المقداد" بالروابط القوية التي تجمع سوريا وسلطنة عمان الشقيقة، مضيفًا أن عمان تقف إلى جانب سوريا في هذه الأزمة؛ من أجل التوصل إلى حل سياسي وسلمي يضمن للشعب التخلص من الإرهاب، وأن تمثيل سلطنة عمان ببعثتها الدبلوماسية في السفارة على مستوى قائم بالأعمال لدى سوريا، ووجود سفير سوري في السلطنة، دليل على العلاقات الوطيدة بين البلدين. لا شك في أن دبلوماسية سلطنة عمان أثبتت أنها تملك حنكة سياسية جعلتها تختلف في كافة المواقف عن المحيطين بها، فالأزمات السورية واليمنية وحتى الليبية ناهيك عن الأزمة بين السعودية من جانب وكل من إيران ولبنان وسوريا وحتى العراق ومصر، لم تشهد تدخلًا عمانيًّا، حيث بقيت السلطنة تغرد بعيدًا عن باقى حلفائها في الدول الخليجية، فعمان لم تقطع علاقتها مع صدام بعد تحرير الكويت، ولم تقطع علاقتها مع السادات بعد كامب ديفيد، ولم تشارك في عاصفة الحزم السعودية على اليمن، ولم تقطع علاقتها مع دمشق خلال الأزمة السورية، ولم تقطع علاقتها مع إيران، بل عززتها على الرغم من الموقف الخليجي المعادي لطهران. العلاقات السورية العمانية على وجه التحديد لم تشهد أي تأثر بالأزمة الجارية في سوريا منذ خمس سنوات، ففي الوقت الذي سارعت فيه كافة الدول إلى سحب تمثيلها الدبلوماسي من دمشق ورعاياها المقيمين أو الزائرين، ووضع دمشق في دائرة العزلة الاقتصادية والسياسية، تمسكت القيادات العمانية بموقفها الداعم للجيش السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، فلم توصد السفارة العمانية في سوريا أبوابها، ولم تسحب رعاياها من دمشق، وعلى الرغم من أن هذا الأمر يخالف قرار مجلس التعاون الخليجي القاضي بمقاطعة النظام السوري، إلا أن القيادة العمانية أثبتت جرأة واستقلال قرارها وسياستها الخارجية. الحرب الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات لم تمنع العلاقات الدبلوماسية وتبادل الزيارات بين المسؤولين السوريين والعمانيين، ففي أغسطس عام 2015 زار وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، سلطنة عمان؛ لتلبية دعوة نظيره العماني، يوسف بن علوي، بزيارة مسقط، وبعد أقل من ثلاثة أشهر على زيارة "المعلم"، وصل "بن علوي" في أكتوبر من نفس العام أيضًا إلى دمشق بتمثيل وفد سياسي واقتصادي عماني، وحينها تم التأكيد على استمرار العلاقات ودعم القيادة العمانية لنظيرتها السورية ضد الإرهاب، الأمر الذي أثار غضب مجلس التعاون الخليجي، واعتبره تمردًا عمانيًّا على قرارات المجلس القاضية بمقاطعة الحكومة السورية. في ذات الإطار فإن السلطان العماني، قابوس بن سعيد، طالما حرص على إطلاق المواقف المؤيدة للرئيس السوري، ففي بداية الأزمة السورية أعلن رفض التدخل في شؤون الدول الداخلية، ورفض العمليات المسلحة التي تستهدف إسقاط حكومة الأسد، وفي الوقت نفسه عمل على تقديم الدعم السياسي لدمشق، حيث أظهر هذا الدعم مرارًا في العديد من المواقف، فقد استضافت العاصمة العمانيةمسقط العديد من المباحثات الهادفة إلى التوصل لحل للأزمة السورية، وأكدت مصادر حينها أن إيرانوسوريا تشجعان أن تكون عمان وسيطة في الأزمة وطرفًا فاعلًا في التسوية؛ نظرًا لمواقفها العقلانية والمتوازنة، كما ساهمت زيارة وزير الخارجية العمانيلدمشق في أکتوبر 2015، والمحادثات التي أجراها مع الرئيس السوري، بشار الأسد، في دفع عجلة المساعي الدبلوماسية الرامية إلى حل الأزمة السورية بالطرق السلمية.